استقرار أسعار الذهب في مصر اليوم وسط استمرارية الأسعار العالمية    القيادة المركزية الأمريكية: تدمير مسيرتين ووحدتى تحكم وقيادة تابعة للحوثيين باليمن    شهيدتان وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة لليوم ال 258    كيتو: استعادة 95% من التيار الكهربائي بعد انقطاعه في جميع أرجاء الإكوادور    تعزية المستشار تركي آل الشيخ لأسرتي نورهان ناصر ونرجس صالح بعد الحادث المؤسف في الإسكندرية    224 ألف زائر لحديقة حيوان الإسكندرية خلال أيام عيد الأضحى    متفائل جدًا.. تركي آل الشيخ يروج لفيلم نانسي عجرم وعمرو دياب    «المعلمين» تنظم يوم طبي مجاني للأعضاء وأسرهم    كيفية تجميد اللحوم بشكل صحيح ومدة صلاحيتها    مقتل شخصين إثر حرائق الغابات في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية    فيلم "ولاد رزق 3" يتخطى 114 مليون جنيهًا منذ عرضه بالسينمات    سعر الدولار عامل كام؟.. تابع الجديد في أسعار العملات اليوم 20 يونيو    في هانوي.. انطلاق المباحثات الثنائية بين الرئيس الروسي ونظيره الفيتنامي    أم طبخت ترابا وفتيات انتحرن، مسؤول أممي يكشف عن مآس يعيشها السودانيين بسبب الحرب    عاجل:- وفاة العديد من الحجاج غير النظاميين خلال موسم الحج 1445ه    مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    عاجل:- استقرار أسعار الحديد والأسمنت في مصر بعد عيد الأضحى    اسعار حفلات عمرو دياب في مراسي الساحل الشمالي    النشرة الصباحية من «المصري اليوم»: سحب 4 أدوية من الأسواق.. الموت يخطف عروس المنيا.. حصيلة مرعبة في وفيات الحجاج المصريين.. سبب عدم خروج صلاح أمام غينيا بيساو.. والأرصاد تحذر من طقس اليوم    صحة قنا تكشف حصيلة مخالفات الأغذية والمشروبات المضبوطة خلال أيام العيد    بعد تصريحات اللاعب| هل يرفض الأهلي استعارة «تريزيجيه» بسبب المطالب المادية؟    إلى أين تتجه التطورات على حدود إسرائيل الشمالية؟    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بكفر الشيخ    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    حماس: تأكيد جديد من جهة أممية رفيعة على جرائم إسرائيل في غزة    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    سعر البطيخ والبرقوق والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 20 يونيو 2024    هيئة الداوء تحذر من 4 أدوية وتأمر بسحبها من الأسواق    أسرع مرض «قاتل» للإنسان.. كيف تحمي نفسك من بكتيريا آكلة اللحم؟    بعد بيان الأبيض.. اتحاد الكرة يبحث عن حكم أجنبي لإدارة قمة الأهلي والزمالك    وزير الداخلية السعودي: موسم الحج لم يشهد وقوع أي حوادث تمس أمن الحجيج    yemen exam.. رابط الاستعلام عن نتائج الصف التاسع اليمن 2024    إيقاف قيد نادي مودرن فيوتشر.. تعرف على التفاصيل    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    «المالية»: حوافز ضريبية وجمركية واستثمارية لتشجيع الإنتاج المحلي والتصدير    «إن كنتم تناسيتم ذلك أنا لم أنسى».. تعليق مثير من محمد عواد بعد إحالته للتحقيق    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    لأول مرة.. يزن النعيمات يخرج عن صمته بشأن مفاوضات الأهلي    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    «من أجل كايزر تشيفز».. بيرسي تاو يضع شرطًا مُثيرًا للرحيل عن الأهلي (تفاصيل)    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    فرقة أعز الناس.. سارة جمال تغني "ألف ليلة وليلة" في "معكم منى الشاذلي"    معظم الحجاج المتوفين خلال موسم حج هذا العام من المخالفين    تطورات جديدة| صدام في اتحاد الكرة بشأن مباراة القمة    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    وفاة الناقد الأدبي محمود عبدالوهاب    مشروبات صحية يجب تناولها عقب لحوم العيد (فيديو)    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصل الحكاية: من الواحد إلي المتعدد
دائرة من الوجود والعدم!
