البنك الإسلامي للتنمية يقدم اعتماد مالي قدره 13.2 مليار دولار للبلدان الأعضاء    "كاسبرسكي": 9.7 مليون دولار متوسط تكلفة سرقة البيانات في القطاع الصحي    هبوط أسعار النفط وسط احتمالية زيادة إنتاج "أوبك+"    فضيحة تطال الجيش الأمريكي، إيقاف مجموعة من جنود النخبة عن العمل بعد عملية وهمية (فيديو)    أمن وكالة سي آي إيه يطلق النار على امرأة أمام مقرها    "الغارديان": ترامب خيّب آمال أوروبا بعد مكالمته مع بوتين    شهداء وجرحى في غارات الاحتلال المتواصلة على قطاع غزة    ضبط عامل لسرقته الشقق السكنية بمواقع تحت الإنشاء بمدينة 15 مايو    شوبير الأب والابن الأفضل في تقييم إكرامي.. والحضري يتفوق على الشناوي (فيديو)    في يومه العالمي.. احتفالية بعنوان «شاي وكاريكاتير» بمكتبة مصر العامة بالدقي    «التنسيق الحضاري» يطلق حفل تدشين تطبيق «ذاكرة المدينة» للهواتف الذكية    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الأهلي ضد الزمالك في نهائي كأس أفريقيا لليد    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    لجنة التقنيات بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    انفجار كبير بمخزن أسلحة للحوثيين فى بنى حشيش بصنعاء    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    ضبط مركز أشعة غير مرخص فى طهطا بسوهاج    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن بداية تعاملات الجمعة 23 مايو 2025    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    بقيمة 19 ألف جنيه.. كنيسة بالسويس تساهم في مشروع صكوك الأضاحي تعبيراً عن الوحدة الوطنية    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    صراع ناري بين أبوقير للأسمدة وكهرباء الإسماعيلية على آخر بطاقات الصعود للممتاز    وزير الشباب ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من نادي المنصورة الجديد بجمصة    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة السورية وداد نبي:أحبها تلك البلاد حتي في خرابها الأخير
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 05 - 2016

وسط الدمار الذي خلفته قذائف الهاون مؤخراً في حلب، وقف أحد الناجين - بوجه لم يسلم من الموت - مُمسكاً بلافتة مكتوب عليها "حلب جسارةٌ لا تُحكي/ إنما تُقتل.. تُقتل بصمتٍ/ فأعطي قلبكَ للحُب/ وأدخُل بيمينك.. لمدينة الموت الأخضر"، مُدوناً تحت هذا النص اسم كاتبه، وهي الشاعرة السورية وداد نبي (1985)، التي قالت أيضاً في قصيدتها (حلب.. موت أخضر): "حلب.. رئةٌ ثالثة تتسكعُ/ بشوارعها الخراب/ بأزقتها المفروشةِ بالأنقاضِ/ وفوارغِ الرصاص والأحلام/ جسارةُ آلهة/ تتجولُ كمغنٍ بلا صوت/ حول أحيائها المزكومةِ/ برائحة TNT/ ونفايات الخردة القاتلة".
عاشت وداد نبي طفولتها وشبابها في حلب، لها ذكريات وضحكات في كل شارع فيها، ومثل كثير من السوريين أجبرتها الحرب علي الرحيل في إبريل عام 2014، تاركة وراءها كل شيء إلا ديوانها (ظهيرة حب.. ظهيرة حرب)، الصادر عن دار كوبيا صيف 2013، والذي وثقت فيه الخراب الذي لحق بها وببلادها، مُتجهة إلي ألمانيا، حيث تقيم الآن في برلين، تتابع من هناك ما يأتيها من صور وفيديوهات عن الحرب؛ "كنتُ ولا أزالُ عاجزة.. عاجزة بمعني الكلمة أمام كل هذا الموت الذي يحصدُ المدينة وسكانها، حيث تتشارك حلب مع مسقط رأسي كوباني بمحبة القلب الأزلية".
