Photo:Ralph Gibson حديثي هنا تعليق علي خبر محدد قرأته في صحيفة الأهرام -الجمعة 62/3/0102. الخبر منشور علي الصفحة الثامنة، وهو منسوب إلي السيد وزير الثقافة، وقد جاء علي لسانه »لارجعة عن نقل السيرك، ولن يضار عامل«. مضمون الخبر - من واقع كلماته- ان هناك خطة لتطوير السيرك القومي وان خطوات التنفيذ كالآتي: 1- نقل السيرك إلي مدينة 6 أكتوبر علي مساحة 52 فداناً، حيث يمكن تنفيذ كل جوانب التطور المطلوبة مما لم يتحمله المقر الحالي (الذي لم ينفع فيه التطوير). 2- إعادة أرض السيرك الحالية إلي الدولة، (إذ هي ملك للدولة وستعود إليها). 3- نقل حيوانات السيرك إلي حديقة الحيوان لحين انتهاء المشروع الجديد. 4- العاملون بالسيرك سوف يستوعبون في الهيئات الثماني عشرة التابعة لوزارة الثقافة إلي حين الانتهاء من إقامة المشروع الجديد. وبصرف النظر عن الكلام الوردي للوزير عن إرسال بعض العاملين إلي أوروبا في دورات تدريبية في فنون السيرك ، وعن استقدام مدربين أكفاء من الخارج لنفس الغرض، وان احداً من العاملين لن يضار. وبصرف النظر ايضاً عن الوعود بتزويد السيرك الجديد بأحدث وسائل التأمين، بدلا من الوضع الحالي الذي يفتقر الي أبسط نظم التأمين.. وأخيراً بصرف النظر عن دغدغة عواطف العاملين - أو عضلاتهم - ووصفهم بأنهم فنانون يحتاجون إلي أماكن مريحة تساعدهم علي الإبداع، والقطع بأن أحداً منهم لن يضار بسبب النقل.. أقول : بصرف النظر عن كل هذا المعجم الذي يعزف عليه المسئولون عندنا بتنويعات مختلفة حين يمهدون لتمرير كارثة من الكوارث.. فإن في الخبر ما يفهم منه ان العاملين بالسيرك غير راضين عن هذه الخطة، وانه يوجد تفكير في الاعتصام تعبيراً عن رفضهم لها، وان الوزير »رفض نبرة الاعتصام التي عدد بها العاملون بالسيرك، وقال: هذا كلام غير مسئول«. هكذا يري السيد الوزير ان كلام العاملين غير مسئول، وانهم لايعرفون مصلحتهم ، وأن السيد الوزير أحن عليهم منهم علي أنفسهم، وأعرف بمصلحتهم عنهم. وبالتالي فكلامه -والأمر لله - هو الكلام المسئول. ولأن من واجبنا أن نفترض أنه كذلك فإن لدينا عدداً من الأسئلة لسيادته، بعضها فني وبعضها منطقي. أما الأسئلة الفنية فمنها: هل ستحتفظ حيوانات السيرك بعد فترة الضيافة في حديقة الحيوان - أقصد فترة التجميد - هل ستحتفظ هذه الحيوانات بصلاحيتها للعمل في السيرك الجديد؟ واللاعبون .. هل سيحتفظون بلياقتهم بعد نفس الفترة التي سينزلون فيها ضيوفا علي هيئات وزارة الثقافة المكتظة أصلاً بالعمالة الزائدة.. خاصة إذا تحولوا إلي موظفين يوقعون صباحاً ومساءً ويقضون فترة ما بين التوقيعين في قراءة الجرايد، أو ربما لايذهبون أصلاً إلي أي عمل .. أقول: هل ستبقي للاعبين المدربين - الذين تمثل العروض اليومية أهم جانب في تدريبهم - هل ستبقي لهم لياقتهم وقدرتهم علي مواصلة العمل؟ أم أن باب المعاش المبكر مفتوح، وباب الهروب إلي الخارج فراراً من إحباطات الداخل مفتوح أيضاً؟ أما الباب الذي سيكون -بالقطع- مغلقا فهو استمرار لياقتهم حتي وان قال الوزير غير ذلك. أما السؤال الآخر.. السؤال المنطقي.. الذي أقطع بأن الوزير لن يجد له إجابة مقنعة فهو: إذا كان المشروع الجديد سيقام علي أرض أخري بعيدة.. فلماذا لايستمر السيرك الحالي: حيواناته ولاعبوه وعروضه وجمهوره ايضاً حتي ينتهي المشروع الجديد فيجري الانتقال إليه بغير مشاكل -أقصد المشاكل الفنية التي ستترتب علي القطاع.. الحيوانات عن عروضها وكذلك انقطاع اللاعبين عن عروضهم التي هي أحب إليهم من كلام الوزير، خاصة كلامه عن »السيرك الذي يليق بمصر ومكانتها الثقافية والحضارية و... و..« وكل هذا الكلام الذي يكتبه طلاب المدارس في كراسات التعبير ويتردد علي ألسنة المسئولين بغير معني، بمناسبة وغير مناسبة. نعم.. لماذا لايستمر السيرك في نشاطه إلي حين الانتهاء من المشروع الجديد الذي لايعوقه في شيء استمرار السيرك القديم في عمله؟ ارجو أن يتفضل السيد الوزير بالإجابة عن السؤال مع بيان السبب الملح. في (شطب) السيرك الحالي من الوجود وتشريد حيواناته ولاعبيه ، ثم الإسراع بتسليم قطعة الأرض التي يقوم عليها إلي الدولة!! لقد قال الوزير: »إن قطعة الأرض التي يقوم عليها السيرك حالياً هي ملك للدولة، وستعود إليها« وأصارحكم بأنني أخشي ان تكون عودة غير حميدة، كما أصارحكم بأنني لم أعد أخشي علي مصر من شيء أكثر مما أخشي عليها من هذا الشبح المخيف الذي يسمونه الدولة، والذي تحول - وفقا لما نسمع ونري- إلي مؤسسة أو مؤسسات مهمتها تقنين وتسهيل بيع أراضي مصر ومرافقها ومنشآتها إلي غير المصريين عادة ، وأحياناً إلي مصريين فاسدين في أغلب الأحوال، مع النص في عقود البيع علي الاحتكام إلي هيئات تحكيم دولية، لتدفع مصر - عند أي خلاف- غرامات تفوق أضعاف ما أخذته من حصيلة البيع. نعم ياسيادة الوزير.. لقد أصبح لكلمات (التطوير) و(التنمية) و(الدعم) خلافاً لمعانيها الإيجابية المعروفة في معاجم اللغة.. أصبح لها عندنا معاني مخيفة واقترنت -غالبا- بضياع ثروات مصر ومصانعها وآثارها وأرضها أيضاً. أما في حياتنا هنا تطوير السيرك القومي - فتبدو القصيدة من أولها كفراً، أيا كانت التسميات التي تطلقها، وذلك بإيقاف نشاط السيرك وتصفيته قبل بداية أية خطوة في المشروع الجديد، مما يمكن تسميته بسياسة التدمير قبل التطوير.