شاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب فتح ملف سخيف، هو إجراء انتخابات التجديد النصفي، وسخافة هذا الأمر ترجع لأسباب عديدة، وتكشف عن ملمح من تخلف المجلس عن الشارع المصري وما جري فيه تخلفا لا يليق أبدا بأسم اتحاد كتاب مصر. إن الشارع يتحدث عن الشرعية الثورية، علي الأقل بوصفها اعترافا بالثورة وتضحيات الشهداء، بينما اتحادنا المبجل لا يعترف بتلك الشرعية الثورية، ولا يريدها، بل يسعي لاستغلال الوضع استغلالا رخيصا لصالح أشخاص متمسكين بالمقاعد منذ فترات طويلة، وغض البصر عن ثورة الشارع يعد وسيلة للحفاظ علي تلك المقاعد البائسة. مجلس الإدارة يكرس أو يفترض أو يتمني أن يكون يوم الانتخابات القريب هادئا بلا مظاهرات قد تمنع الكثيرين من الاهتمام بما يجري في الاتحاد، وهو ما يوفر غطاء لانتخابات ظاهرها الرحمة واحترام القوانين ولوائح ما قبل الثورة. مجلس الإدارة لا يبدو فرحا بالدستور الجديد، ولذلك لم ينتظر صدوره، مؤكدا علي عدم أهميته في تشكيل مجلس جديد، وهو موقف رمزي يكشف عن قلق داخلي عميق من التغييرات، لا حفاوة بها، وكان أجدر باتحاد الفصحاء أن يتضامن رمزيا مع التغييرات الدستورية الجديدة وينتظر حتي إعلانها، وكأنهم علي ثقة من أنه لن يحمل مادة ربما جعلت إجراء الانتخابات باطلا. والحقيقة أن واجب الاتحاد ينبغي أن يكون أسبق في الممارسة العملية من الدستور النظري، وأن يترجم رغبة الشارع في التغيير بعمل اختياري محترم، كما فعلت أمانة مؤتمر أدباء مصر حينما حددت بقاء أعضائها بدورة واحدة فقط، يتم تغييرهم جميعا بعدها، ولا تعطيهم الحق في الترشح في الدورة التالية. كان علي الاتحاد فعل نفس الشئ، لكن أعضاء مجلس إدارته يعتبرون أنفسهم الأحق والأجدر بالبقاء هكذا إلي الأبد، مستخدمين في ذلك منطق الفاسدين المرفوض، وفي مكان ينبغي أن يكون نموذجا وأبعد الأماكن عن كسر القيم التي ينادي الشارع بها. وعندما أتحدث عن مقاعد مجلس الإدارة أعي أنها بائسة علي المستوي المادي قياسا بما نسمع عن المقاعد الأخري،غير أن التشبث بها يكشف عن تهافت كبير، وعلاقة مرضية بين المقاعد والجالسين عليها، تجعلنا نشفق علي أصحاب المقاعد المربحة ونحن نطالبهم بالتنحي والقيام عن أنفاس الناس. تشبث مجلس الإدارة يجعلنا نؤمن بشكل أعمق بأن العلاقة بين المقاعد والجالسين عليها علاقة نفسية معقدة لا يمكن مواجهتها إلا بعملية جراحية. كيان مضاد للثورة موقف اتحاد الكتاب ينبهنا إلي حقيقته ككيان مضاد للثورة، يمكن أن يتسلقها ويتملقها، لكنه لا يمكن أبدا أن يصنعها أو يدعمها. لا أريد الخوض في تاريخ الاتحاد منذ نشأته لأدلل علي ذلك، ولكنني سوف أشير إلي ظاهرة بسيطة للغاية. إن حجم ما شهدته البلاد من فساد ودمار لم يكن خافيا علي أبسط أديب مصري، ومع ذلك كثيرا ما رأينا عربات الشرطة أمام النقابات، لكننا لم نسمع عن عربة شرطة واحدة تقف أمام مقر اتحاد الكتاب. عدم قيام الاتحاد طوال السنوات الماضية بعمل احتجاجي كسائر النقابات لا يعني سوي شيء واحد.. هو شلل ذلك الكيان. ولو كان هذا الشلل مقصودا