ازدادت أوضاع المرأة الباكستانية سوءا منذ صعود تيار الإسلام السياسي إلي الحكم، فقد سنت قوانين مجحفة منذ العام 1979 بعد تولي الرئيس زياد الحق الحكم و تحولت باكستان إلي دولة إسلامية لا يفصل فيها الدين عن الدولة. اهتمت عالمة الانثربولوجي الهولندية "بيتسي أودينك" برصد الانتهاكات ضد المرأة الباكستانية أثناء إقامتها هناك، في كتاب اسمته "الله وإيفا"، ترجمته الكاتبة إيمان نافع وصدر مؤخرا تحت عنوان "الله وحوا" عن دار نشر ابن رشد، الكتاب 208 صفحات من القطع الصغير يرصد الواقع الباكستاني بشكل سرد أدبي تحكي فيه الكاتبة تفاعلها مع ما يحدث من انتهاكات للمرأة وللأطفال وللأقليات مثل المسيحيين والهندوس. تحت عنوان الجنس والمخدرات في بيشاور عرضت المؤلفة في الفصل الأول حالات عدد من الفتيات اللاتي زج بهن أهلهن من الذكور في السجن ليقضين سنوات طويلة بتهمة الزنا لمجرد أنهن تعاملن مع غرباء من الذكور، ومنهن كثيرات لم يقمن بعمل علاقات جنسية مع غرباء وإنما تساهلن في الحديث، كما رصدت حق الزوج في التنكيل بزوجته حتي بعد أن يطلقها وتذهب لتتزوج بغيره، لأن القوانين لا تعترف إلا بالطلاق في الأوراق الرسمية والزوج هو الوحيد الذي له حق القيام بتلك الإجراءات، كما تترك للرجل حرية التلاعب بهذا الأمر. كما بينت أن المرأة في باكستان أصبحت ملكية للأب أو الأخ ثم تتحول ملكيتها إلي الزوج يفعل بحياتها ما يشاء، و فضحت تردي أوضاع السجون وغياب شروط المحاكمات العادلة، وموت أطفال السجينات نتيجة لانتشار الأمراض والمعاملة غير الآدمية. وفي الفصل التاني تناولت جرائم الشرف التي تعرف ب"الكاروكاري" التي تقتل فيها المرأة علي يد أهلها من الذكور بشكل وحشي ويتم التمثيل بجثتها ورميها في النهر، أو تركها للطيور الجارحة لمجرد أنها فكرت في اختيار زوجها أو تعاملت مع ذكور آخرين، الاحصائيات تكشف 400 حالة جريمة شرف في العام في مقاطعة السند وحدها، وفي نفس الوقت يتم قمع أية حركة نسائية ويتم تدجين النساء ذوات المناصب السياسية، فنائبات البرلمان يتم تعيينهن ويكن في الغالب قريبات لسياسيين، ولا يسمح للجمعيات المدنية بالعمل، وهناك سياسيات تم قتلهن لتجاوزهن الحدود. وبين الكتاب أن تزويج البنات يبدأ في سن مبكرة كما تتم مقايضة البنات فكاً لدَين أو حلاً لمشكلة تخص ذكور العائلة، وأن الزواج يتم بموافقة الرجال والمرأة ليس لها حق الاختيار، واستمر الكتاب يبين الأجواء في باكستان النساء يغطين أجسامهن بزي واسع يخفي وجوههن، والاختلاط محرم تماما، كما أنه محظور علي الأطباء الذكور معالجة النساء، ومنعت الموسيقي والسينمات وممارسة الرياضة في المدارس. أوضحت المؤلفة أن منع الاختلاط أدي إلي ظاهرة اغتصاب الأطفال الذكور في المدارس، التي كشفت وأصبحت قضية عامة رفضت السلطة الاعتراف بها، كما نشأ نوع من دعارة الذكور الذين يرتدون ملابس نسائية ويتنكرون تماما لجنسهم، وأن هناك موافقة مجتمعية علي هذا النوع من الدعارة وضربت مثلا باحدي الحوادث التي تم فيها اغتصاب 200 شاب في عام 2004 في المدارس العامة من قبل المدرسين أنفسهم. كما أشارت في الفصل التاسع عشر إلي رواج تجارة الأعضاء في القري الفقيرة وتكلمت بأسي عن التفجيرات المتوالية للمدارس الدولية في باكستان والتي تروح ضحيتها أرواح الأطفال البريئة. الكاتبة دبلوماسية تعمل في السفارة الهولندية عرضت بأسي معايشتها لباكستان طوال أربع سنوات اضطرت فيها أن تحرم ابنتها المراهقة من ممارسة حياتها بشكل طبيعي، ويمتلئ الكتاب إما بالاندهاش من الأوضاع المتردية أو التحسر علي بلد عريق أثقله حكم الإسلام السياسي ولم يجد له حلولا حقيقية لينمو اجتماعيا واقتصاديا وإنما أغرقه في فقر وجهل وبربرية.