مقال الشاعر فتحي عبدالسميع الذي نشرناه في العدد الماضي حول نبوءة قصيدة النثر للثورة المصرية أثار ردود فعل بين الروائيين وهنا ننشر مقالين لسعيد سالم ومحمد جراح يؤكدان فيهما علي أن الرواية أيضاً تنبأت وأسهمت في حدوث الثورة. يقول الشاعر فتحي عبد السميع في ختام مقاله بالاسبوع الماضي:" ان من يرغب في أن يكون قريبا من ذلك النبع الذي تدفقت منه الثورة ، فعليه أن يتعلم الاصغاء للشعر، فهو الجسر الذي يربط بيننا وبين أعماقنا".. وأنا لاأعترض علي مايقول ولكنه _ في ظني _ قد ظلمنا بإغفاله ذكر الرواية. إنني أدعي أن هناك عشرات الروايات ومئات القصص التي أبدعها _ علي مدي العشرين عاما الماضية علي الأقل روائيون وقصاصون من مختلف الأجيال ، قد أرهصت جميعها بقيام الثورة وحثت وحضت وحرضت بشدة عليها ، وهي تفضح مساويء النظام وتكشف عوراته القبيحة بمختلف السبل الفنية، سواء بالرمز خشية القمع أو بالصراحة دونما خوف ،أو بالايحاء الذكي الذي لايمكن أن يخفي علي فطنة القاريء. ولو شئت التدليل علي ما أقول بعناوين بعض الأعمال أوأسماء بعض الكتاب ، فسوف أقع بالتأكيد في خطأ لايغتفر ،وهو تجاهل غير مقصود لأعمال رائعة وكتاب أكثر روعة كبارا وجددا ، ولذلك فإني أحيل هذا الأمر الي اقتراح عملي لجريدتكم الغراء لكي يتبناه ناقد أو كوكبة من النقاد حتي يستعرضوا لنا نماذج من تلك الأعمال ويتناولونها بالنقد والتحليل ، وليكن عنوان الموضوع:"الابداع الروائي وثورة الشباب".. ورغم أننا نعلم جميعا أن أصعب الأمور علي المبدع اضطراره للحديث عن أعماله ، الا أنني _ وعلي نفس نهج الأستاذ عبد السميع - أجد نفسي مضطرا الي الحديث عن رواياتي الثلاث الأخيرة:"الشيء الآخر" الصادرة عن دار ومطابع المستقبل ومكتبة المعارف ببيروت عام 2004و"الحب والزمن" التي نشرت علي حلقات مسلسلة بجريدة الدستور اعتبارا من 6 يونيه وحتي29 أغسطس عام 2007، وأخيرا رواية"المقلب"الصادرة عام 2009 عن المجلس الأعلي للثقافة.. والهدف الرئيسي من حديثي هو الاشارة الي أن القاسم المشترك بين الأعمال الثلاثة كان بالدرجة الأولي هو الكشف عن جرائم النظام وفساده وقمعه وظلمه للشعب ، وما يتبع ذلك بالضرورة من الحض المباشر وغير المباشر علي التخلي عن العجز والتخاذل والسلبية في مواجهته. الشيء الآخر: وكان اسم الرواية حتي ساعات قبل الطبع هو"العجز والدنس" قاصدا دنس النظام وعجزنا عن مواجهته، ولكني رأيته عنوانا مباشرا ، فاخترت "الشيء الآخر" كرمز للحلم المصري الذي كان قابعا في أعماقنا ضاغطا عليها دون فعل، ولكنه كثيرا ما كان يطفو عند بطل الرواية علي صورة أحلام يقظة كتعويض نفسي عن العجز عن تحويل الحلم الي حقيقة.. ولقد أسعدتني رسالة علي الفيس بوك من الكاتبة التونسية كوثر الملاخ التي كنت قد أرسلت لها هذه الرواية ، قالت لي فيه غداة نجاح ثورتهم ، ما مفاده أن شعب تونس قد حقق "الشيء الآخر" الذي كان مضمون روايتي.. ان حلم اليقظة قد صور للبطل لقاء مع الرئيس مبارك ليحكي له عن جبابرة مباحث أمن الدولة وعمالقة المخبرين ذوي الأكف الضخمة التي اعتادت أن تنهال علي أقفية المصريين بالضرب منذ أمد بعيد، وعن وقف مهزلة التوريث ، وهو يطالبه في اللقاء الحلم بإلغاء قانون الطواريء واطلاق حرية الأحزاب والصحف والافراج عن المعتقلين السياسيين ، ويحذره من ثورة الكتلة الغاطسة من الشعب ، ومن محدثي النعمة من رجال الأعمال الذين باعوا البلاد، وغير ذلك من الأماني والأحلام، لكنه حين يفيق يصارح نفسه بحقيقة عجزه وسببه، وهو أنه مثقف انتهازي يرفض السلطة وينحاز الي الجماهير ، لكنه يرفض التضحية لأجل الجماهير فيكون شهيدا لهم بأن يلقي في سجن حقير حيث يعذب بالنفخ والصعق وانتهاك العرض. الحب والزمن: قبل نشرها توسلت لي زوجتي ألا أنشرها وحذرتني من الاعتقال والتعذيب في هذه المرحلة المتقدمة من العمر وذكرتني بمجموعة الأمراض الخطيرة التي تتهددني. قلت لها أنني سوف أموت لو لم أنشرها.وقد حقق لي الرائع ابراهيم عيسي أمنيتي ، فأبلغ ابني بموافقته وسعادته بنشرها لأنني كنت في ذلك الوقت بغرفة الانعاش للعلاج من جلطة حادة في القلب. وكان من الطبيعي أن يرفض كل الناشرين - وقد كنا في ذروة تسلط الفرعون وزبانيته - أن يطبعوا لي رواية يتحدث فيها الراوي صراحة بالفصل الخامس وبذكر الأسماء الحقيقية لعلاء وجمال مبارك اللذان كانا يشاركان في رأسمال معظم الشركات المصرية بحصة مجانية تبلغ50٪ .. وأن سوزان مبارك تتلقي سنويا ما يقرب من خمسين مليون دولار في شكل تبرعات من الخارج للهيئات العديدة التي ترأسها..وأن حسني مبارك قد نصب من نفسه _ بمباركة وتفويض رسمي من مجلس شعب فتحي سرور الأبدي _ تاجرا وحيدا للسلاح في مصر ، يقرر وحده نوعية وكمية السلاح الذي تحتاجه وكذلك الجهات التي يتعاقد معها والأسعار التي يتعاقد بها ،كل ذلك دون رقيب وحسيب. واليوم أعيد عرض روايتي هذه للنشر لمن يرغب من الناشرين المحترمين، وهذا اعلان دعائي صريح مني أستأذن الجريدة في أن يكون مجانيا. المقلب: وهي رواية تحكي عن التلوث في مصر بجميع أنواعه وأبعاده ، بما فيه التلوث القمعي والعبودي في عصر وصفه الراوي بأنه عصر الفساد الأعظم. وسوف لاأتحدث عن هذه الرواية ، حتي أترك مساحة لغيري من كتاب الرواية والقصة ليدلوا بدلائهم في هذه القضية ، التي أتوقع أن تثير جدلا ممتعا يذكرنا بالجدل الذي سبق أن أثير من قبل حول قضية"زمن الرواية".