أقامت أكاديمية الفنون والمجلس الأعلي للثقافة، الأسبوع الماضي، مؤتمر" المسرح الذي لا نعرفه.. التبادل المعرفي المسرحي وتحديات المشهد العولمي" ،وبعيدا عن العنوان الذي كان أشبه بسرير بروكست يهدد كل كلمة تقال، فيما يلي بعض الملاحظات عن المؤتمر "أول مرة" كلمتان استخدمتا كثيرا خلال جلسات المؤتمر، في سياقات متعارضة، استخدمهما، متفاخرا، رئيس الأكاديمية الدكتور سامح مهران:" يعد هذا المؤتمر هو أول مؤتمر يدور حول فنون المسرح في مصر.. والغرض من إقامته هو تبادل الخبرات بين المسرحيين في العالم، وملء الفراغ في النقص المعرفي بالمسرح العربي من جانب الغرب والنقص المعرفي بأحدث التجارب الغربية علي الجانب الآخر" في حين استخدمتهما الدكتورة نهاد صليحة للتدليل علي مدي إهمال المؤسسات الثقافية الرسمية للمسرح:" هذا أول مؤتمر للمسرح يعقد في المجلس الأعلي للثقافة وهذا يدل علي مدي إهمال المؤسسة الثقافية للمسرح" كما استخدمت الكلمتين في تبرير بعض الارتباك في البرنامج، وتبرير ضعف المشاركات المصرية والعربية..جاء التبرير حين أعاد المنظمون جدولة البرنامج أكثر من مرة، ثم عند وقوع أغرب حادثة"علمية" فقد أبدت إحدي المشاركات استياءها لأن مشاركة أخري أخذت وقتا أطول منها فما كان من المنظمين إلا أن رتبوا جلسة في اليوم التالي للسيدة المستاءة وضموا لها مشاركا لم يبدي أي استياء، بل أنه أبدي استغرابه لأنهم استدعوه بالهاتف بينما كان متوجهاً للمعهد العالي للفنون المسرحية حيث يرتبط بمواعيد محددة سلفا لمحاضراته لطلابه، ليعيد قول ما قاله بالأمس!! ولأن الكلمتين"أول مرة" توحيان بالبداية فقد سيطر شعور بالصدمة علي البعض، هكذا كان حال الناقد أحمد خميس وهو يعقب علي بحث مارفن كارلسون، فقد هال خميس أن يكشف كارلسون، في بحثه المعنون" رحلة باحث غربي في اكتشاف المسرح العربي"، إلي أي مدي "يجهل" الغربيون المسرح العربي حين قال:"حتي بدايات القرن الحالي ظل المسرح في العالم العربي والإسلامي أرضا شبه مجهولة لا تطؤها أقدام باحثي المسرح في الغرب؛ فلم تكن الدراما وأساليب الأداء في العالم العربي موضوعاً ذا بال يحظي بالدراسة في الغرب ولم تكن المسرحيات العربية تقدم علي خشبة المسرح ولم تكن الكتب الدراسية تري في هذا التراث المسرحي ما يستحق الإشارة إليه" وربما كان مبعث "صدمة" خميس أنه رأي البروفيسور كارلسون مرات في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي لذلك كان تعقيبه يبدو وكأنه تساؤل عن دور وأهمية وجدوي مهرجان دولي يقام منذ أثنين وعشرين عاما في التعريف بالمسرح العربي، ويبدو أن "صدمة" خميس كانت أشبه بدفاع نفسي أمام "واقع" بدا له مفزعاً، وكأنه يدين الباحثين الغربيين لتقصيرهم عن التعريف بالمسرح العربي وتقديمه، وحتي عندما أورد كارلسون بعضا من الأمثلة علي التقدم الذي يحققه المسرح العربي في الغرب أبدي عددا من الحضور "استهجانا" و"حسرة" علي مكانة المسرح المصري لأن الأمثلة كانت: سليمان البسام" كويتي" وجليلة بكار" تونسية" هكذا بدت "ذاتنا" مجروحة لأن الغرب لم يهتدي إلي استحقاقنا لأن نكون" موضوعا" بالنسبة له، وإذا كان خميس قد تمادي في دفاعه عن" منجزنا المسرحي" في وجه كارلسون، إلا إنه لا هو ولا غيره بذل جهداً للتفكير في ماذا سنختار لو طلب المشاركون في المؤتمر أن يشاهدوا عددا من العروض المسرحية- ثلاثة علي الأقل- والمدهش أن أحدا من المنظمين للمؤتمر لم يفكر في ذلك أثناء الإعداد للمؤتمر!! "أول مرة" كانت أيضا حاضرة في تعليق الدكتور سيد علي إسماعيل، الذي حرص علي أن يظهر نفسه طوال جلسات المؤتمر وكأنه أستاذ "يصحح" للباحثين الأجانب المشاركين في المؤتمر "أخطاءهم" العلمية، ووصل في نهايته إلي "استعلاء" مدهش في مداه والجزم بأننا أفضل منهم:" جئت معتقدا أننا تلاميذ وتبين لي أننا أساتذة" مقدماً ومقترحا اًبمشروع لمسرح عربي سيكون قادراً علي تصحيح "صورتنا في الغرب وتقديمنا بوجهنا المشرق" لكنه تمخض عن "مراهقة" مفرطة في استسهالها لحد أفزع الكثيرين من أن يأخذ الضيوف المقترح علي محمل الجد. بين" صدمة" خميس من جهل العالم بالمسرح العربي وبين" استعلاء" إسماعيل علي الباحثين الأجانب، تبدو ثنائية" نحن- هم" حاضرة بقوة، فإذا كان ضروريا أن نبحث عن مبررات الاهتمام الغربي البازغ بالمسرح العربي خلال العقد الأخير بحيث "بدأ المسرح العربي يتخذ المكانة اللائقة به في المحافل الدولية وأصبح محط أنظار الدارسين ومراكز الأبحاث العالمية" بحسب استنتاجات كارلسون، وإذا كان جائزا أن نقبل توصيف الدكتور حازم عزمي- المنسق الدولي للمؤتمر- لظروف ذلك الاهتمام في قوله:" يذكر أن العقد الأول من الألفية الثالثة _ شهد اهتماماً عالمياً متزايداً بالمسرح العربي وبقضاياه واشكالياته، نظراً لما لهذا المسرح بالضرورة من دور هام في الاشتباك مع الواقعين العربي والعالمي بكل تعقيداتهما الراهنة في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر: الثقافية والإيديولوجية والسياسية والاقتصادية" مستخلصين منه أن واقعة خطف وتفجير عدد من الطائرات في أمريكا عام 2001 علي أيدي من يعتقد أنهم عرب ومسلمون يمكن أن يكون أحد مبررات الاهتمام بالمسرح العربي فلنتوقع ماذا سيكون تعليق المشاركون الأجانب وهم يسمعون الدكتور مهران يتحدث في الافتتاح عن:" قدرة المسرح علي أن يختطف الأيدلوجيات السائدة ويحول مسار الطائرة لتهبط في ممرات أخري غير مألوفة في انحياز للإنسان..المسرح يستخدم السائد والمطروق للتخلص منهم وكأن لسان حال الكاتب المسرحي في كل العصور "وداوني بالتي كانت هي الداء". وماذا سيكون تعليقهم وهم يسمعونه يضيف:" أما المسرح فقد نختلف في الرأي والرؤي والوسيلة ونتسامح مع اختلافنا ونتنازل عن وجهات نظرنا كي نتفق مع الأهداف المنشودة مؤكدين من خلالها فردياتنا وجماعيتنا في آن واحد فنحن في مركب واحد ونحمل جواز سفر مسرحي والسفينة التي تقلنا جميعاً تحت اسم حوار الحضارات". ثم ماذا سيكون موقفهم حين يسمعون كلمة الدكتورة نادية الخولي التي ألقتها نيابة عن الوزير فاروق حسني وهي تقول:" هذا المؤتمر العلمي لدراسة المسرح العربي وتطوره في ظل العولمة..