الشعب السند والدرع الحامية للوطن |السيسى: 30 يونيو ملحمة وطنية ونقطة الانطلاق للجمهورية الجديدة    أوقاف الفيوم تعقد ثلاث ندوات علمية على مستوى المحافظة    أميرة العادلي: 30 يونيو لحظة انطلاق نحو بناء دولة مدنية حديثة    رئيس هيئة النيابة الإدارية يُكرم أعضاء مركز التدريب القضائي    30 يونيو.. ثورة شعب وبداية الجمهورية الجديدة    النائب عبد المنعم: أنا مالك وأعترض على قانون الإيجار القديم.. كنا نعلم بالخلوات وأن العقود ستورث    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 1 يوليو 2025    أخبار 24 ساعة.. إنهاء إجراءات صرف وتسليم تعويضات ضحايا ومصابي حادث المنوفية    "إنت واعى" حملة توعوية لتعزيز السلوك الحضاري في شواطئ ومزارات دمياط    تراجع أسعار النفط مع استقرار وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل والمخاوف من زيادة الإمدادات في السوق    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا لايعود " الكونستابل " !!    مصدر حكومي: 100 مليار جنيه الأثر المالي المتوقع من تعديلات «القيمة المضافة»    «محيى الدين» ينتقد قيام الحكومة بدور القطاع الخاص: ضرره كبير على الدولة    قرار تاريخي.. أول تعليق من «الشيباني» على رفع العقوبات عن سوريا    نتنياهو يتوجه إلى واشنطن الاثنين المقبل في ظل ضغوط ترامب لوقف إطلاق النار في غزة    تحقيق استقصائي لرويترز : قوات تابعة للشرع أعدمت 1500 من العلويين ميدانيا    ذاكرة الكتب| كيف وصف «هيكل» حالة طهران قبل الثورة؟    بابا الفاتيكان: استخدام التجويع في الحرب وسيلة رخيصة    رئيس الوزراء الفلسطيني: الاحتلال هو العائق الأكبر أمام التنمية    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. بابا الفاتيكان: استخدام التجويع في الحرب وسيلة رخيصة.. مسئول ألماني يدعو لإنشاء مظلة نووية مستقلة عن الولايات المتحدة.. بوتين: بناء 23 ألف منشأة بالمناطق الجديدة    وزير الخارجية السوري: رفع ترامب للعقوبات يزيل عقبة أمام التعافي الاقتصادي    فلومينينسي يفجر مفاجأة ويقصي إنتر ميلان من كأس العالم للأندية    الأهلي يوضح موقفه من عروض رضا سليم    طبيب الأهلي يزف نبأ سارا بشأن إمام عاشور    خيرمان كانو ينضم لقائمة تاريخية في المونديال    رومانو يحسم جدل مصير ميسي مع إنتر ميامي    مهاجم ريال مدريد محط أنظار أندية البريميرليج    القنوات الناقلة مباشر لمباراة الهلال ضد مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية.. والمعلق    وفد من وزارة الشباب والرياضة يستقبل أبطال منتخب السلاح بعد تصدرهم بطولة أفريقيا    ارتفاع عدد المصابين إثر تسرب غاز داخل مصنع ثلج في الشرقية ل19 شخصا    أمطار لمدة 24 ساعة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة    مصرع 3 مزارعين اختناقاً داخل «بلاعة صرف صحي بالفيوم»    إمام كارفور المعادي والأزهري    على باب الوزير    عمرو أديب: «وزير النقل قال أنا مقاتل وهذا أمر عظيم.. مقاتل يبقى قاتِل واشتغل وحاسب»    ضرورة ملحة للالتفات إلى الصحة الجسدية.. برج العقرب اليوم 1 يوليو    عادل حمودة: معرض الكتاب ضم روائيين كبارا.. ومصر بها عشرات مثل نجيب محفوظ    أكرم القصاص: 30 يونيو أعادت لمصر هويتها ودورها المحوري عربيا وأفريقيا ودوليا    أستاذة علم اجتماع سياسى: شكرا سيادة الرئيس.. الجميع