خالد البوهي شاعر مصري ولد بمدينة الإسكندرية، يعمل طبيبًا، هو عضو اتحاد كتاب مصر، ومحاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة، نشرت قصائده في صحف ودوريات عديدة، حصل علي كثير من الجوائز منها: جائزة العقاد الأدبية في الشعر عام 1998، وجائزة الأطباء الشعراء عام 2014. له ديوانان: الأول بعنوان (منف) وصدر عام 2006، والثاني بعنوان (حلم) وصدر عام 2010، و(سفر نشيد إنشادي) هو الديوان الثالث في رحلة ومسيرة خالد البوهي الشعرية فقد صدر مؤخرًا في نهاية عام 2015 عن سلسلة الإبداع الشعري المعاصر بالهيئة المصرية العامة للكتاب. يتكون الديوان من 100 صفحة، ويضم 20 قصيدة من الشكلين التفعيلي والعمودي، حيث تتميز تلك القصائد بالرصانة اللغوية، والتجسيدات الفنية المتنوعة والتي تدل علي ثقافة الشاعر الواسعة، وإطلاعه علي قضايا، وعلي أجناس، وعلي تجارب أدبية مختلفة. يقول شاعرنا في قصيدته سقوط: يَسْعَدُ كُلُّ النَّاسِ بما يتهاوي في شارعنا وأنا أتهاوي مثل زجاجةْ في الطُّرقاتْ في هذا المقطع يضع الشاعر أمامنا كل الحقيقة، متكئًا علي ما يحدث في عالمنا من فعال غير سوية، فالكثير من الناس الآن يفرحون كلما شاهدوا أحدًا يسقط أو يتهاوي أمامهم، ولا عزاء للمتألم الذي لم يوفق في تحقيق غاياته وطموحاته، فلا يوجد من يفرح لفرحه، ولا من يحزن لحزنه إلا قلة قليلة، وهؤلاء هم من خيار الخلق. إن فاقد الشيء لا يعطيه، ولن يستطيع المرء أن يمنح الآخرين الحب والخير والعدل والجمال والحرية والقيم الإنسانية النبيلة إلا إذا كان يحمل في داخله كل هذه الصفات وتلك الفضائل. في قصيدة أسي يقول خالد البوهي: مأساتكَ أنَّ الموتَ بطيءٌ.. جدًّا إن هذه الصورة تعبر عن المشاهد المأساوية، والانهزامية التي يعاني منها المواطن في بلادنا، في ظل التردي الذي انتشر في كافة الأنحاء حتي وصل الأمر أن الإنسان يتمني الموت فلا يجده، وفي الحديث "لا تقوم الساعة حتي يمر الرجل بقبر صاحبه فيقول يا ليتني مكانه"، فالعوامل والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي قصمت ظهور الناس لا شك أنها تجعلهم دائمًا ساخطين علي الأنظمة الفاشلة، لما هم فيه من معاناة، ومن كرب، ومن قلق مستمر. والشاعر هنا ينظر في ذاته، ويتعمق فيها، فنظر الإنسان في ذاته كما يقول صلاح عبدالصبور (هو التحول الأكبر للإدراك البشري، لأنه يحيل هذا الإدراك من إدراك ساكن فاتر إلي إدراك متحرك ومتجاوز، ويرتقي باللغة البشرية إلي مرحلة الحوار مع النفس الذي هو أكثر درجات الحوار صدقًا، ونزاهة، وتواصلا - إذ تصبح فيه اللغة نقية، صافية، خالية من سوء التفاهم وتشتت الدلالات. في انتحار يقول الشاعر: تدلَّتْ مِنَ الرَّأسِ روحٌ تغنِّي أغاريدَ صمتٍ جميلةْ تطوفُ بعيدًا عَنِ الزَّمنِ المستباحِ وتُرخي ستارًا علي أمنياتٍ طويلةْ الشاعر يغني، ويفرح، ويحلم مهما تعاظمت المشكلات، ومهما كان الموقف مريرا، والعيش مستحيلا.. فالتجارب الكبيرة هي بالطبع تنضج الشاعر، وتجعله منتجًا مختلفًا، فيكون بينه وبين الإبداع ألفة، وصحبة.. وأعتقد أن خالد البوهي من خلال ما يقدمه هو واحد من هؤلاء. يقول في وحده: قبِّليني بجنونٍ يا بلادي / واذكري حُبِّي الَّذي أضني فؤادي / وامنحيني ثورةً في كُلِّ شبرٍ / ضدَ دَجَّالٍ وأذنابِ الفسادِ / ضدَ مَنْ عاثوا بظُلمٍ ذاتَ يومٍ / واستباحوا وقتها قوتَ العبادِ في النص ثلاثة أفعال أمر: قبليني / اذكريني / امنحيني، وكلها تدل علي احتياج الشاعر واشتياقه للمحبوب الأول وهو الوطن، حيث يطلب الشاعر من بلاده أن تقبله، وأن تحتضنه، ويتمني ألا تتخلي عنه في لحظات الحسم، إنه يريد أن تمنحه الحماسة، والانتفاضة، والثورة ضد سارقي الوطن، ومغتصبي خيراته، ومقدراته. هنا ألمح بعض التوتر، وأعتقد أن هذا التوتر هو الذي يميز نصوص وقصائد خالد البوهي، يقول د دريد الخواجة (إن من أهم ما يميز الشعر التوتر، بل إنه لا شعر دون توتر ما، به يقوي الإيقاع الداخلي، ويتميز، وعنه تصدر إشارات سحرية تبعث علي المشاركة نتيجة للصدق والوعي). في بوح يقول شاعرنا: وأنا الشَّقيُّ بكُلِّ آهاتِ الخليقةِ أستجيرُ ولا مُجيرَ سوي انتكاساتٍ تُراقبني وتكسرُ كُلَّ شيءٍ في حياةٍ عشتها ميْتا إن الشاعر هو أكثر الناس شقاء، لأنه ينظر إلي الأشياء بنظرة أعمق ومختلفة عمن سواه، فما أقسي أن يشعر الإنسان بالموت وهو علي قيد الحياة، فلا تقدم يحدث، ولا تطور يلاحظه. إن نصوص وقصائد خالد البوهي تتميز بقدر كبير من التماسك والشفافية، فهو ينتقي كلماته وعباراته بوعي وبصيرة، يقول د صلاح فضل (إن للكلمات طريقتها الشعرية الخاصة في محاكاة الحياة وتجسيد حركتها) فمن خلال هذا التجسيد الحركي نستخلص أن شاعرنا قد امتلأ كيانه بروح الجماعة، حيث يحمل علي عاتقه همًّا إنسانيًّا عظيمًا، ويبتعد عن الثرثرة المرهقة التي يقع فيها كثير من الشعراء. تحية لشاعر موهوب سوف يمنح القصيدة الحديثة زخْمًا إضافيًّا جميلا.