الحضور فى مختبر السرديات في إطار ندوته الشهرية ببيت السناري بالسيدة زينب، وفي إطار استكمال سلسلة اللقاءات الأدبية التي تجمع بين جيلين من المبدعين استضاف مختبر السرديات التابع لمكتبة الأسكندرية والذي يشرف عليه الأديب منير عتيبة وينسق له بالقاهرة الكاتب حسام فاروق، الكاتبتين سعاد سليمان وشرين يونس لمناقشة كل من "شهوة الملايكة" للأولي، و"صندوق لا يتسع للأحلام للثانية. وقد استهل اللقاء بقراءة كل منهما في أعمال الأخري قبل أن يتم فتح باب النقاش للاستماع إلي آراء الأدباء المشاركين في الندوة . وعن قراءته في أعمالهما يقول منير عتيبة : تنطلق الكاتبتان في مجموعتيهما من وعي بالنوع الأدبي الذي تكتبانه وهو القصة القصيرة ولا يقل عن ذلك وعي كل منهما بذاتها كأنثي ووعيها بعالمها وطبقتها الاجتماعية والثقافية. حيث تعبر سعاد سليمان عن الشريحة العليا من الطبقة الدنيا بينما تقدم شرين يونس الشريحة الوسطي من الطبقة الوسطي، وتبدو نصوص المجموعتين وكأنها بريئة بسيطة تقدم نفسها للمتلقي بيسر. وهي في الحقيقة نصوص محملة بمواقف الكاتبتين الفكرية والأخلاقية والفنية. لكن هذه البساطة الظاهرة تورط القارئ فلا يصبح مجرد متلق سلبي بل يشارك في الحدث القصصي بشكل أو بآخر. كما تورط سعاد سليمان قارئها عن طريق اللغة التي اصطنعتها خصيصا لهذه المجموعة وهي لغة ثالثة تضفر الفصحي والعامية بمهارة تجعلها قريبة إلي اللغة التي يفكر بها القارئ عادة مما يجعل القصة جزءا من فكره في حين تورط شرين يونس القارئ بادعاء الحيادية من خلال مشهدية قصصية تعتمد علي توالي الفعل المضارع فينساق القارئ لمتابعة المشهد بالتفكير فيه تفكيكا وإعادة تركيب. وربما يري عتيبة أن سليمان ربما قد ظلمت مجموعتها "شهوة الملايكة" بالجمع بين لونين في الكتابة في نفس المجموعة وهما القصة القصيرة والقصيرة جدا، وأنه كان يفضل أن تفصل كل منهما في مجموعة مستقلة، خاصة وقد حققت تواجدا مميزا في مجال القصة القصيرة جدا وهي ثالث كاتبة مصرية تحصل علي جائزة دولية في هذا المجال، وهي جائزة متحف الكلمة الدولية من إسبانيا 2015 . وقد علقت سليمان علي ذلك قائلة إنها تعمدت أن تجمع بين اللونين في نفس المجموعة حتي لا يشعر القارئ بالملل من رتم القصص القصيرة جدا المكثفة، حيث ضمت المجموعة 42 قصة، كل قصة قصيرة تقابلها قصة قصيرة جدا وبينهما تشابك ما. وقد استهلت سعاد سليمان قراءتها لمجموعة شرين بقولها إنها ليست ناقدة ولكنها قارئة نهمة متذوقة للأعمال، ولذا فضلت أن تكون قراءتها للعمل غير مكتوبة، حيث ذكرت أنها استمتعت بالمجموعة جدا وأن لغة شرين لغة جميلة ولديها عين لاقطة ، وقد اختارت أن تقرأ قصة"نظام غذائي رجل منزوع الدسم" .. ووصفت هذه القصة بأنها مدهشة لقدرة الكاتبة علي استخدام تعبيرات الأكل في صيغة أدبية ، والتي عكست فيها شحنة مكثفة من المشاعر الأنثوية وقامت بتضفيرها بعدد كبير من التعبيرات التي لها علاقة بالأكل ،كما أبدت إعجابها أيضا بقصتي "بائع الكلام" و"النداء الإلكتروني". ومن جانبها ذكرت شرين يونس أن سعاد سليمان تمكنت في مجموعتها القصصية "شهوة الملايكة" من أن تقتفي أثر الوجع بجدارة.. وجع أنثوي وإنساني، ومجتمعي، بلغة - رغم بساطتها- إلا أنها تتميز بعذوبة وخيال ينبع من بيئة ومواقف حياتية يومية شديدة الالتصاق بمجتمعنا المصري. وأضافت أن تلك المشاهد شديدة الالتصاق بمجتمعنا المصري هي من أجمل ما في المجموعة.. والتي كشفت ما يعانيه المجتمع من ألم وفقر، فكانت مشاهد طازجة، كما -علي سبيل المثال وليس الحصر- مشهد المستشفي في "لعنة الأي آي"، ومشهد الرجل الصعيدي علي مدخل الجامعة الذي جاء ليتأكد من صلاح ابنته الطالبة، وقصة "خلف خلاف" حول الأسرة التي لم تكن يكفيها غطاؤهم، إلا إذا ناموا خلف خلاف. ونجحت القصص في تعرية المجتمع، نقائصه وما يمارسه من تمييز، ونفاقه وما يفرضه من وصاية دينية علي أفراده، فتراها في "الرجل ذو العمامة«، تنتقد نظرته القاصرة لمعني الشرف والرجولة التي ترهنه بصلاح المرأة، وتمييزه ضد المرأة السمراء في قمر 14، والمرأة المطلقة في "طلاق". ورغم تلك الوصاية الدينية، إلا أن المجتمع ما يزال يمارس كافة الموبقات بدءاً من النفاق في "بنت المجنونة"، وإتباع أثر الخرافات كما في قصة "سمكة الرزق"، و"أم صدام". وأضافت شرين أن العلاقة بين الأجيال كانت ملمحاً آخر في القصص، سواء العلاقة بين الأم وابنتها في "صلاة القلوب"، و"بنت المجنونة"، و" شهوة الملايكة"، و"تفاحة المحب"، و"ست الحبايب"،و"الدعاء المستجاب"، أو الأب وابنه في "استغفار"، فكانت علاقة تتسم بالقلق الشديد، الشد والجذب، بعيدة عن التصوير المثالي لها في الأغاني العاطفية، بل هي تسخر من تلك المثالية المفرطة الرومانسية.