في مصر معاك "فيديو"    وزير الثقافة خلال زيارته لمعرض الكتاب بالفيوم: اتربيت على لعبتي السلم والثعبان والإيروبيك    من 20 يوليو حتى 6 أغسطس.. الدورة ال18 من المهرجان القومي للمسرح تنطلق تحت شعار "المهرجان في كل مصر"    «كفر السنابسة».. حكايات البحث عن «لقمة العيش»    «مطعم الحبايب».. كوميديا ورومانسية تجمع أحمد مالك وهدى المفتي    محافظ بنى سويف يوجه بفحص عاجل لملابسات وفاة سيدة أثناء ولادة بمستشفى خاص    هيئة الدواء توجه نصائح مهمة للرياضيين قبل تناول المكملات الغذائية    تجارة المخدرات تقود سائق وعاطلين للسجن المشدد 6 سنوات بكرداسة    قبول دفعة جديدة بالأكاديمية والكليات العسكرية للطلبة 2025    عبر بوابة الوظائف الحكومية.. وزارة النقل تعلن عن وظائف شاغرة للمهندسين 2025    محافظ أسوان يعلن جاهزية المنظومة الطبية لتشغيل التأمين الصحى الشامل غدا    دعاء الصباح مكتوب وبالصور.. ابدأ يومك بالبركة والسكينة    بيان بشأن الخدمات المقدمة للمحامين في إطار تنفيذ رؤية مصر 2030    دينا أبو الخير توضح حكم صلة الرحم في حالات الأذى والحسد: «افصل بين الشخص وسلوكه»    متى يتم المسح على الخفين والجوارب في الوضوء؟.. عضو مركز الأزهر توضح    ما هو حق الطريق؟.. أسامة الجندي يجيب    وجه الشكر للأطقم الطبية.. وزير الصحة: 300 مستشفى لاستقبال مصابي غزة للعلاج في مصر    انطلاق القوافل الطبية العلاجية بالجيزة غدا- تفاصيل    «الرقابة النووية» تطلق العدد السابع من مجلتها التوعوية بعنوان «الأمن المستدام»    ما فضل صيام يوم عاشوراء؟.. أجرٌ عظيم وتكفيرٌ للسنة الماضية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السيد سعيد في الميدان
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 06 - 2011

ما الذي جعلك يامحمد تتعجل الرحيل قبل ان تري حلمك يتحقق في ميدان التحرير؟.
أنت الذي كان اسمك هتافا لنا في نفس الميدان، عام اثنين وسبعين، ونحن نصرخ طوال ثلاثة أيام اعتصمنا خلالها حول »الكعكة الحجرية« مطالبين بفك اعتقالك مع رفاقك الشجعان؟
كانت هناك شهور قليلة لتحلق بركب الثورة، لتري مريديك الشباب وهم يرفعون الأكف بأصابع ترتفع إلي السماء، يواجهون جحافل العسس بصدور عارية، يطلبون الشهادة بكل شجاعة أصحاب الحق في الحرية والعدالة والديمقراطية، صامدين، يتبادلون حراسة المبادئ، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لم تثنهم الوعود الكاذبة، ولا المناورات الخسيسة، ولا غارات الأعراب المتخلفين علي الجمال والبغال والحمير والخيل العمياء، لا القنابل المسيلة للدموع ولا رصاص دمدم المحرم دولياً ولا القناصة أو المقنعين أو العسس المستخفين في ملابس النساء (الذين كبلوك وعذبوك في العام 98 في الحادثة التي عرفت باسمك لأنك كنت الهدف الأول والمثال الصارخ يرهبون به الثوار)، ولا أكاذيب الكتبة الفاسدين المأجورين ولاتقاعس الانتهازبين ولا أصوات البوم الناعق بصوت يملأ الفضاء بالسموم السوداء ولا لابسي مسوح المواءمة والمماطلة واللطم علي الخدود ولا تجار العقائد الذين باعوا واشتروا من تحت الطاولات ومن جنبها وأعلاها النخاسون في سوق العطايا الحرام هم أنفسهم أصحاب الأجندات المشبوهة، الانتهازيون الذين يسرقون الثورة علي مرأي ومسمع من الجميع وبموافقة الكثيرين، وتحت تهديد ميليشات مدربة علي العنف والقتال والاغتيال.
