انور مغيث وأمل الصبان وجيلبيرت سينويه بحضور الكاتب الفرنسي جيلبيرت سينويه أقام المجلس الأعلي للثقافة ندوة لمناقشة أحدث كتبه "محمد علي.. الفرعون الأخير" أدارت الندوة الدكتورة أمل الصبان،أمين عام المجلس الأعلي للثقافة، وشهدت حضورا كثيفا من جانب عدد كبير من الكتاب والمثقفين. في البداية تحدثت الدكتورة أمل الصبان عن كتابات سينويه التي تعكس تأثره بالواقع المصري والذي يتجلي في العديد من رواياته وكتاباته،وأضافت :"لقد ولد جيلبيرت سينويه في مصر وعاش فيها فترة من الزمن ولذلك لا نندهش من هذه الروح المصرية التي تنعكس علي كتاباته التي استعرض فيها تاريخ مصر،وقد استوقفته في هذا التاريخ عدة شخصيات أمثال محمد علي وجمال عبد الناصر والملك فاروق،ولذلك تعتبر ثلاثية (إن شاء الله) التي كتبها سينويه من أهم ما كتب في حياته،فنراه يستعرض في الجزء الأول منها تاريخ مصر في الفترة منذ القرن الثامن عشر وحتي عام 1956،وفي الجزء الثاني يتناول الفترة منذ 1956 وحتي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001،وفي الجزء الثالث والأخير يتعرض للفترة منذ 2001 وحتي 2011 حيث تتحدث عن تاريخ مصر والمنطقة العربية والشرق الأوسط خلال هذه الفترة التي شهدت أحداثا هامة ومؤثرة غيرت معالم التاريخ والجغرافيا لهذه المنطقة الهامة من العالم،ولذلك فإن وجوده بيننا الآن ليس بالأمر الغريب عليه. يعتبر سينويه من أهم الذين كتبوا عن فترة حكم محمد علي ومن أهم الذين تناولوا تاريخه بالدرس والبحث والتحليل والمراجعة,كما يقف دائماً موقف المدافع عن الثورة المصرية ويمتلك وجهات نظر في هذه المسألة مما يعكس حباً وارتباطاً بهذا البلد،فهو يعتبر من أصحاب وجهات النظر الموضوعية في حب مصر". الدكتور أنور مغيث ،مدير المركز القومي للترجمة،قال إن سينويه يعتبر بالنسبة إليه ذ كاتباً فريداً من نوعه،وليس غريباً أن يستلهم أحداث رواياته من البيئة المصرية لأن مصر تعتبر البيئة الخصبة التي تساعد الكتاب علي التحليق بخيالهم في سماواتها البعيدة والمنفتحة علي سماوات أرحب وأبعد. " يعتبر العصر الفرعوني من الفترات الملهمة للكتاب أمثال نجيب محفوظ الذي بدأ كتابة الرواية منطلقاً من ذلك العصر،وهناك الفترة الثانية وهي فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين التي ألهمت كثيرا من الكتاب أيضاً،ولكني تعرفت علي جيلبيرت سينويه من خلال عصر مختلف فكان أول ما قرأت له هو رواية (بنت النيل) وتوقعت أن تدور أحداثها في العصر الفرعوني كما تعودت في قراءاتي الروائية التي تدور أحداثها دائماً إما في العصر الفرعوني أو في فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين،ولكني فوجئت بأن وجدت الرواية تدور في الفترة التي ارتقي فيها محمد علي كرسي الحكم في مصر حتي الفترة التي تم فيها افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل،وأصابتني دهشة كبري من كم المعلومات التي وجدت الكاتب ملماً بها ورأيته محيطاً بكل جوانب الحياة اليومية من تفاصيل لا يستطيع سردها إلا من عاش في تلك الحقبة البعيدة،خاصة لأن تلك الفترة كانت غامضة إلي حد كبير وبالتالي كانت المعلومات المتاحة بخصوصها قليلة للغاية ولا تسعف الروائي في نسج خيوط روايته علي منوالها. في النهاية أود أن أقول أن شعوري الصادق والحقيقي هو أن جيلبيرت سينويه فرنسي