أعترف أنني أكره هذه الكلمة - كلمة الخط الاحمر - لالعيب خاص بها، ولكن لأنها تذكر ضمن مجموعة الكلمات التي تتردد علي ألسنة المسئولين عندنا صوابا أوخطأ، صدقا أوكذبا، بمناسبة وغير مناسبة، مثل كلمة الشفافية والديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون، وحقوق الإنسان وغيرها.. ولأن هذه الكلمات قد فقدت معانيها وغابت - في الغالب - مفاهيمها، ولم تبق إلا أصوات حروفها.. أقول: لكل ذلك أكرهها وأتهكم غالبا بمن يتفوه بها، وإن كان الكثيرون يرددونها تهكما بها وسخرية ممن يستعملونها.. مع كل ذلك وجدتني استعمل هذه الكلمة (الخط الاحمر) حينما اقتضتها المناسبة واضطرني الموقف، وربما لنوع من التقليد و المحاكاة التي تجمع بين دلالتي الجد والتهكم في أن واحد. المناسبة المقصودة كلام جاء في صحيفة (المصري اليوم) - عدد الخميس 9 ديسمبر 0102 - حيث يوجد علي الصفحة السادسة عنوان (قضايا ساخنة) الكلام منسوب إلي وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكي بدر، موضوعه قضية تطوير التعليم - أو لنقل إصلاحه - هذه القضية التي تشغل كل إنسان يعيش علي أرض هذا البلد، بعد أن بلغ مستوي التعليم عندنا من السوء ما لايخطر علي قلب بشر. ظاهر كلام الوزير يتعلق بجميع المواد، ولكن أكثره منصب علي مناهج اللغة العربية.. أما ما استوقفني فيه ففقرتان أنقلهما بنصهما، إذ أن هاتين الفقرتين هما اللتان استدعتا أن أستعمل كلمة الخط الاحمر.. تنبيها للسيد الوزير من جهة إلي ضرورة الامتناع عن ذكر مالم يحدث، ومن جهة أخري تصحيحا لمعلومات سيادته عن الكتب التي مازالت تدرس للطلاب في بعض مراحل الدراسة - وأعني المرحلة الثانوية علي وجه الخصوص. تقول الفقرة الأولي: »وأوضح بدر أن التعديلات التي أجريت علي مناهج اللغة العربية تمت بالاتفاق مع مجمع الخالدين« وتقول الفقرة الثانية: »وقال بدر منتقدا المهاجمين لعملية التعليم: »لا أحد في مصر يستطيع الحكم علي مستوي التعليم، كل الانتقادات تستند الي الانطباعات الشخصية والمشاهدات الفردية دون قياسات أو معايير علمية«. ولأنني قريب من مجمع اللغة العربية، ومعني بالدور الذي يجب أن يسهم به في رعاية العربية وتعليمها وتطوير هذا التعليم وإعادته إلي الطريق الصحيح، فقد بادرت بسؤال الاصدقاء في المجمع، سألت ثلاثة منهم هم : الاستاذ فاروق شوشة أمين المجمع،والاستاذ الدكتور محمد حسن عبدالعزيز والاستاذ الدكتور محمد حماسة عبداللطيف.. الثلاثة أكدوا أنه لم يجر اتفاق بأي معني لهذه الكلمة، ربما جري اتصال تليفوني من جانب الوزير، خلاصته حديث غامض وكلمات حسان عن التعاون وال.. وال.. دون أي كلام جاد أو دعوة حقيقية إلي عمل محدد.. لقد أكد الأساتذة الثلاثة هذا المعني، كما أكدوا لي تكرار السيد الوزير - وهذا هوالغريب - لمثل هذا التصريح بالتعاون أوالاتفاق مع مجمع اللغة العربية، وهوما لا أساس له من الواقع. أما عن التصريح الآخر الذي تحمله الفقرة الثانية من أنه لا أحد في مصر يستطيع الحكم علي مستوي التعليم. لأن هذا الحكم غير ممكن دون قياسات أومعايير علمية.. فهذه كلمة لها ظاهر براق وإن كان مضمونها يستدعي كثيرا من التفصيل. وبصرف النظر عن الهالة التي تشعها كلمات مثل القياس والمعايير العلمية، والرهبة - أو الإرهاب - الذي يصحب إطلاقها.. أحب أن أنبه السيد الوزير إلي أنه ما لم يتم تصميم هذه القياسات والمعايير علي أسس سليمة، وهو- في حالتنا هنا في مصر - مما يحتمل الشك لغلبة انعدام الضمائر، فإن هناك أمورا كثيرة من السهل مشاهدتها وإثباتها بمعاييرها الخاصة التي لايصلح مكانها سواها.. وإلا فماذا يقول السيد الوزير عن ركام الاخطاء من كل الانواع والمستويات التي تزخر بها كتب اللغة العربية للمرحلة الثانوية - أخطاء في النحو والصرف والتاريخ والادب: عصوره وأعلامه ونصوصه وقضاياه. مما سبق أن كتبنا عنه وجري نشر بعضه وتشويه بعضه والسكوت عن بعض عمدا من قبل فريق من الإعلاميين لأسباب خاصة فيما يبدو. نعم ياسيادة الوزير هناك أمور كثيرة - أعني أخطاء فادحة - تحتوي عليها مقررات اللغة العربية في مختلف مراحل التعليم التي تدخل في نطاق وزارتك وللحقيقة فإنك غير مسئول عن وجودها، ولكن المسئولية الآن تتعلق بالاستمرار في السكوت عنها وإدارة الظهور لها، إيثارا للراحة وهروبا من المسئولية من جانب خبراء وزارتك ومستشاريك وكثيرين من أعضاء لجانك،مع أنها ماثلة ومكررة لسنوات طويلة وبادية لكل ذي عينين دون حاجة إلي قياسات أو معايير. نعم ياسيادة الوزير هناك في مصر كثيرون بإمكانهم أن يحدثوك - كما حدثوا من قبلك - عن أخطاء مضت عليها أعوام غير قليلة.. زرعها الجهل والاستخفاف بالمسئولية ونماها التواكل والتهاون والركون إلي الدعة. فإذا أردت الإصلاح فإن الطريق إليه معروف، وسلوكه يسير هين.. شريطة الصدق، وألا تدعي علي المجمع أمرا لم يحدث ومشورة لم تطلب حرصا علي أن لا يرتكب باسم المجمع ما لم يقل به، وأن لا ينسب له مالم يشر إليه.. فذلك - كما تعلمون - تقوُّل علي المجمع. والتقوُّل علي المجمع - كما قلت - خط أحمر..