إن البحوث المسرحية تعد مهمة في منطقة الشرق الأوسط نظراً للعديد من الصراعات التي تشهدها المنطقة، فأي عمل مسرحي يحوي صراعاً وهذا يعيد للأذهان ما قاله شكسبير "ما الدنيا إلا مسرح كبير" وأخيرا سيكون من الضروري استطلاع أراء الضيوف الأجانب في كلمة الدكتور هاني مطاوع- رئيس أكاديمية الفنون السابق ومقرر المؤتمر- المرتجلة الذي أنفق معظمها في سرد أحداث فيلم" الريشات الأربع" ليخلص إلي تتطابق نظرته للمسرح وللمؤتمر مع نظرة الجندي البريطاني الذي يقول:"أثناء الحرب ليس مهما إلا علاقتك بزميلك الذي عن يمينك ويسارك" بالنسبة لي كانت الكلمات التي اختارها الدكتور مهران غير لائقة تماما، غير دالة، تحمل روح إنشاء مدرسي ضعيف، "تخون" عنوان المؤتمر، فأي تبادل معرفي ذلك الذي يجب علينا قبله أن "نتنازل عن وجهات نظرنا" وماذا يمكن أن نتبادله بعد ذلك التنازل؟ وبالنسبة لي كانت كلمات الدكتورة الخولي دعوة لغلق المسارح في المناطق التي لا تشهد صراعات. وبالنسبة لي كان استشهاد الدكتور مطاوع"هدما" لكل مقومات المؤتمر، فالفيلم البريطاني أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه " تعبير عن أسوأ ما في العلاقة بين الغرب من جهة وبين العرب والمسلمين من جهة أخري"، ولأن الدكتور مطاوع لم يحدد أي نسخة من النسخ السبع التي تحمل عنوان" »الريشات الأربع"« أولها من إخراج ج. سيرل دولي سنة 1915 ، وأخرها من إخراج المخرج الهندي الأصل شيخار كابور عام 2002، أما أفضل النسخ فتم إنتاجها سنة 1939 من إخراج زولتان كوردا والنسخ السبع عن رواية أ. إ.و. ماسون »الريشات الأربع « (طبعت أول مرة سنة 1907)- تلك التي شاهدها قبل أيام من المؤتمر فسيكون لنا أن نتوقع أنه شاهد أحدث النسخ، ونذكر أنها تقدم المواطنين السودانيين الثائرين بقيادة المهدي علي الاحتلال البريطاني للسودان بصورة سيئة للغاية، أقرب للوحوش منهم للإنسان، في المقابل تقدم البريطانيين بصورة إنسانية وبعضهم بصورة بطولية فائقة، فهل لم يجد البروفيسور مطاوع في ذاكرته ومشاهداته ما يعينه في ارتجاله سوي فيلم عن حرب استعمارية يصف فيه الضباط البريطانيين السودانيين بأنهم » أتباع محمّد المتطرفييْ « ويصف فيه السودانيين الضباط البريطانيين بأنهم "كفار" ويصف الاثنان المصريين بأفظع الكلمات؟ يتبقي في باب نحن- همْ عدد من الأسئلة ذات الطابع الإجرائي من نوعية: هل التوقيت كان مناسبا" الجمعة والسبت والأحد"؟ يفسر مهران الاختيار قائلا "إن هذه الفترة تواكب احتفالات الغرب بعيد الفصح وبالتالي توجد لدي الأساتذة المشاركين مساحة للمشاركة" غير مكترث بما يعنيه ذلك من أنه لا يعير أي اهتمام لما قد يمثله التوقيت من تجاهل لاحتفال المصريين ومواقيتهم. وأخيرا ما الذي يمثله الملصق الدعائي الخاص بالمؤتمر" البوستر" فهناك هيئة شخص يرتدي ثوباً أسود ويبدو علي هيئة الساجد- الانطباع الأقرب أنه يودي طقسا ما، ربما صلاة- وهو يرتدي قناع مسرحي أبيض في هيئة عابسة؟