وعقب انتهاء كل من الأديبتين من تعليقهما فتح باب النقاش والتعليق للحضور من الأدباء حيث تقول الأديبة الشابة غادة العبسي عن قراءتها للمجموعتين إن سعاد سليمان في مجموعتها (شهوة الملايكة) تركت انطباعاً عميقاً وذلك منذ القراءة الأولي للمجموعة، حيث تضفّر سعاد قصصها بموروثها الشعبي والثقافي وذلك بدءًا من العنوان، إضافةً إلي تطويع الحكاية الشعبية لتلائم قصتها، ولديها قدرة فائقة علي الوصف وتكثيف المشاهد والأحداث في حيّز القصة القصيرة ببراعة ومنها علي سبيل المثال "قصة الرجل ذو العمامة" و"صلاة القلوب" و"لعنة الآي أي" و" الدعاء المستجاب" و"عظمة يا ست" . وتضيف غادة من الصعب أن تقرأ لسعاد قصة وتنساها، ستظل محفورة في ذاكرتك لأنها انتزعت دهشتك بل وأحياناً صدمتك«. أما عن شرين يونس في مجموعتها الثانية "صندوق لا يتسع للأحلام" والتي جاءت بعد "في انتظار سانتا"، فأري أن المجموعة ممتعة وجديرة بالقراءة وهناك جهد واضح في صناعة الحكايات والتي تشعر بقربها الشديد من تفاصيل حياتك اليومية أو بالمشاهد العابرة التي قد لا تجتذب سوي إنسان ذو حساسية للبشر وأوجاعهم، ففي قصة "سندريلا تهرب" تقدم نموذجا للمومس التي سوف تتعاطف معها، وفي "جمهورية المبروك« تتألق شرين في تصوير حارة مصرية تصدق كرامات المبروك وحتي بعد موته وانتحال حارس القبر شخصيته وترحيبهم بالمبروك الجديد.وكذلك في قصة "نداء إلكتروني" عبرت عن مشاعر الترقب واليأس من خلال سيدة تحمل طفلها وتنتظر حوالة من زوجها لم تصل. وهناك تنوع في النماذج التي قدمتها شرين يونس للقاريء، وحاولت أن تعكس الظروف الاجتماعية المحيطة وتلقي الضوء علي الفساد بطريقتها الخاصة،قصة "فقاعة هواء" كمثال والتي كانت موفقة جدا في عنوانها ومحتواها.أما في قصة "رائحة الدجاج" وهي أجمل قصص المجموعة،ترصد فيها حياة "الجدة" وطيورها في سرد ممتع وذي نكهة مصرية خالصة.
أما الأديب الشاب أحمد حلمي فيقول : تبدأ مجموعة "صندوق لا يتسع للأحلام " بإخبارنا عن الواقع المزيف الذي نحيا فيه، وما يفرضه علينا من بؤس مع بعض الأمل والرغبة في التحدي، والتي تقفز بعد ذلك إلي حالات من الإحباطات اليومية أو العمرية والتي تحمل في طياتها هزائم وانتصارات داخلية صغيرة في مظهرها لكنها كبيرة في دواخلنا. يحملنا عدد من القصص إلي ذكريات طفولية مرت بأغلب هذا الجيل بشكل متطابق أو متقارب لتطلق في النفوس حنينا أو حزنا متجسدا في تيار جارف من الذكريات. وأضاف أن الكتابة عبر قصص المجموعة كانت من وجهة نظر المرأة في أغلب الأحيان إلا أنها لم تظهر في النزعة النسوية المعتادة، بل كانت كتابة إنسانية تعبر عن الجميع ويظهر فيها الرجل بجوار المرأة يتشاركان الحدث والحياة. أما مجموعة "شهوة الملايكة" فهي إجمالا حالة من الرصد الإنساني الممتع والمرهق للروح. حيث تجعل بساطة الحكي مع سلاسة اللغة القارئ يلتهمها في سرعة دون أن يشعر سوي بعد انتهائها وقد أصابته تخمة من المشاعر والأفكار تتطلب منه بعض الوقت من الوحدة والتأمل فيما مر به من تجارب. تأتي قصص المجموعة في صورة ومضة تسبق كل قصة، وكأنها تمهيد يلخص ويهيئ القارئ للحالة المقدم علي مشاهدتها، أكثر ما لفت نظري في المجموعة هو كيفية رسم العلاقة الشائكة بين الأبناء والأمهات والآباء. رسمت العلاقة بحيادية، حيث جمعت الصور المسرودة عل حسب كل حالة بين الاستياء المتبادل الذي يعلو الحب الفطري في أحيان كثيرة.