وزارة العمل تعلن توفير 1100 فرصة عمل جديدة في مشروع الضبعة    60 طعنا أمام الإدارية على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب حتى الأن    مؤشر مديري المشتريات في مصر يسجل أعلى مستوى منذ 5 سنوات    العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب في مخيم زمزم    بلجيكا: مسودة الاتحاد الأوروبي بشأن استخدام الأصول الروسية لمنح قرض لأوكرانيا لا تعالج مخاوفنا    عاجل- رئيس الوزراء: "إيديكس 2025" يعزز مكانة مصر عالميًا في الصناعات العسكرية    هيئة البث الإسرائيلية: التصعيد العسكري ضد لبنان مسألة وقت    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 236 ألف سلة غذائية و22 ألف بطانية عبر قافلة «زاد العزة»    شوبير يكشف حقيقة رحيل أفشة عن الأهلي في يناير    القلاوي حكما للقاء الجونة وبترول أسيوط في دور 32 لكأس مصر    بتواجد ممثلي منتخب مصر.. ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    ضبط طفلين بتهمة استيقاف آخر وسرقته بالإكراه في القليوبية    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    المشدد 5 سنوات لعاطلين في سرقة الشقق السكنية بروض الفرج    مكتبة مصر العامة تستضيف عروض نادي سينما الإسماعيلية    مراسل إكسترا نيوز: 18 مرشحا يعودون للمنافسة فى الفيوم بعد قرار الإلغاء    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    فحص طلاب الابتدائي ضمن مبادرة اكتشاف وعلاج أمراض سوء التغذية بالبحر الأحمر    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    «مشوفتش رجالة في حياتي».. أبرز تصريحات زينة    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    مصر واليونان تتفقان على تعزيز الاستثمارات المشتركة في الطاقة والزراعة والنقل    زيارة دبلوماسية يابانية إلى فلسطين لتعزيز جهود الإعمار وتحقيق حل الدولتين    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    حزمة إجراءات لرفع كفاءة الخدمات بوحدات الرعاية الأولية بالجيزة    مذكرة تفاهم بين غرفة صناعة الملابس الجاهزة والوكالة الألمانية لدعم تطوير القطاع الصناعي    انقلاب ميكروباص بطريق أسيوط الغربي بعد الفيوم الجديدة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    وضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت إشراف مالى وإدارى بعد تعدى عامل على التلاميذ    وزير الخارجية يلتقي مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الألماني    3 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    وزير قطاع الأعمال العام يشارك في حفل سفارة الإمارات بالقاهرة بمناسبة عيد الاتحاد ال 54    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    موعد صلاة الظهر.... مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    «التعليم» تعلن وضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت الإشراف المالي والإداري للوزارة    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    العربية للتصنيع توقع مذكرة تفاهم واتفاقية تعاون مع شركة "Sofema" الفرنسية في صيانة وعمرة محركات الطائرات    «غني بالمعادن ومضادات الأكسدة».. الفوائد الصحية للعنب    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    «الشؤون النيابية» تحيي اليوم العالمي لذوي الإعاقة: قيمة مضافة للعمل الوطني    بعد لقائهما المسلماني.. نقيبا السينمائيين والممثلين يؤكدان تعزيز التعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    الرئيس الكولومبي يحذر ترامب: مهاجمتنا تعني إعلان الحرب    فيدرا تعيش وسط 40 قطة و6 كلاب.. ما القصة ؟    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    جوارديولا: فقدت شعري بسبب متعة الدوري الإنجليزي... وهالاند ليس الأفضل تاريخيا    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    إخلاء سبيل النائبة السابقة منى جاب الله بكفالة 30 ألف جنيه بعد دهس شاب بطريق صلاح سالم    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهر الخريف: جماليات توشي ..حكاية واقعية حزينة
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 10 - 2010

في روايته الجديدة "زهر الخريف" يفتح عمار علي حسن بابا وسيعا لقضية "الوحدة الوطنية" وهي مسألة وجودية بالنسبة لماضي مصر وحاضرها ومستقبلها، حيث يعرضها عبر حكاية مكتملة ذات حبكة روائية ظاهرة، وبلغة مشبعة بشاعرية واضحة، وهي سمة متكررة في أعماله السابقة، التي تزاوج بين الجماليات المحتفية ب"أدبية الأدب" وبين السياق الحاضن للتجربة الإبداعية.
وتنطلق هذه الرواية من تجربة اجتماعية وإنسانية خالصة يضيف إليها المؤلف من خياله الكثير، بعد أن وضع الأحداث في سياقها التاريخي السليم، ودققها بوضوح، وربط تفاعلات شخصيات الرواية بما كان يجري وقتها في الواقع المعيش، وهو ما أعطي مثلا ناصعا علي روح التسامح والتعاون التي كانت تسود بين المسلمين والمسيحيين في مصر، قبل الدخول في نفق الاحتقانات الطائفية التي بدأت بحادث الخانكة الذي أطلق موجة طائفية بغيضة لا تزال تعيش في مصر حتي هذه اللحظة.
وتدور أحداث الرواية في الفترة الواقعة بين هزيمة يونيو 1967 وانتصار أكتوبر 1973 وترسم لوحة تزخر بالعديد من الشخصيات المجهدة، التي تروض وقتا يمر ثقيلا في انتظار شاب ذهب إلي الحرب ولم يعد، بعد أن كان يملأ الدنيا بأفعاله البطولية في مطاردة مجموعة من اللصوص الطامعين في قريتهم الغافية المستكينة.
