حرائق بمنطقة الجبل الأخضر الليبية وتحذيرات من اشتداد النيران (فيديو)    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل    برعاية مصرية.. «النواب العموم العرب» تطلق برنامجها التدريبي من مدينة الغردقة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    مسيرات تحلّق قرب القصر الرئاسي في أوكرانيا    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    «بطلوا تبصولي في القرشين».. عمرو أديب: زميلنا جو روجان بياخد 250 مليون دولار في السنة    تسريب في أحد أنابيب نقل النفط الخام جنوب الزاوية بليبيا.. وجهود متواصلة لإيقافه    الجيش الإيراني يؤكد التزامه بحماية وحدة أراضي البلاد وأمنها    رسميًا بعد قرار المركزي.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي    موعد بداية العشر الأوائل من ذي الحجة 1446ه وفضل صيامها (تفاصيل)    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين صبري عن «المشروع X»: مليان تفاصيل و أتمنى يعجب الناس    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    العثور على جثة شاب مقتولاً فى ظروف غامضة بأسوان.. اعرف التفاصيل    "إكس" تعود للعمل بعد انقطاعات في الخدمة امتدت لساعات    سعر الأسمنت والحديد بسوق مواد البناء اليوم الأحد 25 مايو 2025    "دفاع الشيوخ": قانون الانتخابات يرسخ مبادئ الجمهورية الجديدة بتمثيل كافة فئات المجتمع    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    زيلينسكي: المرحلة الثالثة من تبادل أسرى الحرب ستُنفذ الأحد    استعدي لعيد الأضحي.. أفضل طريقة لتنظيف الكنب و فرش الأثاث بدون كيماويات    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    «الرمادي»: كنا بحاجة إلى تحقيق الفوز لاكتساب الثقة بعد فترة من التعثر    سعر الذهب اليوم الأحد 25 مايو محليًا وعالميًا.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    «أباظة» يكرم رئيس حزب الجبهة الوطنية في ختام مؤتمر الشرقية| فيديو    موجة حر شديدة تضرب القاهرة الكبرى.. انفراجة مرتقبة منتصف الأسبوع    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    زلزالان خلال 10 أيام.. هل دخلت مصر حزام الخطر؟ أستاذ جيولوجيا يجيب (فيديو)    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    ميلان يختتم موسمه بفوز ثمين على مونزا بثنائية نظيفة في الدوري الإيطالي    بسبب مضاعفات ما بعد الولادة.. وفاة أول رجل عربي "حامل"- صور    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    محافظ الغربية يتفقد مستشفى طنطا العام الجديد في أول أيام استقبال الطوارئ    وزير الشؤون النيابية بمؤتمر حزب الجبهة الوطنية: نفتح أبوابنا لكل الرؤى    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    رئيس «برلمانية التجمع»: وافقنا على قانون الانتخابات لضيق الوقت ولكن نتمسك بالنظام النسبي    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء الخطة التدريبية لسقارة للعام المالي الحالي    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موتي يعيدون تشكيل الوجود
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 08 - 2011

ينطلق ديوان "موتي يجرون السماء" للشاعر موسي حوامدة والصادر مؤخرا في القاهرة عن دار أرابيسك من مفهوم المخالفة للمستقرات الثقافية الراسخة، والتي تؤكد، أولا النفور من الموت بوصفه غيابا، فإذا بالذات الشاعرة تستعجله وتذهب إليه اختياريا بوصفه خلاصا من الجحيم الأرضي المفعم بالانكسارات والانهزامات الشخصية والجمعية، ممثلة في الذات ووطنها المحتل الضائع.
كما نري هذه المخالفة للمستقر الثقافي، ثانيا، عبر إعادة تشكيل وبناء مفهوم الفاعلية، فالمعتاد في الثقافة هو أن السماء هي التي تمتلك الفعل، فهي الفاعل أبدا، في حين أن الإنسان يظل في خانة المفعول به، ولكن الشاعر قام بحالة قلب لهذه المفاهيم، فإذا بالموتي يقومون بالبدء في الفعل، فهم المبتدأ، وأيضا هم الفاعل المستتر عبر ضمير الغائب (هو) في جملة الخبر، فوجودهم مزدوج ومضاعف، علي عكس السماء التي تأتي مفعولا بها في جملة الخبر.