الجنسية لكنه يعيش بروح مصرية ومهما ذهب وابتعد عن مصر تبقي هذه الروح متحدة به وكامنة بأعماقه لا تنفصل عنه". من جانبه بدأ الكاتب الفرنسي جيلبيرت سينويه حديثه عن كتابه "محمد علي.. الفرعون الأخير " باعتذار للحضور عن عدم مواصلة الحديث باللغة العربية وذلك لأنه لم يتكلم العربية منذ خمسين عاماً ولكنه مع ذلك لا يزال قادراً علي التعامل بها ولكن ليس بالدرجة التي تمكنه مثلاً من إلقاء محاضرة كاملة أو وضع كتاب بالعربية. دخل سينويه في موضوعه مباشرة فتحدث عن التاريخ المصري العريق الذي علي عكس ما يراه البعض لم يتوقف فقط عند نفرتيتي،وأضاف سينويه: " لقد توقفت كثيراً عند محمد علي وأعجبت به وبتلك الفترة التي حكم فيها مصر. لقد اندهش عدد من أصدقائي عندما علموا بأني بصدد الخوض في كتابة تاريخ محمد علي وسبر أغوار تلك الفترة من تاريخ مصر وظنوا أول الأمر أني بصدد سرد تاريخ الملاكم محمد علي كلاي،ولكني كنت حقيقة وأكيداً مصراً علي المضي قدماً فيما انتويت أن أفعل. أسميت كتابي بهذا الإسم لأني رأيت أن شخصية محمد علي هي خليط بين أمور كثيرة فقد كان رجلاً قوياً بحق،وأسس نهضة زراعية ظاهرة للعيان فشق الترع وأقام السدود،بالإضافة لما أحدثه من طفرة علمية رائعة،كما استطاع أن ينشيء أسطولاً في بلد ليس به أخشاب وهذا هو عين التحدي،ومما هو معروف بداهةً أن الجيش المصري في عهد محمد علي كان جيشاً قوياً علي المستوي العالمي وليس علي المستوي العربي أو الإقليمي وحسب،لذلك وجدته مناسباً أن أطلق علي الكتاب هذا الإسم وأن أنعت محمد علي بالفرعون الأخير. لقد جاء نابليون بونابرت ومعه حلم عظيم بتحويل مصر إلي مستعمرة فرنسية وكان جاداً فيما أراد فاصطحب معه العلماء في كل المجالات فلم تكن الحملة عسكرية فقط من أجل احتلال منطقة مؤثرة وحيوية من العالم وحسب وإنما كانت هناك رؤية لما سيتم فيما بعد. كان نابليون مستعداً لاعتناق الإسلام كي يرضي عنه الشعب المصري وهذا يدلل علي مبلغ اهتمامه بالأمر ورغبته الشديد في أن يتم له ما أراد. لقد جاء عام 1801 كي يشهد فشل ذلك الحلم وانهيار المشروع الذي حلم به الرجل،وفي هذه الأثناء كان رجل يقف بعيداً ويرقب الأمور في صمت متحيناً اللحظة المناسبة كي يلقي بثقله علي مسرح الحوادث،لقد كان محمد علي هو هذا الرجل،وبالمناسبة فإن محمد علي لم يكن ألبانياً بل تركياً حتي النخاع وقد علمت ذلك من أحمد فؤاد ابن الملك فاروق. استطاع محمد علي أن يحدث الفتنة بين الطوائف المتصارعة آنذاك،ووقف متفرجاً علي صراع المماليك مع الوالي التركي الذي يرمز إلي السيادة العثمانية فكان تارة يتحالف مع المماليك وثانية يكر عليهم ويتحد مع طائفة العلماء والأعيان عندما وجد أن الكفة تميل ناحيتهم حتي تم القضاء علي القوة الحقيقية للماليك في مصر ومن بعدها محاولات التحريض علي الوالي التركي والخروج علي السيادة العثمانية في مصر حتي تم عزل الوالي التركي والمناداة بمحمد علي والياً علي مصر،ولأول مرة يختار الشعب عبر علمائه ومشايخه من يحكمه وقد انصاعت الدولة للتركية لإرادة المصريين وصدر المرسوم بتنصيب محمد علي والياً. لقد حقق محمد علي إنجازات لافتة ومبهرة علي كافة الأصعدة،وإذا نظرنا إلي مجال الري نجد أن آثار عمله في هذا المجال لا تزال باقية حتي اليوم،فقد شق محمد علي ترعة المحمودية وأقام القناطر الخيرية وشق الترع،كما