كم افتقدنا نصر ابو زيد في هذا الوقت الذي يمر به الوطن كنا في أشد الاحتياج اليه . إلا ان اعماله باقية وستبقي لاجيال قادمة علامة مضيئة في فترة انتشر فيها ظلام كثيف. كان شمعة مضيئة لم تستطع ان تطفئها رياح الجهل والظلام. أهم ما يميز التعليم الجامعي هو تشجيع الطالب علي البحث والتفكير المستقل ، إن فقد الطالب قدرته علي التفكير المستقل، اصبح تعليمه لا يساوي الكثير . ان ضعف التعليم عندنا ومنذ المراحل الاولي يعود الي اننا نلغي عقل الطالب ونعلمه بالتلقين والا يختلف بالرأي عما يقوله المدرس . يترك الطالب المنزل فيترك رب وربة البيت ويذهب الي المدرسة فيجد ربا آخر في الفصل لا يسمح باختلاف الرأي ، نحن لانستطيع ان نناقش الكثير مع ذلك الرب البشري . كل ذلك أوجد في داخلنا نوعا من الاستسلام والخضوع في المنزل ثم في المدرسة ثم للرئيس في العمل. اهم ما يميز نصر ابو زيد انه لم يكن ذلك المدرس، كان يشجع طلبته علي القراءة والتفكير المستقل حتي وان اختلف ما توصل اليه الطالب عما اعتقد به نصر ابو زيد. لقد ذكر نصر حادثة لأحد الطلبة عندما كان يدرس في السودان وكان الطالب مختلفا تماما مع آراء نصر ابو زيد، إلا ان الطالب حصل علي امتياز في إختبار آخر العام، ليس لانه أجاب بما يرضي استاذه بل لانه اختلف معه، هكذا كان نصر يشجع وينمي استقلالية الطالب ويعلمه في نفس الوقت احترام رأي الاخر. لم يصدق الطالب ان أستاذه لم يتعمد اسقاطه. كما يتوقع اغلب الطلبة إن اختلفوا مع مدرسيهم ، لقد كافأ نصر الطالب ليس لما كتب ولكن لاستقلاليته في الاجابة وان كان قد لامه لانه نصب نفسه قاضيا في قضية تحتمل اراء مختلفة. هذا هو نصر ابو زيد واعتقد انها كانت اهم مميزاته.كان كثيرا ما يقول "انني سعيد بالطالب الذي يختلف معي في الرأي لان الطالب الذي يوافقني في الرأي لن اعرف ان كان وافقني لانني مدرسه او لان الطالب فعلا مقتنع بآرائي". لقد كنا في الماضي نسمي بعض المدرسين الاكفاء "المربي الفاضل"، هكذا كان نصر حقا مربيا فاضلا. كان نصر شجاعا حارب حربا عاتية ولم يستسلم ابدا. ساندته في ذلك زوجته ابتهال يونس وبعض المثقفين الحقيقيين. لم تساند الدولة حرية الفكر في اهم معاقل العلم في مصر لان الدولة لم تسع لانشاء مؤسسات حقيقية ذات استقلالية فكانت النتيجة هي تدهور مصر بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخنا الطويل . الدولة اختارت ان تبني الدمي ، اما نصر فاختار ان يبني الانسان . ان نبني الانسان هو المفتاح لبناء مصر الجديدة ، مصر ما بعد 52 يناير. كم كنا نسعد بزيارت نصر محاضرا في امريكا ، كنا نسعد بالحديث معه في موضوعات متفرقة وان كانت في أغلبها تدور حول مشاكل الوطن بصورة أو اخري . لقد افتقدناك كثيرا يا عزيزي ولكنك تركت لنا خميرة طيبة كنت تسميها "حديقتي الصغيرة" . حديقتك يا عزيزي ستنمو وستطرح ورودا كثيرة ويؤسفنا انك لن تكون معنا بجسدك لتستمتع معنا ببعض نتائج اعمالك . لقد كنت وستظل في وسط زمرة طيبة من المفكرين المصريين المستقلين الذين سيذكرهم لنا التاريخ دائما.