وبتدبير مجلس إدارته فهو جريمة كبيرة، ونحن لا نريد الذهاب إلي ذلك، أما إذا كان الشلل بريئا أمام قضايا عامة خطيرة، فهذا يعني أن هذا الكيان في جوهره لا علاقة له بالثورية من قريب أو بعيد، اللهم إلا إذا كانت علاقة الخصم المناوئ بمكر وخبث لا البطل المساعد بشجاعة ووضوح. علي المستوي النقابي نجد اتحادنا "المبارك" ليس اتحادا، فهناك قسم كبير جدا من الكتاب يرفضونه جملة وتفصيلا، فهو النقابة الوحيدة التي لا يوجد لها مكان يجتمع فيه الأعضاء، لا نسمع مثلا عن نادي الأدباء كما نسمع عن أندية المعلمين والزراعيين وغيرها، لا يوجد سوي موضع إداري، ومكان لعقد ندوات لا تأثير لها في الحركة الثقافية ولا تستطيع مجاراة مكان أكثر فقرا، وبلا ميزانية علي الإطلاق كورشة الزيتون مثلا التي يتهافت عليها الأدباء من مصر وخارجها أكثر من تهافتهم علي هذا الاتحاد. قد يعتبر اتحاد الكتاب نقابة ولكنه ليس نقابة في نفس الوقت، وكأن المبدع أو المفكر، يلعب وينشغل بالكتابة فقط لسد الفراغ. والحقيقة أن الكتابة مهنة شاقة، ولا يمكن لكاتب أن ينجح إلا إذا تعامل معها بوصفها أهم شيء في حياته، والكاتب الأكثر جودة هو المنشغل أكثر بكتابته، وإذا كانت الكتابة مهنة فهي الأولي من غيرها بالدعم النقابي، لأنها مهنة لا تجلب مالا، والكاتب الجيد لا يربح في المعتاد ما يربحه أبسط مهني آخر، بل ينبغي أن يخسر ماديا كي يحافظ علي جريان الكتابة في عروقه. ثمة أمور كانت بحاجة كبيرة لما فعلته النقابات الأخري للمطالبة بحقوقها، وقد بلغت تلك الحاجات حدَّ ترك الكاتب وحيدا وهو يواجه المرض، ولم تهدأ تلك الحالة المرعبة إلا بوديعة من أمير عربي، بكي من أجل عذاب الكتاب المرضي، بينما وقف مجلس الإدارة طوال سنوات طويلة يمصمص شفتيه دون أن يفكر في عمل احتجاجي يقلد فيه النقابات الأخري، رغم أن دوره الطبيعي هو قيادتها. ميلاد جديد لكيان مشلول لقد كرم الله هذا الاتحاد البائس بثورة أعادت رسم خريطة الحياة المصرية، وفتحت الأمل أمام كل مشلول، وبدلا من مبادرة المجلس للركض بعد طول جلوس، نراه يغض البصر عمليا لا حنجوريا عن الثورة، ويبدأ في التحول إلي حجر، لا هم له إلا بقاء الوضع كما هو عليه، ولعلنا نجد مبررا لعجز الاتحاد عن القيام بدوره الرائد، لكننا لا نجد مبررا واحدا للعجز عن تقليد الشارع. تقليد الشارع يعني أن نغتنم الفرصة لميلاد جديد لاتحاد كتاب مصر، والحفاوة بالثورة لا تعني إلا الاعتراف أولا بالشرعية الثورية من خلال إجراءات حقيقية لا شعارات جوفاء وسخيفة، تطفح منها رائحة الانتهازية الكريهة في وقت زادت فيه حدة حاسة الشم عندنا ولم نعد نطيق تصالحها مع المقززات كما كنا نفعل قبل سقوط الشهداء. تقليد الشارع هو الخضوع لرغبته النبيلة والضرورية في التغيير، وتجديد العلاقة بين المقاعد والجالسين، وعلي سبيل التضامن مع الثورة لا يوجد ما هو أقل من مطالبة الكتاب بتغيير جوهري في اتحادهم. وكبداية نطالب برحيل مجلس الإدارة برمته، خاصة من جلس طويلا في مقعده. إن الشارع الأدبي ناقم جدا علي الاتحاد، وعلي المجلس أن يفهم الوضع