نشر في أخبار الأدب يوم 20 - 02 - 2016

بعد عقود من صدورها يعيد الكاتب/ بكر الشرقاوي طباعة مسرحيته أصل الحكاية، والتي تكشف وتثير الأسئلة والإشكاليات بمستويات مختلفة، فالنص استطاع تجاوز الزمن فبدت المسرحية وكأنها كتبت اليوم، والزمن هو أحد محاور النص وأسئلته المتعددة والكثيفة، ومن الإشكاليات الرئيسة ما يتعلق بمصر القديمة.. إذ يمثل الموروث المصري القديم إشكالية كبري داخل الثقافة المصرية علي المستويين الشعبي والنخبوي، فثمة فجوة متسعة بين الحضارة السالفة علي ضفاف النيل وبين من يعيشون الآن في المساحة ذاتها وحول النهر الذي شهد نشأة نظريات عديدة حول الخلق ووجود العالم، وعرف الضمير والأخلاق، فالحضارة المصرية كانت بداية المدنية، ولم يقرب الأدب الحديث في مصر من تلك المنطقة التي تشكل جزءًا من هويته بل أساسها إلا في أعمال قليلة أغلبها كان مستمدًا من حكاية أوزير وإيزيس والصراع حول الحكم وبجانبها القليل مثل روايتي الأستاذ/ نجيب محفوظ "كفاح طيبة" و"رادوبيس" وهما بداية مشروعه الروائي...
وفي مسرحيته أصل الحكاية يلج بكر الشرقاوي تلك المنطقة الخصبة البكر التي لم يقترب منها أحفاد قدماء المصريين ولا أقول الفراعنة فكلمة فرعون هي من بين ألقاب الملوك وتعني ساكن البيت الكبير أو الساكن جوار رع..
ويبدأ مسرحيته التي ضمت ثمانية فصول وضع لكل فصل اسم"اليوم" وأعقبه بعدد فكان اليوم الأول فالثاني إلي اليوم السابع ثم تختتم باليوم الثامن الذي تنتهي به المسرحية بكاهن ينعي"آتوم" وجاءت الأيام السبعة وكل منها يحمل مشاهد وفق رقمه حيث اليوم الأول يتكون من مشهد واحد ثم الثاني من نصفين فالثالث من الثلث الأول فالثلث الثاني ولن أتوقف كثيرً أمام دلالة الأيام السبعة وما تحمله من تراث لاهوتي يدور حول قصة الخلق وفق ما رأي العبرانيون في أدبهم فنحن في حضرة نظرية الخلق في"آون" الإطار الكبير للمسرحية بداية من آتوم الذي هو بداية العالم وفق نظرية عين شمس "آون" فهو من أوجد نفسه وليس كمثله شئ والذي كان علي الماء "نون" وخرج من الماء ليصنع العالم ثم تتابع الآلهة والصراعات بينها والتي تختلف عن صراعات الآلهة والبشر في الأولمب في الميثولوجيا الأغريقية وما طالعناه في التراجيديا الإغريقية عند سوفوكليس وايسخليوس وهذا الاستعراض لبنية النص وعوالمه ضروري إذ أن بنية النص وعوالمه تتعلق بمضمونه ومفتاح للقراءة مثلها في ذلك مثل عتبات النص دون أن نتثاقف بكلمات كبيرة مثل "المحايث" عن جسد النص...