أنه هو من أنشأ فنار الإسكندرية،وإليه يرجع الفضل في إنشاء أول خط تلغراف بين القاهرةوالإسكندرية،أيضاً أحدث طفرة في مجال الطباعة والنشر،ناهيك عما حقق وأنجز في المجال الحربي من إنجازات لم تكن تخطر ببال أية قوة من القوي العالمية المسيطرة علي التوازنات في العالم في تلك الفترة من تاريخ العالم،حيث أحدث نظام محمد علي هوة عنيفة في ميزان القوي الدولية وظهرت مصر في عهده بثوب جديد مبهر،رغم ما حدث في نهاية عهده حيث خانته فرنسا واعترف بذلك حقيقةً،فبالرغم من تأييدها له طيلة سنوات حكمه إلا أنها لم تكمل معه حتي النهاية. إن شخصية محمد علي التي قيل عنها كثيراً أنه لم يكن مصرياً ولذلك لا يجب اعتباره جزءاً من تاريخ مصر ولكنني أعتقد أن جميع الرجال الذين أحبوا هذا البلد وفعلوا شيئاً مجيداً من أجله يجب النظر إليه باعتبارهم مصريين أياً كانت جنسياتهم ،ولذلك كنت حريصاً كل الحرص علي كتابة هذا الكتاب الذي استغرقت كتابته سنوات من العمل،وأود أن أشير في النهاية إلي أن محمد علي هو من جعل مصر منفتحة علي العالم وجعل العالم ينفتح علي مصر". الدكتور جمال شقره قال إن فترة حكم محمد علي لا تزال تكتنفها جوانب غامضة تحتاج إلي البحث والتحليل ولذلك وجب توجيه الشكر إلي سينويه. كما تحدث عن إعجابه بطريقة عرض الكتاب حيث يتناول الكاتب تاريخ مصر في تلك الحقبة الزمنية في سياقه العام ولا يقرأه منفصلاً ولكن علي هيئة حلقات متصلة،وأضاف : " لقد انطلق محمد علي من مركزية الدولة واستطاع تحقيق نجاحات رائعة تستوقف المتأمل لتلك الفترة والقارئ العابر لها علي السواء. لقد أعجبت للغاية بموقفك من مذبحة القلعة في الكتاب فلم أرك تندفع وتهاجم محمد علي كما يفعل غالبية المؤرخين،لأن الموضوع سياسي بحت ولم يكن محمد علي بالرجل الساذج كي يترك التاريخ يصفه بالسفه وهو يترك المماليك وهم الوجه القديم للدولة التي يريد القضاء عليها وإقامة دولة جديدة عن طريق خلق واقع جديد لا يكون للمماليك مكان فيه وهذا لن يتأتي إلا باستئصالهم من الجذور،وفي النهاية الأمر كان سياسة والسياسة كما نعلم هي لعبة الممكن". "وجدت الكتاب أقرب إلي العمل الأدبي والروائي منه إلي العمل التاريخي" هكذا بدأ الدكتور خالد عزب حديثه تعليقا علي ما قال جيلبيرت سينويه،أشار عزب إلي الخطأ الذي يقع فيه الكثير من الكتاب الذين يذهبون إلي منطقة التاريخ كي يكتبوا فيها وهو تناول تاريخ بلد من خلال فترة معينة وهذا خطأ شديد الخطورة،فلا يمكن أن نختصر تاريخ مصر العريض الممتد عبر مئات السنين في فترة محمد علي مثلاً ولكننا نقيم الفترة بكل ما فيها من إنجازات وإخفاقات،وأضاف عزب : " كانت هناك نخبة ممتازة حول محمد علي مكنته من اتخاذ قرارات ما كان له أن يتخذها لولا وجودهم إلي جانبه في تلك الفترة مثل مسألة طباعة المصحف في مطبعة بولاق مثلاً،حيث أن محمد علي لم يتخذ هذا القرار إلا بعد أن طلب منه علماء الأزهر فعل ذلك. قرأت الكتاب ولم أجد به نقداً لفترة محمد علي ولكني وجدت تمجيداً لعصره علي الرغم من الأخطاء الظاهرة التي وقعت في هذه الفترة،ومنها علي سبيل المثال مسألة تركيز السلطة في يد محمد علي وعسكرة الدولة فكانت الدولة تنتج من أجل الجيش فقط رغم أن الدولة يجب أن تنتج من أجل الاقتصاد،وهذا هو الفارق بيننا وبين اليابان في القرن التاسع عشر فقد نهضت اليابان لأنها امتلكت