بالإضافة إلي الملمحين السابقين نلمح، أيضا، حضور الموتي في العنوان رغم غيابهم الواقعي المفترض، في حين أن الأحياء الحاضرين افتراضيا يصبحون موتي وغائبين في العنوان، فحضور الموتي في العنوان يحيلنا مباشرة إلي غياب الأحياء، وفاعلية الموتي تحيلنا، كذلك، إلي لافاعلية الأحياء واستلابهم بطرائق شتي، فالموتي يحيلون إلي نقيضهم الذي لا ينفك، في الواقع المعيش، أن يباهي بحضوره الزائف وفاعليته المتوهمة.
ولعل ما سبق من مخالفات للأنساق الثقافية المهيمنة هو الذي دفع الذات الشاعرة إلي افتتاح الديوان بقصيدة "حين يأتي الموت" والتي يبدأها بمقطع كثيف الدلالة يقول فيه: "حين يأتي الموت/ سأبصق في وجه الحياة؛/ أقنع نفسي أن الدنيا بائسة،/ وأن الناس كل الناس ديدان صفراء"، فهذا المقطع يتسق مع ما ذهبنا إليه من إعادة تشكيل مفاهيم الموت والحياة، وإعادة ترتيب ثنائية الموتي/ الأحياء؛ إذ يحتل الموتي في هذا المتخيل الشعري المكانة العليا علي الأحياء، بل وعلي السماء أيضا، كما أن جملة " الناس، كل الناس، ديدان صفراء" تبدو ناصعة في سياق إعادة تشكيل العالم هذه، إذ يستحيل معها الناس/ الأحياء إلي ديدان، مع ما هو معروف عن أن الديدان هي التي تأتي علي جثث الموتي لتنهي عليها وتمحوها من الوجود المادي، فكأن الذات الشاعرة تعيد تأسيس العلاقة المركبة بين الأحياء والموتي، وتفكك الصورة التقليدية عن الأحياء الذين يتباكون علي الموتي وينعونهم، بل تراها من منظور أكثر عمقا، حيث تصبح الفاعلية الوحيدة للحي هي أن يأكل يحمل أخيه ميتا، ولعل هذا يمثل تناصا خفيا مع النص القرآني.
يتضام مع المقطع السابق مقطع آخر من القصيدة نفسها، يقول: "كلما كان عدد المشيعين أقل/ كان ضميري أكثر بياضا،/ وكلما كانت الدموع أقل/ كانت أخطائي أجمل،/ لينصرف المعزون قبل تدشين البياض../ لينصرفوا؛/ ليست لي حاجة إلي مديح ناقص،/ ليست حسناتي مشجبا للنفاق،/ لينصرف الأوغاد." فنحن بإزاء علاقة عكسية بين المشيعين والبياض، وكأن وجود بشر يتراوح عكسيا مع النقاء والصفاء، ومن ثم فإن الذات الشاعرة يأمر المعزين بالانصراف قبل تدشين الباض وكأن وجودهم يعوق هذا التدشين ويعطله، وكأن وجود أحدهما ينفي وجود الآخر.
ويتساوق مع ثنائية الأحياء/ الموتي، ثنائية أخري تتجاور معها علي المستوي البنيوي، وهي ثنائية الجسد/الظل والتي نلمحها تطل من قصيدة "كما ليلي يطرق باب الفجر" والتي يقول فيها: "يمشي، خفية، ظلي علي الأرض/ خفية، يزور مدينة ساحلية/ يقتفي أثر وعول جافلة/ يدخل بارا قديما في حي من أحياء القاهرة،/يمر علي مقبرة المماليك،/ يداعب قطة سمينة عند موقف سفريات ألماظة،/ يري نفسه شهابا في مجرة نائية،/ يبني قصرا عامرا من كلمات" فالظل هو الذي يمشي ويزور ويقتفي ويدخل ويداعب ويري ويبني، إنه صاحب الأفعال كلها، إنه الفاعل الحق، وليس محض صورة باهتة للجسد الحي، كما هو مستقر في النسق الثقافي التقليدي، وكأننا في حالة دائمة من المحاولات الدؤوبة لتدمير تلك الأنساق وتفكيكها.