كل حي يتعرض للقصف في حلب، تعرفه وداد جيداً، وتحفظه عن ظهر قلب، لذلك تشعر أنها تفقد كل يوم جزءاً من حياتها؛ "عندما سافرت، اعتقدتُ أنني نجوتُ بنفسي من الدمار وآثار الحرب الدائرة هناك، لكنني أدركتُ وأنا أتابع من خلف الشاشات الوضع في سوريا أنني لن أنجو، إلا إذا توقف ذلك الموت هناك، عن طحن مُدننا وذكرياتنا وأحبتنا وناسنا. إنهم يدمرون كل شيء، وأنا هنا أتفرج بصمت، أبكي كثيراً، وأشتمُ كلما تذكرت أنني خسرتُ المدينتين اللتين أنتميت إليهما". لقد طالت الحرب، ولا تعرف وداد ما الذي يمكن أن تفعله، وهي بعيدة، سوي أن تكتب الشعر، في قصيدة (احتيال) تقول:
في زمن الحرب أحتالُ علي الوجع
بكتابة قصيدة عن حب مضيء كقذيفة
كي أقاوم أزيز الرصاص وصوت تحليق
طائرات ميغ 21 فوق سماء المدينة
لا تزال تذكر وداد المشهد الأخير لها في سوريا؛ قبل سفرها بيوم واحد، كانت تسير في أحد شوارع حلب، ورأت إمرأة جميلة ترتدي ثياباً عسكرية، وتحملُ بندقية، وتأمرُ بتفتيش السيارات علي الحواجز بقسوة فاشية، "كان جمالها الظاهري يتنافي كلياً مع بشاعة اللون الكاكي والسلاح والقسوة التي تتعامل بها، تلك الصورة أكدت لي أن بقائي وسط كل هذه الخسارات سيؤذيني، الحرب بشعة.. بشعة أكثر مما يتخيلهُ المرء"، هكذا فعلت الحرب بها، مثلما تفعل بأي إنسان، شردتها من مدنها، وأبعدتها عن بيتها وعائلتها، وجعلتها تخسر حيوات أحبة لها تحت القصف وفي المعتقل، كما جعلتها أكثر هشاشة ووحدة ويأساً، لكن الحرب لم تنزع منها مشاعر الانتماء للوطن، تقول في قصيدة (تورط عشقي):
متورطة بعشق بلاد لئيمة حد الوجع
مسلحة بالرصاص والحنين
تلوي ذراع الحب
بضلعي الأعوج المسلح بحبها
وفي قصيدة أخري اسمها (قصائد النانو) أعلنت وداد عدائها للحرب التي لن تصادقها أبداً، حتي لو بقيت مئة عام في سوريا وقضيت علي كل شيء، تحسم أمرها:
أحبها تلك البلاد
حتي في خرابها الأخير
لأجل كل هذا الحب، لم تستطع وداد نبي أن تظل صامتة هناك وهي تري حلب تُقصف بالبراميل المتفجرة، " كنت أشعر أنني لو بقيت يوماً إضافياً سيكون الانتحار هو الحل للتخلص من اليأس الذي كان يعيشُ في داخلي ويكبرُ ويمتد ويطغي علي كل المشهد السوري "، لذلك قررت النزوح، قابضة علي انسانيتها حتي لا تخسرها مثل كثيرين:
الليلة أنا نازحة
من شمال مدينة صارت خراباً
باتجاه قلبك مباشرة
لا أريد خيمة للنازحين
ولا ملجأ يحميني من القصف
ولا حصة غذائية بائسة تصلني بعد طول انتظار
فقط أريد حصتي من هواء رئتيك
وحصتي من القصائد التي تركناها وحيدة
تحت رحمة معاول النسيان
وحصتي من قلبك لأتوسده لرأسي المتعب
حينما تتخلي عني البلاد
تستكمل وداد نبي: "بعدما قطعتُ الحدود التركية الفاصلة بين حلب وتركيا - معبر باب السلامة - نظرت ورائي، فشاهدتُ حشوداً هائلة من السوريين بصحبة حقائبهم في انتظار دخولهم لتركيا، يكيت، لأننا نهاجر أفواجاً من بلادنا التي لم تعد قادرة أن تمنحنا لحظة أمان، بلادنا التي تخلت عنا، وتركتنا للطاغية ونظامه وبراميله وجيشه ودباباته ومدفعيتهُ.. فلا يوجد ما هو أقسي من أن يشعر المرء أنهُ غير محمي بأرض تفترض أنها بلاده". تصف ذلك المشهد الذي يتكرر يومياً في قصيدتها (أزهار بريّة) قائلة:
النازحون من بيوتهم
يزهرون كالأزهار البرية
علي حواف الطرقات والحدائق والمدارس
يضمون أطفالهم لصدورهم كسنابل قمح
