لا يشبه روبيرتو بولانيو إلا نفسه، هو الرجل النحيف الطويل، المختبئ خلف نظارة طبية ضخمة تطل من ورائها عينان شقيتان تتحديان العالم وتسخران منه. هو طفل منكوش الشعر يهوي تفكيك اللعب، وتكسيرها، ليعيد صناعتها من جديد علي هواه. وهو شاب لم يحترم المقدسات، يفككها ويخفي آثارها ليصنع مقدسات خاصة به، تحمل اسمه وبصمته، وهو رجل ودّع العالم في عز مجده، ليبقي خالداً بكتاباته التي تتوالي منذ وفاته، وكأن المجد كان مدخراً له في صندوق مغلق لم يُعثر علي مفتاحه إلا مع خروج روحه. بولانيو الروائي سخر من الواقعية السحرية في ذروتها، ليصنع تياراً جديداً أسماه "ما وراء الواقعية" ليهدم بذلك أساطير ويشيد، ربما دون أن يدري، أساطير أخري. وبولانيو القصّاص سخر من القصص المركبة والغامضة، رغم شغفه ببورخس، ليكتب القصة التي تبدو بسيطة، سلسة في سردها، متدفقة، ربما حتي لا يقول شيئاً سوي "الحكي". أما بولانيو الفرد، فليس إلا هذا المشاغب والمتمرد، المتجول في بلاد الله، الذي لم ينتم أبداً لشيء إلا لأولاده. إنه الفنان الخارج علي كل القوانين، والثائر الذي لا يعرف الحدود، والبسيط في هيئته وحياته حد أنك لا تستطيع أمامه سوي الربت علي كتفه في حنو.