اسأل : لم سكت الجميع وتناسي ظهور هذه الميليشيات تستعرض قوتها في ساحة جامعة الأزهر وأمام مكتب رئيس الجامعة أحمد الطيب إذ ذاك؟.
ليلة السادس والعشرين من يناير الماضي ذهبت إلي ميدان التحرير بصحبة ابنتي الصغيرتين بقصد أن تشاهدا بدايات الثورة، مشيت اتجول هنا وهناك.. فسألتني الصغري: إلي أين نحن ذاهبون؟، قلت: إنني أبحث عن عمو محمد السيد سعيد.
الغريب أنها تذكرته، وكيف لا لأني تعمدت أن آخذهما إليه في مكتبه بجريدة البديل ليراهما، فتهلل وهو يحملهما ويرفعهما عالياً فرحاً كطفل، وكانت المفاجأة أن أخرج من درج مكتبه عروساً من القماش، فضجت الكبري بالضحك.
- رئيس تحرير شايل عرايس أطفال في درج مكتبه.
وشاركتها الأخري في الضحك، وللحظة تشاركنا جميعا في وصلة ضحك طويلة لم تنسياها، كما لم تنسيا عروس رئيس التحرير »الممهورة« باسمه حتي الآن.
عام 0791 كانت العوادي قد ألفت بي في مسكن متواضع في منطقة متواضعة من أنحاء شارع الهرم، وبالصدفة البحتة زارني الصديق محمد ابراهيم مبروك بصحبة عزت عامر، قضينا وقتاً حتي خرج مبروك إلي الشرفة ليكتشف اننا بالقرب من بيت سيد سعيد، لم تكن اللقاءات تجري بيننا بمواعيد مسبقة، فنزلنا إليه وطرقنا الباب فإذا بسيد يتهلل فرحاً بالأصدقاء كعادته.
كان الجرامافون يأتي بصوت كنشرتو الوتريات الشهير لبتهوفن، من الشرفة المعدة كغرفة استماع، ودخلنا جالسين في صمت نتتبع هذه القطعة الرائعة من الفن الرفيع حتي انتهت، بعدها راح سيد سعيد يشرح واقفا تفاصيل الكنشرتو بطريقة تشبه حديث المعلم الكبير حسين فوزي وهو يشرح لعشاق الموسيقي الرفيعة ابعادها في البرنامج الثاني بإذاعة القاهرة، هذه الجلسات الموسيقية أصبحت ولسنوات عادة محببة لي كلما أحسست بشوق للسباحة في عالم الروح، وكلما أحسست بالحاجة لدفء أخوي كان يمنحه سيد سعيد بكل كرم لكل الأصدقاء.
كما لا يمكنني، أو أي من الأصدقاء العديدين الذين كانوا يترددون إلي هذا البيت، إلا أن نذكر بكل العرفان أختنا الفاضلة فاطمة سعيد زوجة سيد ورفيقة عمره ونضاله، فهي التي كانت ما أن نهل حتي تسأل سؤالها الأول، لأنها كانت تهتم بنا، وكأنها مسئولة عنا: أتغديتو؟
ولاتنتظر لتهم بإعداد المائدة.
وهي كانت تري أننا، كمغتربين وعزاب ، دوما علي درجة أو أخري من الجوع، وكانت هي دائما علي استعداد لتطعمنا من يديها الكريمتين بكل حنان الأخت والابتسامة التي لاتفارق وجهها الضحوك، لذا كان طعامها بلسماً للروح لاتنمحي آثاره حتي مع مرور السنين.