في إطار هذه الحالة من إعادة تفكيك الوجود بغية إعادة ترتيبه وفق الرؤية الخاصة للذات الشاعرة، سنجد هذه الذات تلتفت التفاتتين مهمتين في قصيدة "أسوة بحليب الأم ندمي"، إحداهما للماضي والأخري للمستقبل، حيث يقول: "يا معلمي/ لم تعلمني باليقين ما نلته بالدهشة/ لم يفدني التراتب كما حررني العشق/ لم توصلني بالخشونة ما ذقته بالفتنة/ أدين لك بابتعادي عنك/ تجبرت بي حتي خسرت مقام الهوي" فالذات، هنا، تحاكم الماضي وتخضعه للمساءلة واللوم، متخذة من المعلم رمزا لهذا الماضي وللصيغ الأبوية للثقافة وتلقين أنساقها الراسخة، وربما استحضار مفردة التراتب في مقابل "حررني العشق" يبدو استحضارا دالا علي نمطين من الوعي أحدهما مولع بالتراتب الهيراركي ذي الطابع السلطوي البطريركي، والآخر يرنو نحو التحرر الذي لن يتأتي سوي بالعشق، فنحن أمام نمطين من المفردات كل منهما ينتمي لنمط معين من الوعي ورؤية العالم والتعاطي معه: (اليقين، التراتب، الخشونة) في مقابل (الدهشة، العشق، الفتنة).
في مقابل هذه الالتفاتة للماضي، نجد التفاتة أخري للمستقبل، ابتغاء إعادة تشكيله وفق تصورات الذات لما يجب أن يكون، يقول: "أسوة بي كن مريدي/ ضم جنايتي/ لا تأبه لحماسة أبي تمام/ ولجد المتنبي/ باشر غناءك الخفي/ صلاتك السرية/ صن روحك من عطب النشوة" وسنجد هنا استخدام ضمير المخاطب وكأن الذات تخاطب نفسها باعتبارها ذاتا أخري غير تلك التي تعرفها، ذات جديدة تماما مازالت تتلقي أوليات المعرفة، في حين أن الذات القديمة التي خبرت الدنيا أخذت موضع المعلم، ولكنه المعلم غير التقليدي، ورغم إنه يستخدم كثيرا أساليب الأمر والنهي (كن، ضم، باشر، صن، لا تأبه) فإنه سشتخدمها نحو تدمير التراث الرسمي للمعرفة الجمعية (أبو تمام والمتنبي) وينحو باتجاه الاستماع إلي هسهسة الذات ووشوشتها الرهيفة، باتجاه الإخلاص لطقوسها الخفية والسرية بعيدا عن الصكوك التقليدية للمعرفة، حيث تبدو الذات وتشوفاتها هي مرجعية نفسها، بقطع النظر عن أية مرجعيات خارجها.
لا تكتفي الذات الشاعرة بإعادة تشكيل الوعي بالعالم فقط، بل يتحول نحو الشروع في إعادة تشكيل الوجود كله، بعد أن يصل إلي جنته المعرفية المبتغاة، فنراه في قصيدة "هناك في أعالي الجنة" يقول: " تلبسني شيطان الأرض ومد لي جسرا إلي بوابة السماء،/ هناك. في أعالي الجنة./ وجدت الدلفين يراقص الغراب؛/ الحمامة تأكل عين الأسد؛/النعامة تلدغ الأفعي؛/ السعدان يمط رجليه في وجه الحصان؛/ الجبال تتهادي بين يدي الهدهد؛/ الهضاب تمط إليتيها قرب ذقن الجبل؛/ الصحراء خضراء مكسوة بالشجر؛/ الواحات قفرا ترشح بالسراب" فجميع مفردات الكون تنتزع من إرثها وأدوارها المعهودة، وتكتسب أدوارا جديدة، تتسق مع الوعي الجديد بالعالم، بعد أن يتم تدمير الصور التقليدية وتفكيكها.
عمر شهريار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.