بعد عشرين عاما من مساهمتها في هزيمة التفرقة العنصرية، عادت الأديبة الحاصلة علي"نوبل" نادين جورديمر إلي ساحة الحرب مرة أخري، كمناضلة ضد خطة حكومة جنوب افريقيا لتكميم أفواه وسائل الإعلام. مما دفع ستيفن موس محرر"الجارديان" إلي توجيه سؤال مباشر للكاتبة: من أين تأتيك هذه الطاقة؟ أتعجب كيف لمن في السادسة و الثمانين، ولها مثل تلك الشهرة، والثقافة العالية، أن ينتحي جانب الشراسه؟ أجابت:" كل ما عليك هو حشد طاقتك، لآداء ما يتوجب فعله"، وما تشعر أن عليها فعله في الوقت الحالي هو الإعتراض علي مقترحات صارمة من حكومة جنوب أفريقيا ، بخصوص قواعد جديدة لحماية المعلومات، مع إنشاء محاكم لوسائل الإعلام، يراها المعارضين أكبر تهديد لحرية النشر منذ عهد التفرقة العنصرية. إذا تمت الموافقة عليها سوف تتيح للحكومة حظر نشر مواد باعتبار أنها تضر بأمن الدولة واستمرارها، تحت عباءة"المصلحة الوطنية"، يسمح بإغلاق مناقشة أي موضوع قد يؤدي لإحراج السلطة. تلك الإفتراضات هي التي قادت جورديمر للدخول في معركة ضد الحكومة، لاعتقادها أنها علي و شك أن اتخاذ اجراءات تنعكس علي المكاسب الديمقراطية التي حدثت خلال العقدين الأخيرين، فكتبت عريضة إحتجاج بمشاركة الكاتب أندريه برينك، إستطاعت أن تجمع عليها العديد من التوقيعات لأسماء شهيرة مثل جي إم كوتزي، و الكاتب الأكاديمي نجابولو نيبل، و الممثل و الكاتب المسرحي جون كاني، سوف تقدم رسميا الأسبوع الحالي لرئيس "جنوب أفريقيا" جيكوب زوما، و تأمل جورديمر أن يحدث تضافر بين مجلس نقابة المحامين مع المؤسسات الإعلامية، لإنشاء تكتل معارض لتلك المقترحات، فهل ستجد نفسها بعد عشرين عام من مساهمتها في إلغاء التفرقة العنصرية في موقف المعارض للحكومة؟ تقول:"إنه شئ أكبر من تناوله بمجرد السخرية، أناس لقوا حتفهم في سبيل النضال من أجل الحرية، وإعتقدوا حصولهم عليها مقابل تضحية من هذا القبيل، أصبحوا مهددين بالفعل مرة أخري، كل الأدباء مهددون من الرقابة، والرقابة الحقيقية الكامنة وراء "محاكم وسائل الإعلام"، ونحن نحتج علي تأسيس مثل تلك المحاكم، التي تعني بالطبع وجود"شرطة الكلمة"، ليس بدافع مصلحتنا الخاصة فقط، لكن الكتابة تفترض وجود تفاعل مع القراء، وإذا كان العمل الأدبي و حرية الكاتب معرضان للخطر، فإن حرية كل قارئ في "جنوب أفريقيا" كذلك، إحتجاجنا هو إجراء متخذ من جنوب أفريقيين من أجل جميع مواطني جنوب أفريقيا، ونحن نلزم أنفسنا بمطالب من أجل وطننا الحر وهي: حرية التعبير، حرية الحوار، التحرر من الخوف حول حقيقتنا". سألتها إذا كان قد خطر لها العودة إلي حلبة الصراع دفاعا عن الحقوق الديمقراطية الأساسية أجابت:"لا، لم أعتقد أنني قد أعود للصراع مع الحكومة- مرة أخري ، لكن ذلك يعيدنا إلي بعض مفاهيم التمييز العنصري، و يهدد أساس حرية الديمقراطية، حرية التعبير، بالإضافة إلي التصويت، أساس الديموقراطية، ذلك هو الجوهر" علي ذلك هل ما قادك إلي اليأس من الحكومة، الطريقة الجديدة في تنظيم الأمور بجنوب أفريقيا، و إمكان العودة للوراء نحو بعض الأساليب السيئة القديمة، و الخوف من الإنفتاح، وحماية المكاسب؟ " لست يائسة، الحياة غاية في الغموض، وكل ما عليك هو مواصلة قناعاتك حول ما هو صواب، القناعات لا تتغير،لازلت أعتنق حتي الآن ما فكرت به منذ عشرين عاما"، جورديمر تقر أن الأكثر تضررا إذا تابعت الحكومة مشروعها سيكون الصحفيين، لكنها تقول أن المبدعين أيضا سوف يعانون من هجوم غادر علي حرياتهم" أولا لأنهم غالبا يعتمدون علي مواد إكتشفها الصحفيون، لكن كذلك لأن مجالهم الفكري سوف يصبح محاصرا، و مخيلتهم مقيدة، نحن أيضا مهددون برفض حرية الكلمة، التي هي نموذج للتعبير عن حياة شعب جنوب أفريقيا، الصحفيون يقدمون لنا الحقائق، لكن في الشعر والمسرحيات و الروايات هناك مستوي من التعقيد الشديد، وذلك من شأنه يؤدي إلي أن تصبح محصورة بقوة الحكومة، هدفنا هو استشكاف الحياة". و تؤكد أن ذلك الهدف يمكن أن يكون معرضا للشبهه من تلك الأنظمة. كما أوضحت في مقال تحت عنوان "حرية الكاتب" نشر في ذروة التفريق العنصري سنة1976، وأعيد تقديمه في كتابها الأخير" أوقات الحكي" أوضحت فيه لماذا الحرية_بداية من الأزياء و الإلتزام و التدخل الحكومي- كانت شيئا حيويا:"أي مجتمع- أي رؤية لمستقبل المجتمع- يكن الإحترام لأدبائه، لابد من وضعهم في مجال حر بقدر المستطاع كي يكتبوا بطرقهم الخاصة المختلفة، و بخياراتهم من حيث الشكل و اللغة، وطبقا لطريقتهم في إكتشاف الحقيقة"، في نهاية المقالة إقتبست عبارة تور جنيف:"بدون الحرية في أوسع معانيها، الفنان الحقيقي يستحيل، بدون هذا الهواء، أن يتنفس" تحت نظام التفرقة العنصرية العديد من كتب جودريمر تم حظر نشرها، حيث حظر نشر"عالم من الغرباء" سنة 1958لمدة 12 عاما، و"عالم البرجوازية الأخير" سنة1966 لمدة عشر سنوات، و العديد من رواياتها لفترات أقصر، لكنها رفضت أن تقبل الإذعان، وبقيت في"جنوب أفريقيا" بينما رحل عنها الكثير من معاصريها من الأدباء، قالت ذات مرة عن المنفي:" إنه شئ فظيع، حتي لو توفرت به سبل الراحة"، ودائما كان لها دور بارز في معارضة الرقابة، كما ساعدت علي تأسيس مجلس إتحاد كتاب جنوب أفريقيا، لكنها دائما ترفض لقب"كاتبة سياسية"، خوفا من إعتبارها بطلة أو إلزامها بذلك، قالت سنة2003:" أنت تخدم قضيتك بطريقة أفضل بقول حقيقة إكتشفتها، و المثيرون للجلبة و الدعاية يعتقدون أنهم إستطاعوا إحتكار الحقيقة، أما الأدباء فيعترفون بإحتمال وقوعهم في الخطأ: ليست الحقيقة لكن الحقيقة كما نعلمها" ، ذلك ربما يكون هجوم مباشر علي الحملة الجديدة المقترحة علي الأدباء ، التي هي أكثر ما تخافه، لكن تشجيعها لمناخ يتم فيه حرمان الأدباء كما قالت في مقال نشر لها سنة 1976 وصفته ب"وجهة نظر خاصة"، في عالم حيث تقرر الحكومة ما يمكن نشره، و أي مادة تهدد المصلحة الوطنية، أدباء عليهم إتخاذ جانب يجبرون فيه علي أن يصبحوا سياسيين، ولا يعودوا لذواتهم، الكتابة تصبح سلاح، عوضا عن كونه مغامرة ثقافية". تؤكد جورديمر أن عريضتها تلقي دعما من الأدباء الذين يعبرون عن كل فئات الشعب، أبيض، أسود، هندي، متحدث بالإنجليزية، أو بالأفريقية، وهي مهمومة بخطورة الحكومة، التي تصبغ عليها صفة كاتبة غنية بيضاء غير ملمة بالحقائق السياسية الجديدة في"جنوب أفريقيا"، و قد واجهت هذا النوع من الإهمال سنة2001 وعند نشر روايتها" ناس يوليو" سنة1981التي تخيلت فيها نشوب حرب أهلية بجنوب أفريقيا، وتم إعتبارها آنذاك عنصرية، ومنع تدريسها بالمدارس، أكدت قائلة:"إحتجاجنا ليس له علاقة بالجنس أو اللون" وعندما سألتها إن كانت تلك الإجراءات تعتبر أسلوب لتغطية فساد مسئولين بالحكومة أجابت:" هناك الكثير من الفساد في مناصب عليا، و من الواضح جدا أن تلك القوانين يمكن أن تعني حماية أناس يخافون كشفهم، و من السخرية استخدام تعبير أمن الدولة الذي يحمل معني أورويلي مزدوج" و أضافت:"ليس في نيتنا تعريض أمن الدولة للخطر، إن تكميم حرية التعبير في ذاته تهديد لأمن الدولة، و كأدباء و مواطنين في نيتنا توضيح ذلك".