الأسبوع الماضي كانت القاهرة علي موعد مع أكثر من خمسة معارض في أماكن متفرقة امتدت من أرض اللوا وحتي الجامعة الأمريكية بالتجمع الخامس، والأكثر إثارة للانتباه أن معظم المعارض احتوت علي أعمال تعرض للمرة الاولي، حيث يمكن للزائر رسم صورة إجمالية للحالة الفنية في القاهرة. تزامن افتتاح هذه المعارض التي أتي بعضها مستقلاً تماماً والبعض الآخر مدعوماً من المؤسسات الثقافية والفنية مع افتتاح بينالي القاهرة الدولي الثالث عشر، والسبب في هذا التزامن كما توضحه نشرة معرض "كايرو دوكيومنتا" المقام بفندق الفينواز "الاستفادة من الزائرين والفنانين والنقاد والكتاب وكل المختصين والمعنيين بالفن المعاصر". معرض "كاريو دوكيومنتا" الذي افتتح الاثنين الماضي ربما يكون أكثر معارض الأسبوع الماضي خروجاً عن الأطر التلقليدية وأكثرها تنوعاً وحيوية. المعرض بدأ كفكرة لستة من الفنانين الشباب فكروا في كيفية إقامة معرض فني بشكل جديد بعيداً عن دعم مؤسسات الدولة أو المؤسسات الفنية المستقلة، حيث تم تجهيز المعرض دون وجود أي منسق بل اقترح كل فنان من الستة توجيه الدعوة لعدد من الفنانين من فئته العمرية دون تحيز لشخص ما أو تخصص فني بعينه، وتم اختيار "كايرو دوكيومنتا" كاسم للمعرض لارتباطه بعملية توثيق مرحلي لمجموع الفناني المشاركين في العرض. ليلة افتتاح المعرض كانت مهرجاناً مصغراً حيث امتلأ المكان بالجمهور، وعلت من كل الغرف أصوات الموسيقي حيث أحيا ليلة الإفتتاح الموسيقار الشعبي أبو أصالة مع السماح للجمهور بالمشاركة في توليف الموسيقي. حيث طغت علي معظم أعمال المعرض العروض التفاعلية منها عرض الفنان أحمد الشاعر الذي قدم تجربة تقوم علي خلق لعبة "فيديو جيم" تفاعلية تنطلق من الجدلية الفنية بين الفكرة والشكل. أما أحمد ناجي فقد تطرق عرضه الذي حمل عنوان "مكان ما/ كل مكان" إلي الصورة في الفضاء الافتراضي علي الإنترنت، حيث عرض لمجموعة من الصور الفوتوغرافيا التي تستخدمها الفتيات للتعبير عن شخصيتهم علي الإنترنت في محاولة لعكس كيف يعرض الأفراد صورتهم علي الإنترنت، بينما احتار محمود حلوي في عرضه "أن تكون بطلاً" اللعب علي المبالغات التي يستخدمها أصحاب استديوهات التصوير في إظهار زبائنهم في صور البطولة المتعددة، وأعادت مروه الشاذلي تخليق بورتريهات لعدد من الشخصيات السياسية والإعلامية. شارك في المعرض أيضاً إبراهيم سعد، أسماء القللي، هند القللي، أحمد كامل، عمرو علي، علا سعد، أحمد بسيوني، مروه الشاذلي، محمد علام، أحمد صبري، مجدي مصطفي، عمرو الكفراوي، سارة سامي، أحمد طلال، محمود حمدي، جنزير، محمد عبد الكريم، ياسمينا متولي، كريم لطفي، مروان فايد، أحمد بدري، حسام هدهد. وأقيم المعرض بدعم ذاتي من الفنانين بينما تبرعت شركة الإسماعيلية باستضافة العرض في مبني فندق الفينواز التابع لها.
في نفس توقيت افتتاح معرض "كايرو دوكيومنتا" كانت افتتاح عرض هالة القوصي الجديد "تل النسيان" حيث كل نصف ساعة كان باب جاليري تاون هاوس يفتح لمجموعة من الجمهور لمشاهدة الفيلم الذي يعرض علي شاشة سينمائية محاطة بديكورات مسرحية مبهرجة الألوان. في تل النسيان تستكمل هالة القوصي شغفها بالحكايات الصغيرة التي لا يحفظها التاريخ الرسمي، كما يظهر في المعرض شغف هالة بفترة الستينيات سواء في الألوان وتصميمات الملابس أو كنقطة بداية لعرض الحكايات التي يحاول "راوي" بطل الفيلم الحفاظ عليها من الاندثار. ويعتبر "تل النسيان" جزءاً من عمل متعدد الأجزاء بعنوان "حجرة الخرافات والأساطير" أنجزت هالة منه قبل ذلك الجزء الأول وهو جدارية العسكري الأسود التي حصلت بها علي جائزة أبراج كايبتال.
أما في مركز الصورة المعاصرة فيعرض حالياً معرض خالد محمود الجديد "عندما تواجه المعاني الأسطح اللامعة" والذي يعد بمثابة معرض استعادي لعدد من أعمال خالد، وفي نفس المبني أسفل مركز الصورة المعاصرة يحضر معرض "أسونثيون مولينوس جوردو" الذي يحمل عنوان "متحف الزراعة العالمي" حيث تستلهم جماليات "المتحف الزراعي بالقاهرة" لتسليط الضوء علي عدد من السياسات العالمية وكيفية تأثيرها علي توزيع المحاصيل الزراعية في العالم وخلق مناطق مصابة بالتخمة وشعوب أخري تعاني من الجوع. أما جاليري المشربية فيستضيف معرض الفنان هاني راشد الجديد الذي يحمل عنوان "احترس من الشطة" حيث يعيد هاني تخليق عشرات العناصر الفنية المستمدة من "البوب آرت" وثقافة الشارع في أطر جديدة لتقديم مضامين فنية مغايرة. في الإطار ذاته تستضيف الجامعة الأمريكية بالتجمع الخامس معرض "دليل المستخدم للبقاء" والذي يضم أعمالاً لعمرو ثابت، أحمد فوله، أحمد جندي، أحمد صبري، عمرو قناوي، إبراهيم إسلام، منه مصطفي، محمد علام، نينا الجبلي، ومحمد عبد الكريم ويقدم كل فنان تصوراته عن كيفية تطوير آليات للدفاع والبقاء في المدينة.
يحتاج كل معرض من المعارض السابقة لمقال منفصل للوقوف علي الأفكار والجماليات التي يقّدمها، لكن الدرس الأهم أن الحالة الفنية التي ظهرت عليها القاهرة الأسبوع الماضي والمستمرة حتي الأسبوع الحالي، توضح واحدة من سبل التعاون الممكنة بين القطاعات المنتجة للفنون سواء المؤسسة الرسمية أو المؤسسات المستقلة أو الفنانين الذين يختارون العمل بشكل فردي، فبقليل من التنسيق في التوقيت يمكن أن يتعاون الثلاثة في إضافة عناصر جديدة لروح المدينة التي تحاول البقاء تحت سحابة الدخان الأسود وعوادم السيارات والعواصف الترابية.