جيدا، ويدرك أن ما كان يحدث بالأمس لا يمكن أن يحدث غدا، وعليهم أن يوفروا احتجاجات ستنشب لمدة ثلاثة أسابيع، وسوف يخرجون بعدها من المبني. لا شك أن بينهم من يرفض المقارنة بينه وبين الفاسدين، من يغضب جدا للنظر الظالم إليه بوصفه ظلا باهتا لطاغية، وهذا المحترم بعينه أدعوه لتقديم استقالته تضامنا مع رغبة الشارع في التغيير. والبدء من نقطة جديدة لمرحلة جديدة لا يعني الإقصاء عن الحياة الثقافية، بل المشاركة من خلال شرعية جديدة محترمة. وقد تحدثت مع بعضهم في ذلك وأتوهم أن بعضهم تفهم رؤيتي. سحقا لأعداء الثورة لا شك أيضا في وجود فئة معادية للثورة بحكم وعيها وطبيعة تجاربها، وتعرف أنها لا تستطيع البقاء في الحياة الأدبية اعتمادا علي إبداعها فقط، وتلك الفئة كانت ترفض الكتابات والتجارب الجديدة، وإذا افترضنا حسن النية فهي لم تفكر في استيعاب مجموعة كبيرة من الأدباء الشبان، وقد رأيناهم من المحيط إلي الخليج ينثرون كتاباتهم المغايرة، لكننا لم نشاهدهم في اتحاد الكتاب، لأنهم يعرفون تماما عجزهم عن التنفس فيه، وتلك المجموعة الكبيرة والفاعلة لا يمكن التغاضي عنها لأنها لا تحمل كارنيهات الاتحاد المباركة. أعتقد أن مجلس الإدارة يعرف أكثر من غيره أنه كان بعيدا عن حركة الشارع الأدبي والفكري خاصة في العقدين الأخيرين، بل كان قامعا للكتابات الثورية، وأن الكتاب الثوريين ينظرون إلي الاتحاد بوصفه عدوا، بل لا يعتبرونه جديرا بالنظر أساسا ، لأن الممارسة الفعلية طوال السنوات الماضية كانت ضد الكتابات الثورية بالمعني الفني الصحيح للمصطلح والذي يعلي من شأن التجارب الجديدة والمغايرة. والنظرة السريعة جدا لسلسلة كتاب الاتحاد تكشف ذلك بوضوح. وأتقدم هنا ببعض المقترحات وأرجو أن يكون الأمر بداية لمقترحات من كتاب آخرين، ولا أشك في وجود من هم أكثر وعيا مني بأمور هذا الكيان الذي يمثل كتاب مصر. (1) أدعو أعضاء مجلس الإدارة لتأييد الثورة بترك مواقعهم فورا، وإعلان براءتهم من شبهة استغلال الثورة في ترسيخ قيم مناقضة تماما لروحها. (2) أدعو كل الأدباء لتقديم التصورات المناسبة لميلاد اتحاد جديد، يتخلص فيه من ضرورات المرحلة السابقة ويناسب المرحلة الجديدة. (3) أدعو الجمعية العمومية لتشكيل لجنة موثوق بها لجمع تلك التصورات، وتعديل ما يمكن تعديله من اللوائح والإشراف علي انتخابات جديدة لتشكيل المجلس بالكامل وفق أسس جديدة تضمن أن يكون الاتحاد مكانا لكل أدباء مصر ومعبرا حقيقيا عنهم. وأعني بنزيهة معناها الحقيقي، فلا يعقل أن يتقدم أحد الأدباء الجيدين والمتحمسين لخدمة الأدباء في ظل قيم شديدة الفساد، منها ضرورة أن يكون مرتبطا بشلة لتبادل المصالح، وأن يكون ماهرا في التربيطات والاتفاقات التي تحتاج إلي مجهود كبير. لقد كان هناك مبرر للسلبية في ظل المناخ السابق، لكن مرور الثورة المصرية دون إصلاح هذا الكيان المعطوب جريمة في حق كل الأدباء، جريمة بلا شماعة واحدة يمكن أن نعلق عليها موقفا سلبيا، وهي تصل إلي حد خيانة الشهداء الذين سقطوا ليمنعوا اسم مصر من أن تستحوذ عليه زمرة مهما كانت.