[email protected] كان ذلك يوم السبت في اليوم الذي اجتمع فيه مجموعة من المثقفين الوطنيين من رجال ونساء مصر شبابها وشيوخها.. جميع أطيافها وتنوعاتها الثقافية والعرقية والدينية.. لابسو الجلابيب والبدل والجينز، في اللقاء الذي جمع المهمومين بمستقبل مصر من أقباط ومسلمين بلا حساسية أو تمييز أو مجرد تفكير شخصي في هوية الحضور.. تساوي لابسو الزي الأزهري مع لابسي البدلة الإفرنجية مع لابسة الحجاب مع السافرة.. وخطرت في ذهني قصيدة شوقي الرائعة "بين السفور والحجاب"، التي يستهلها بقوله: "صدّاح يا ملك الكنار ويا أمير البلبل". المؤتمر دسماً بموضوعاته.. دسماً بشخصيات مقدمي أبحاثه، غنياً بجديته، بسيطاً في طقوسه التي جاءت، علي بساطتها، مليئة بالدلالات.. تحية الشهداء.. فمن اللحظة التي تصل فيها الحافلة متجهة إلي قاعة "خوفو" بمركز المؤتمرات تصافح عيناك صور الشهداء، تذكرك- إن كنت نسيت- أن دماءهم هي التي صنعت لك هذه اللحظة وأقامت هذا المؤتمر الأول من أجل مصر بعنوان "الشعب يحمي ثورته". ولك أن تتخيل لحظة الجلال الافتتاحية حينما عزفت الموسيقي السلام الوطني. إنه إحساس مختلف عن أي حفل كان يقام قبل ثورة يناير.. إحساس بالامتلاء، بالفخر والانتماء والمسئولية والقيمة.. كل فرد في هذه القاعة والقاعة الإضافية أحس بأن له قيمة ودورا. اقشعرت الأبدان والحضور يترنمون بكلمات النشيد، وكانت بداية رائعة احتوت الحضور وصار الكل في واحد. وبدأت جلسات المؤتمر. وبالمناسبة شد انتباهي احتجاج الدكتور ممدوح حمزة وهو ينهر بانفعال أحد الحضور: "هذه خيانة"، لأنه لم يصبر علي الانتظار ليتسلم بطاقة دخول القاعة فالتف خلف أحد شباب مجموعة العمل ليسبق المنتظمين في الدور.. رفض بشدة وصاح فيه: لا.. خطأ.. هذه خيانة.. قف في دورك.. إذا كان المؤتمر عنوانه "الشعب يحمي ثورته"، فهل يبدأ أحدهم بخطف ما ليس من حقه؟. عندئذ أدركت أننا بحاجة إلي تدريب طويل ومستمر لنتخلص من سوءات التربية الانتهازية، ونعرف معني الصفاء والشفافية في التعامل. أوراق المؤتمر متنوعة بين الدستوري والاقتصادي والانتخابي.. أرادت أن تكون جامعة مانعة فقدمت مجموعة العمل الوطنية لنهضة مصر الدستورية والقانونية، وهذا اسمها، ورقة بعنوان "إعلان مبادئ الدستور المصري القادم بعد ثورة 25 يناير سنة 2011"، وقرأتها عن المجموعة القاضية المستشارة تهاني الجبالي، وكانت الأفكار المطروحة خلاصة جهد عشرين مستشاراً ودكتوراً ممن يشغلهم العمل القانوني والدستوري، ولعل الانطباع الأول لهذا الجهد المحترم هو إعادة تجذير مصر في تاريخها وجغرافيتها بما لها من عبقرية. ولكن الأمر الأكثر إسعاداً هو المداخلات التي أثرت المعروض في الأوراق إلي حد عجز المذيع الداخلي، الإعلامي حسين عبد الغني، عن تقديم كل من أراد المداخلة حينما رفع كتلة من الأوراق قائلاً إنها ألف طلب للمداخلة، فعلام يدل ذلك إن لم يدل علي الروح الإيجابية والإحساس بالمسئولية والرغبة في أن يقوم كل