كان محمد السيد سعيد في هذه الأيام مشغولاً بتحصيله العلمي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ونادرا ما كان يأتي ليجالسنا في شرفة الموسيقي، لكنه كان حين يأتي لايجيء خالي الوفاض من تعليق علي قصة قرأها، لي أو لمحمود الورداني، أو قصيدة لعزت عامر، أو يلوح بكتاب قرأه ويشغله ما فيه باعتباره قضية شخصية، لكنه لم يكن يستعرض ابداً أمامنا نشاطه السياسي الدءوب في الجامعة، حتي أننا فوجئنا بقوة وعمق هذا النشاط،وهو ما تجلي بعد ذلك في مساهمته المتميزة في قيادة الحركة الطلابية اليسارية في جامعة القاهرة.
كان يتصرف بحكمة جعلتنا بالفعل نطلق عليه محمد الحكيم.
فيما بعد سنوات طوال ها هو محمد يصوغ رأيه في مسألة المثقف والثورة، لطرح مصطلحين مهمين، الأول عن »المثقف المستقيل« والثاني عن »المثقف الحكيم«.
يقول في مفتتح العدد الثالث من مجلته المتميزة »أحول مصرية 9991« والتي ستبقي أعدادها بين مجلدات أعظم المجلات الثقافية في تاريخنا، يقول حول مفهوم المثقف المستقيل:
»إن جوهر المشكلة هي أن الإعلام الرسمي »والآخر المدجن« يسعي بكل قدرته علي تعمية الرأي العام عن قضاياه واختياراته الحقيقية، لكن هذا قد جاء أصلا بسبب استقالة المثقفين والمفكرين الجادين والعصريين عن ساحة العمل العام.. »بتصرف«.لكنه يعود ويؤكد علي فكرته الثانية التي تكمل الأولي:
»إن البديل للمناضل الأيديولوجي -والحال كذلك - هو إعادة بعث روح وشخصية الحكيم أي ذلك الشخص القادر علي فهم سياقات المشاكل ومظاهر التطور السلبية والإيجابية واقتراح بدائل واختيارات متعددة لتصحيحها، ولدفع التطور التقدمي للمجتمع، هذا المثقف الحكيم هو الذي يوسع طيف الاختيارات الاجتماعية التي يكون الشعب هو نفسه صاحب الحق في حسمها«.
صدقت أيها الحكيم، فقد تحقق حلمك وأخذ الشعب -صاحب الحق- الأمر بيده وحسم الأمر: لا حياة دون كرامة، لاحياة دون حرية، لاحياة دون عدالة، ومن أجل هذا يجب ان يتم القضاء علي الفساد وان يخرج المفسدون من حياتنا«.
في المرة الثانية لزيارتي التحرير، وكانت المعركة قد وصلت الي استقالة الرئيس ومن حول الرئيس، بدأ شكل الميدان يتغير وبدأت أشكال الانتهازيين تظهر، وأحسست بقلق جديد، حل مكان القلق القديم، وحين تعبت من التجوال مستنداً إلي سور الميدان كأنني بهاتف يحمل صوتك، موجها كلامه لجموع الشباب الثائر:
- احذروا، انتم مقدمون علي المعركة الأكبر، معركة الحرية، حرية التعبير، حرية الإبداع، حرية الرواية، حرية البحث، حرية الفيلم، حرية اللوحة، حرية القصيدة التي كتبت وتلك التي لم تكتب بعد.
احذروا فالموقعة المقبلة هي الأقصي، والأطول، وربما الأكثر مرارة، لان الطرف الآخر: جحافل جاهلة تقودها جيوش الظلام.
وعلي المثقف المستقيل، الذي كان يجلس علي مقهي المعاشات لسنوات، يلعب الطاولة ويشد أنفاس الشيشة وقد غزاه الشيب، أن يثبت انه لم يستقل للأبد، وانه قد امتلك الحكمة التي أوصيته بها أيها الحكيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.