ونحن أمام مسرحية ذهنية تبدأ من فكرة الماهية والوجود والزمن وتنتقل إلي رغبات الإنسان وصراعات الأباء والأبناء وتبدو فكرة قتل الأب ساطعة داخل النص باعتبارها أحد رموز التمرد والثورة والتجديد أيضًا، وبالرغم من أن المسرح الذهني لاينتظر غالبًا الدقات الثلاث علي خشبة يحيي فيها الممثلون جمهورهم فاللغة الشفاهية القريبة من العادي والمتداول تجعل المسرحية صالحة للعرض علي الجمهور فعلي الرغم من أن شخصيات المسرحية آلهة مصرية قديمة بما يحمله ذلك من معرفية فقد تجاوز هذه الحالة الذهنية وأسبغ علي شخصياته سمات إنسانية وقدم مستويات عديدة للأسئلة التي تبدو بريئة وبديهية كالصراع بين الأب و الأبناء والرغبة والشهوة والصراع بين العلم والموروث الديني والاجتماعي، وبالتأكيد عندما نتحدث عن مسرحية ذهنية نتذكر أشهر المسرحيات الذهنية والتي جاءت علي يد واحد من أهم كتاب المسرح وهو الأستاذ/ توفيق الحكيم وهناك عوامل مشتركة بينهما في استخدام الأسطورة وإعادة توظيفها وطرح الأسئلة الوجودية بمستوياتها وإن كنا أمام عمل يعيد اكتشاف الآلهة في الميثولوجيا المصرية ويمنحها سمات إنسانية خالصة ذ للتأكيد علي إنسانية مصر القديمة ذ ويقدم صراعا ديالتيكيا عبر المسرحية التي تنتهي بالحكم بإعدام آتوم أمام المجمع المقدس وصعوده للهرم الأزلي بعد محاكمتين مرة أمام الأب "نون"ذ الماء المقدس ذ والأخيرة أمام الأبناء حيث تبرز فكرة قتل الأب لتتصدر المشهد ومعها تقديم تحوت بعد انفجار معمله لاختراعه "ماعت" التي تمثل الضمير عند قدماء المصريين وعبدت كإلهة للعدالة واعتبارها البديل للإله (الأب) ومع تعدد مستويات الصراع وتنوعه من خلال المسرحية التي تذكرنا أن أول مسرحية عرفها العالم كانت المسرحية المنفية أو المحاكمة "حيث يتصارع حور و ست حول الأحقية في العرش وهي المسرحية التي لم يعثر عليها كاملة لكن ما وصل إلينا يؤكد أن المصري القديم هو أول من عرف الدراما والمسرح وعبر المسرحية نجد لغة مكثفة ومشحونة بالدلالات والأسئلة وفي الوقت ذاته شفاهية أقرب إلي العادي و المتداول وهو ما يمنحها ثراء إذ اللغة ليست هدفًا في ذاتها بل وسيلة لحمل الخطاب إلي المتلقي فأبوفيس وهو شخصية محورية داخل المسرحية وأكبر أبناء آتوم يقدم مراوغاته وتحولاته عبر الخطاب الشفاهي من الطفل المطيع إلي المتمرد نجد ذلك في:
آتوم: إنك طيب يا أبوفيس
أبو فيس: أنت أب رحيم يا آتوم. دعني أحتفل بك.
آتوم: لا..لا.. أشكرك أمامي مهمة عاجلة الآن... سأصنع للمولود سريرًا كما صنعت القارب لنفسي من قبل.. صه سأتدبر في قول حكمة أسجل بها هذا الحدث.
أبوفيس: إنك لن تقول حكمتك قبل أن أحتفل بك أنت وأخي الصغير، أليس رائعًا أن يكون لي أخ... تري ما معني هذا ؟
آتوم: ليس للأخوة أي معني حتي الآن. ص 9
فينتقل إلي النقاش والجدل
آتوم: جميل جدًا.. أن الأمر يزداد غموضًا.
أبوفيس: وهل في هذا أي غموض.. إنها امرأة.
آتوم: هذه هي المشكلة. لقد تغيرت أشياء كثيرة في هذا العالم دون أن يصبح واضحًا.
أبوفيس: إن كل شيء واضح. لقد خلقت المتعة في هذا العالم وعلينا أن نستغلها. هذه هي كل الحكاية ص 20
إلي البحث عن سيادة العالم في اليوم الرابع وصراعه مع أنوبيس وهو صراع يبدو عائليًا وكأنه بين أفراد الأسرة الحاكمة أو داخل قصر الرئاسة بين الوزراء والقادة إلي أن ينتقل في اليوم السابع إلي المطالبة بقتل أتوم وتوجيه الإتهامات إليه بل ويطالبه بجسده بعد موته
أبوفيس: وداعًا يا أتوم
آتوم: وداعًا يا أبوفيس
أبوفيس: لقد عشنا سويًا حياة عظيمة
آتوم:هذا صحيح
أبوفيس: اذن أرجوك أن توصي لي بجسدك بعد موتك كي ألبسه عند اللزوم.