وبطلا الرواية هما شابان مصريان أحدهما مسلم والآخر مسيحي، يعيشان في قرية صغيرة وديعة مجهدة يلفها النسيان لكنها صامدة بين الزرع والنهر، بالقرب من مدينة المنيا وسط صعيد مصر، وتحارب بالرصاص والغناء اللصوص الطامعين في القوت والبهائم. في الليل، تختلط فرقعات البنادق الآلية مع صوت عذب وربابة شجية لشاعر يستدعي في نشوة مستعرة سيرة أبي زيد الهلالي ورفاقه العامرة بالبطولة والرجولة والنبل، فيشعل الحماس في النفوس المتألقة وسط الظلمة الشاملة. وهذه الروح الأصيلة والحزينة في آن، جعلت الرواية تحتفي بالموروث القصصي الشعبي إلي جانب الكثير من ألوان الفلكلور مثل العديد والأمثال والتنجيم والحكمة الإنسانية الخالصة، التي اقتطفها المؤلف من مصادرها الأصلية ووظفها تباعا في نصه السردي المتتابع.
هذان البطلان هما عليّ عبد القادر إسماعيل وميخائيل ونيس سمعان، صديقان جمعهما حب المغامرة، وذكريات الطفولة، والخوف علي ذويهما المتعبين، قادا أهاليهما في معارك حامية دفاعا عن قريتهما الوديعة المجهدة، ضد عصابات الليل. وحين وقفا علي أبواب الشباب الغض، جاءتهما الفرصة للدفاع عن الوطن برمته، فذهبا سويا إلي حرب 73، عاد ميخائيل شهيدا، وضاع عليّ في الصحراء الواسعة لتبدأ رحلة البحث عنه، وتشتعل الأسئلة، من دون أن تتهادي الإجابات.
ويظل أبطال الرواية حائرين في التوصل إلي ما يشفي الغليل وتريح النفوس التي يعتصرها الألم، ويلهثون ما وسعهم في سبيل فك هذا اللغز العصي، ويلهث معهم القارئ حتي الصفحة الأخيرة من الرواية، التي حملت إجابة تنطوي علي مفارقة، وتبرهن علي أن "الدنيا" ضيقة رغم اتساعها، وأن ما نجري أحيانا وراءه دون فائدة قد يأتينا في لحظة عابرة من دون أدني ترتيب أو انتظام، ودون أي جهد كبير نبذله في سبيل تحصيله.
ومن أكثر الشخصيات جاذبية في الرواية هي شخصية رفاعي الرجل البسيط الذي قادته قدماه حتي الصعيد الأوسط، ليبيع الخبز للفلاحين، ويروي لهم حكاية مدينة باسلة، بعد أن دمر الإسرائيليون بيته ومخبزه، ثم تتري الأحداث سخية رخية ليجد رفاعي نفسه في النهاية عائدا إلي مدينته وما حولها للبحث عن الشاب الضائع، الذي ربطته به علاقة إنسانية خالصة، تختلط بصدي صوت الأطفال الصغار وهم يزفونه كل صباح وهو يضحك ويوزع أرغفته، ويغني معهم: "يا رفاعي يا بتاع العيش .. خدنا معاك ودينا الجيش". ورغم أن شخصية رفاعي لم تحتل حيزا كبيرا في الرواية إلا أنها الأكثر قربا من النفس، رغم أن تأثيره في سير الأحداث ليس عميقا.
لكن الشخصية الإشكالية في الرواية هي "وفاء" حبيبة علي عبد القادر، التي لم يتزوجها سوي أسبوع واحد قبل تجنيده وذهابه إلي الحرب. كانت وفاء تطالع دوما من شرفتها الوسيعة انحناءات الشارع الذي ينتهي بجسر طويل مفتوح علي المحطات التي يحل فيها الغرباء والعائدون، لعل حبيبها الغائب يهل مع أول إطلالة للنور، أو في سكرة الليل الراحل بلا هوادة. تغمض عينيها لتراه آتيا كالقدر، يشق الظلام بجسده الفارع وإلي جانبه صديقه الحميم، وشريكه في الكفاح ضد أولاد الليل، وحين تفتحهما لا تجد سوي الفراغ، فتنتظر في صبر جميل، والشيب يتسلل إلي رأسها كالسم الذي يقتل في هدوء وعلي مهل، ولا تجد أنيسة ومواسية سوي جورجيت حبيبة ميخائيل التي افتقدته إلي الأبد، لكنها لم تبخل علي صاحبتها بكلمات ونصائح تقويها في مواجهة الانتظار الموحش.
إن "زهر الخريف" وهي الرواية الثالثة للدكتور عمار علي حسن الذي أصدر أيضا مجموعتين قصصيتين هما "عرب العطيات" و"أحلام منسية" لا تهمل "الشكل" سواء ما يتعلق بالمعمار الروائي أو التشكيل الجمالي للغة، لكنها تحتفي أكثر بالمضمون، حيث تحمل "قضية" جوهرية، من الضروري أن يلتفت إليها الأدب، وهي قضية "الوحدة الوطنية" شريطة ألا يقع العمل الإبداعي في فخ الأيديولوجيا أو الوعظ أو المنشور السياسي، وهو ما تجنبه عمار في روايته، فلم يطغ مضمونها العامر بالقيم والمعاني علي شكلها الساعي إلي الاكتمال.
الكتاب: زهر الخريف
المؤلف: عمار علي حسن
الناشر: الدار للنشر والتوزيع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.