فرد من أبناء الوطن بدور في إعادة بناء ما أفسدته طغمة حاكمة، ولكن دعنا من هذا فالروح الجديدة كفيلة بصنع المعجزات والأعاجيب في كل الأحوال.. هي بداية طريق، وربما بداية طرق ومع أن الحركة تبدو في بعض الأمور بطيئة، وإعلان النوايا وحده غير كاف.. إلا أن النتائج في النهاية وطبقاً لقانون التداعي الحر المدعوم بإرادة وجهد سيحقق الدولة الحلم وإن كره الكارهون.. والكارهون كثر أطلت رؤوسهم في ذات اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر من أجل بناء مصر.. السبت السابع من مايو.. في نفس اليوم قبل أن تدق الساعة الثامنة مساء اشتعل حريق مصطنع في حي إمبابة، الذي كان في مطلع ثورة 1952 يضم مدينة جديدة أعطاها جمال عبد الناصر اسم "مدينة التحرير"، وكانت تضم مئات من الفيلات الأنيقة المحاطة بالحدائق، المشرفة علي مئات الأفدنة الخضراء التي يقطعها قطار الغلال في طريقه إلي صوامع الغلال والمطبعة الأميرية المطلان علي النيل الخالد، وللأسف انتهي حال هذه المدينة الوادعة التي شهدت سني عمري الأولي إلي هذا الوضع المؤسف بعد أن حاصرتها العشوائيات، واكتظت بأعلي كثافة بشرية، وتقوقعت علي ذاتها في زمن غياب الدولة وتركها الحبل للتيارات المتطرفة تنفرد ببسطاء الناس وتغسل عقولهم بفكر عقيم لا يسفر إلا عن ظلام، ولا ينجب إلا العقم ولذلك سفكت دماء كثيرة منذ ظهر هذا الفكر الشاذ الغريب الوافد، ولا أجد ما أقوله إلا أن أدعو كل قادر علي التواصل مع الناس في مثل هذه الأحياء إلي التوعية والموعظة الحسنة، وألا يترك الساحة لأنصاف المتعلمين المتفيهقين بغير فقه حماية للوطن وأبنائه.. أما قصة إسلام مسيحية أو تنصر مسلم فهي الأسباب المعلنة، أي غير الصادقة فالدين لله وحده وكلنا عبيد الله. وهذه الحرب بين أبناء الشارع الواحد والحي الواحد ليست من شيم المجتمع المصري.. إنها انفجار ضيق مكتوم لا يعلم مداه أحد، ولكنه نتيجة شحن أو بعبارة أدق "تحريض" من أصابع خفية تريد إثبات أن الوضع قبل الثورة كان أصح وأفضل بدليل ما يحدث الآن. هل عندي دليل علي ما أقول؟ عندي حدس والحدس أصدق من الدليل وإلا فأين ذهب الثلاثة ملايين من أعضاء الحزب المحلول أو المنحل وأكثرهم من الريف والعشوائيات؟ وما أثر الحكم علي وزير الداخلية السابق باثني عشر عاماً سجناً في أول قضية تخصه نظرتها المحاكم والبقية تأتي؟ ووجهاء الحزب ووزراؤه..... الخ. قلنا إنها ثورة سلام ولكنهم لا يريدون لهذا الوطن السلام عملاً بمقولة "لا فيها لأخفيها". إنني أدعو إلي تقييد رجال النظام القديم وعدم تركهم يلعبون بالوطن وأبنائه بل بمستقبله، ومراقبة وسائل اتصالاتهم وتواصلهم.. نحن في ثورة ومرحلة انتقالية من أجل التغيير.. ولن يترك هؤلاء الموتورون بما عندهم من أموال وعلاقات وأتباع، هذا البلد يهنأ ويعيش في سلام، فانتبهوا.. انتبهوا أيها السادة الحكام والحكماء والمسئولون وأصحاب الرأي والكلمة... واعملوا علي وأد الفتنة وليحفظ الله مصرنا من كل سوء وشر.