ص 129
وقبلها ص 129 يوجه إليه السؤال الأبدي والإتهام الذي يحمل الأسئلة والرغبة في الخلاص منه أيضًا
أبوفيس: لماذ فصلت بين الجسد والعقل ص 126
وقبلها كان يطالب آتوم بطرد نفسه من العالم ويعلن أن الجميع معه ضد آتوم.
ومن خلال شخصية الا لهةسهاتورسيظهر تعدد الأصوات داخل المسرحية وكسر مطلقية صوت الكاتب حيث بدت لغتها الأنثوية ظاهرة الاختلاف وطغت الايروتيكا بتلقائية شديدة تصاحبها روح المصرية بدلالها وخفتها.
ولايمكن أن نتغافل عن دور رع و تحوت وما يمثلاه داخل النص فالإلهة غدت رموزًا تحمل رغبات البشر و صراعاتهم بل وتعدد الأنا الواحدة من العليا إلي السفلي بما منح النص اتساعًا غير محدود من خلال قصة الخلق في"أون" والتاسوع المقدس عند قدماء المصريين، وجاءت اللغة محملة بالاسئلة والدلالات وشديدة التكثيف تبرز رغبات البشر وأحلامهم وكأن الآلهة مجرد أقنعة لحمل خطاب ذو مستويات عديدة يكشف خلالها عن صراعات سياسية واجتماعية عديدة داخل المجتمع لتكون فكرة الخلق عند المصريين في حضارتهم هي البراوز الذي يضم داخله صورة بانورامية للعالم بأحلام ساكنيه وطيشهم وحماقاتهم والعداوات التي لا تنتهي بين الأخوة وخلال هذا الصراع يطرح أسئلة وجودية حول الزمن والعقل و الجسد ويبرز رغبات الأنسان من خلال تعدد الأنا فهاتور الأنثي تجسد حالة أيروتيكية تتجلي داخل النص والرغبة في الجسد لا تتوقف وتنتهي المسرحية بموت آتوم وظهور الكهنة وهي لعبة من بين ألعاب عديدة حيث المسكوت عنه يسطع تمامًا كخطاب كاهن آتوم الذي لم يظهر مضمونه فالكهنة دائمًا هم باعة الدين وتجار الآلهة لقد أنتهي آتوم كما تقول المسرحية واستمر الكهنة ومعهم الموت والصفر الذي نبدأ منه و ننتهي إليه، إنها حالة خاصة في الأدب العربي الحديث أغفل عنها النقاد برغم ما حظيت به من اهتمام نقدي إبان صدورها للمرة الأولي حيث كتب عنها الناقد الراحل د/ سمير سرحان دراسة مطولة قدم بها بكر الشرقاوي ككاتب مسرحي شاب وهاهو الآن نصه يحمل الطزاجة ذاتها ويفتح أبوابًا لتساؤلات عديدة بديهية ويضع فوق منضدة التشريح أحداثًا تاريخية ونصوصًا عديدة من خلال حالة جدلية هائلة أثارها وتفاعله مع حضارة أهملها الأحفاد بتصوراتهم الحمقاء عن الحجارة والتماثيل وتناسوا أن خلفها تراث أخلاقي وديانات كانت بداية للضمير الإنساني والقانون وفي الوقت ذاته يضعنا علي حافة سؤال لاينتهي عن الإلة والكاهن وجدلية حول العقل والجسد ويهمس لنا أن قتل الأب لم يكن أوديب الملك الأغريقي هو بدايته بل فيسجبتسبداية الصراع بين الأجيال من أجل ان يتطور العالم وأن العلاقة بين العلم والدين تظل محل تساؤل حتي لو انفجرت كل معامل تحوت أو ذهبت الإلهة إلي قمة الهرم الأزلي لتقضي نحبها ومع نهاية المسرحية حيث يعلن الكاهن موت آتوم أجدني أعود إلي بدايتها مع كلمة الكاتب ( انسوا هذه الحكاية.. فهي ليست بداية ولا نهاية..).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.