في زمن القحط واليباب
ويخلفون وراءهم أينما حلوا
نظرة الحالم بغد يشبه الأمس
خمس سنوات مرت علي الصراع في سوريا، رصدت فيهم وداد نبي أبشع الجرائم مثل (مذبحة الحولة) في مدينة حمص، التي قُتل فيها 50 طفلاً، وتحدثت أيضاً عما لحق بالمُدن مثل مدينة داريا التي تقع بالقرب من دمشق، والتي شهدت معارك عنيفة دمرتها بالكامل، ما جعلها تحمل النظام السوري مسئولية ما يحدث في بلادها، "ومن ثم دول العالم الكبري التي لا تزالُ تساند هذا النظام، وتسكتُ عن جرائمه الوحشية بحق شعب أعزل، لم يطالب سوي بالحرية والكرامة والمواطنة"، رأيها هذا كان واضحاً في قصيدتها (جنرال) التي جاء فيها:
الجنرال لا ينام
فعلي أكتافه أرواح آلاف الشهداء
مُعلقة بانتظار حريتها
علي أكتافه أنقاض المدن التي قصفت
بيوت النازحين الذين تركوا أحياءهم تحت القصف
حكايات عاشقين فرقتهما قذيفة
من بين المُدن السورية، كانت مدينة عين العرب (كوباني) حاضرة بقوة في قصائدها، ليس لأنها صارت رمزاً للصمود، بل "لأنها مسقطُ رأسي وقلبي أيضاً، ففي سنوات الحرب هذه كانت كوباني مدينة أليفة، استقبلت سوريين من كل المدن، كانت تكبرُ بالحب،لكنهم حولوها لخراب، ورغم ذلك لا تزالُ تقاومُ لتنهض من جديد، فما قدمته المقاتلات الكرديات من دروس في الحرية والتمرد، جاء خارج الصورة النمطية للمرأة الشرقية، وكان هذا ولا يزالُ سبباً مهماً ليجعل من كوباني رمزاً لا ينكسر، ولا يُنسي"، ففي قصيدة (حين نرجم قلبنا بحجارة كوباني) التي أهدتها إلي المقاتلة الكردية أرين ميركان، التي نفذت أول عملية انتحارية ضد تنظيم داعش، قالت:
البيوت التي بقيت مفتوحة الأبواب
كانت تنادينا كيف تركنا القفل بلا مفتاح
لو كنّا نعلم أن هجرتنا طويلة لعلّقنا مفاتيح بيوتنا
بجدائل شعرك الأسود قُبيل الرحيل الكبير
تتمني وداد نبي أن تأخذ الحرب هدنة، لتكتب إلي حبيبها عن أزهار البرتقال المتساقطة في حديقة الجيران، عن شجار زوجي الحمام المقيمين بأعلي شجيرة الرمان، عن الأغنيات التي تبثها الإذاعات في المترو، فهي تريد القليل من الوقت الهادئ بلا ضجيج الحرب، وقتلاها، بلا صوت الرصاص، وصدي بكاء النازحين واللاجئين، تريد أن تكتب إلي حبيبها لكنها تجد نفسها في كل مرة تكتب صفحات طويلة عن الحرب وعن سوريا. أسألها: "ما الذي ستفعلينه عندما تنتهي الحرب؟"، تجيب: "سأتوقفُ عن البكاء أخيراً"، لكنها في قصيدة (سأحبك أكثر بعد أن تنتهي الحرب) أفصحت عن الكثير:
فقط لو تنته الحرب يا حبيبي
لو يتوقف القصف
لو يعود النازحون لبيوتهم
لو يعود الشهداء لأمهاتهم
لو تعود العصافير محلقة
بسماءاتها بدلاً من الطائرات
فقط لو تنته الحرب يا حبيبي
سأحبك أكثر من أي وقت مضي
ممتلئة هي وداد نبي - رغم الغربة - بالأمل، تكتب عن بلادها التي تريد: " سوريا.. زهرةُ ياسمينَ بيضاء/ حينما تخلعُ قبّعة العسكر/ وترتدي ضحكتكَ أنتَ، سوريا .. ما أجملها من بلادٍ كانت / ما أجملها من بلادٍ ستكون"، لكن هل ستعود سوريا كما كانت؟، تقول: "لا نريدها أن تعود كما كانت أيام النظام القاتل، نريدها سوريا حرة ديمقراطية، تحقق المواطنة والحرية والمساواة لجميع أهلها، هذا ما نحلم بها، وهذا ما دفع من أجله السوريون دماءهم، وهذا ما اتمناهُ، فأنا واثقة من الحرية التي ستعيشها وتعرفها سوريا ذات يوم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.