نظاماً ساعدها ومكنها من بناء اقتصاد قوي لخدمة الأمور الاقتصادية ولكن النهضة المصرية جاءت لأن النظام الحاكم أراد اقتصاداً قوياً نعم ولكن كي يصب في النهاية عند الجيش والأسطول وبالتالي لم يعد الأمر بالنفع العام وكان هذا خطأ في تفكير محمد علي الذي كان ينظر إلي نفسه كما كانت تفعل فرنسا من خلال سياستها في تلك الفترة فكانت تربط كل شيء بمصلحتها وما إن كان القرار سيعود عليها بالنفع أم لا،حيث كانت السياسة الفرنسية مراوغة وغير محددة بخلاف عدوتها بريطانيا التي كانت محددة وتعلم جيداً ما تريد بل وتعلن عنه،ولم يتطرق الكتاب إلي هذه النقطة. أشير في النهاية إلي أن هذا الكتاب ليس مكتوباً من أجل القاريء العربي وإنما من أجل القاريء الغربي،لأن شخصية محمد علي قد حضرت علي صفحات الكثير من الكتب العربية وما ينقصنا فقط هو التقييم فنحن بحاجة للوقوف من أجل إعادة تقييم تاريخنا من جديد،كما أننا بحاجة لمن ينتهج أسلوب الكاتب جيلبيرت سينويه في كتابة التاريخ لأننا نفتقد هذا الأمر كثيراً ولذلك نفتقد جمهور القراء لكتب التاريخ". من جانبها علَّقت الدكتورة زبيدة محمد عطا قائلة: " إذا كان البعض يريد حذف محمد علي من التاريخ المصري لأنه ليس مصرياً فعلينا أن نحذف التاريخ المصري كله منذ عصر الفراعنة حتي مجيء جمال عبد الناصر. لقد مثلت فترة محمد علي ثم إسماعيل ثم جمال عبد الناصر فترات مضيئة في تاريخ مصر كما قال كاتبنا الكبير لويس عوض،ولا أحد ينكر فضل محمد علي في بعث النهضة المصرية حيث أوفد البعثات العلمية إلي الخارج وأنشأ المدارس وأقام نهضة زراعية شاملة وحقق انتصارات عسكرية مبهرة وصل معها الجيش المصري إلي مكانة عالمية. أري أن كل فترة من التاريخ تناسبها شخصية معينة ومحمد علي كان الأنسب للفترة التي تولي فيها حكم مصر،حيث أن الوضع العام في مصر خلال تلك الفترة التي كانت تشهد فوضي عارمة علي جميع المستويات بالإضافة إلي انهيار الدولة بشكل مخيف،كان يحتاج إلي شخصية المستبد المستنير الذي تجلي في شخصية محمد علي. " سيد محمود رئيس تحرير جريدة القاهرة أشار إلي تقنيات الكتابة التاريخية ومحاولات التخييل التاريخي عند الكاتب فقال : " الكتاب أقرب ما يكون إلي محاولة طرح مفهوم التخييل التاريخي وهو جزء من عملية تأويلية كبيرة تخص شخصية محمد علي،وجدت الكاتب يحاول عمل اتزان بين عمل الروائي وعمل المؤرخ. الحبكة الدرامية في الكتاب جعلت الروائي ينتصر علي المؤرخ،حيث جاءت الحبكة كوسيط بين الحدث والتاريخ وهو يفعل ذلك بحرفية عالية ويدير الأمر بقدرة لافتة للنظر في اللقاء بين النص السردي والحبكة التاريخية". في حين قالت الدكتورة نيللي حنا: " لا يزال الخلاف قائماً بين المؤرخين علي تقييم تلك الفترة. نحن نقع في خطأ القراءة السياسية لفترة تاريخية وهنا القراءة لا تستقيم ولا تؤتي ثمارها المرجوة حيث إن عددا كبيرا من الكتابات عن محمد علي التي كتبت في الغرب في فترة معينة ركزت علي فشل سياسات محمد علي،وأعلم أن جانبا كبيرا من تلك الكتابات كان بها عنصر سياسي إلي حد كبير وافتقرت إلي الدقة العلمية،ولذلك فمن الواجب علينا أن نعيد النظر في الكتابات التاريخية عن عصر محمد علي". علي هامش الندوة أقام المجلس معرضاً مصغراً لكتب جيلبيرت سينويه منها رواية "بنت النيل" وكتاب "محمد علي.. الفرعون الأخير"،"ابن سينا"، "صمت الإله".