في الصفحات القادمة نستعرض أهم ملامح وأنشطة فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال47 راصدين الأجواء والمناقشات والأسئلة التي دارت في مختلف قاعات المعرض. تستضيف القاعة الرئيسية هذا العام عددا من الندوات الهامة ضمن محاورها المختلفة، التي تداخلت في مناقشاتها بالأسبوع الأول وتنوعت ما بين الثقافة والدين والفكر والأدب والسياسة والفن والتعليم، إلا أن الندوة الأولي استقلت عن المحاور الرئيسية لتتناول العلاقات المصرية الصينية، بحضور وزير الثقافة حلمي النمنم، وعدد من الأدباء وقيادات الهيئات والمعاهد الصينية، وذلك في إطار الاحتفال بالعام الثقافي الصيني ومرور 60 عاما علي العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث جاء حضورهم بشكل واضح ومتميز في جميع أنشطة المعرض. تركز حديث النمنم حول قيمة طريق الحرير الثقافية، والذي تجري المحاولات الآن لإحيائه، مشيرا إلي أن تلك الفعاليات خلال عام 2016 لن تكون في القاهرة أو بكين فقط، بل ستنظم في كافة البلدان والمدن الصينية والمصرية، لنشر الثقافتين في كافة مناحي الحياة. ومن جانبه؛ أكد يان شياو هونغ، نائب رئيس الهيئة الوطنية للصحافة والنشر والإذاعة والتلفزيون والسينما بجمهورية الصين الشعبية، أن الكتب تعمق العلاقات بين البلدين وتثري التبادل بينهما، وأضاف: "قامت الصين بترجمة العديد من الأعمال الأدبية المصرية، منها "الزيني بركات" للكاتب الراحل جمال الغيطاني، وآمل أن نوسع مجال الترجمة بين البلدين، فاليوم يجتمع كثير من المثقفين ليخططوا لتطوير العلاقات الثقافية المصرية الصينية، لأن مصر والصين تحولا إلي شريكين مهمين، لذلك أتمني أن نستغل تلك الفرصة لنفتح صفحة جديدة". وكذلك نصح الكاتب الصيني ليو جين يون، خلال لقائه الفكري؛ جميع السياسيين بأن يتطلعوا إلي الأدب لأنه يقلل الخلافات والصراعات وتوجد به قيم روحية، وأكد: "الأدب والثقافة والفنون بطاقة تعريفية لقومية المواطنين، فإيران مثلا بها العديد من المشاكل ولكن أعمالها الفنية تختلف كثيرا، وعندما رأيت الفيلم الإيراني "الحذاء" أحسست أن قيمة الفنون عالية للغاية، فمن خلاله عرفت حقيقة الشعب الإيراني الإنسانية، التي تختلف عما تنقله لنا القنوات". تجديد الخطاب الديني اتسمت ندوات تلك القاعة بالالتزام إلي حد كبير مقارنة بغيرها، وإن شهدت بعض التضارب في المواعيد، فمنها ما انتهي قبل الوقت المحدد له وأخري تعدت وقتها فنتج عن ذلك تأخر ما يليها، ولكن في النهاية حرص المتحدثون ضمن محاورها علي حضور ندواتهم، فتطرق بعضهم إلي الفكر الديني، حيث أكد د.محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، أن تجديد الخطاب الديني يجب أن يسبقه تجديد الفكر الدنيوي، والذي لابد أن يكون بدوره متجددا، نظرا لأن النصوص الدينية محدودة، لكن وقائع الحياة غير محدودة، مما يستدعي إعمال العقل الإنساني، فالفكر هو قاطرة التقدم الإنساني، وإذا سار علي الطريق الصحيح سيصل في النهاية للسلامة، أما إذا ظل الفكر منغلقا سيؤدي حتما إلي الجمود. ولفت زقزوق، خلال ندوة "تجديد الخطاب الديني"؛ إلي أن هناك العديد من مظاهر التخلف التي تدفعنا للتجديد، علي رأسها إغلاق باب الاجتهاد، بعكس ما ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم الذي شجع علي ذلك، واستطرد: "التراث يجب أن نضيف إليه حتي يفهمه المسلمون، فهو كلام بشر وعلينا أن نعمل عقولنا". واستكمالا للحديث حول الاجتهاد، تطرقت د.آمنة نصير في لقائها الفكري؛ إلي ازدراء الأديان، الاتهام الذي يحاكم به إسلام بحيري وفاطمة ناعوت، مشيرة إلي أن قضيتها في البرلمان هي إلغاء ذلك المصطلح، لأن الله - عز وجل - قال للرسول "لست عليهم بمسيطر"، ولهذا لا يجب مطاردة إيمان الناس، واستطردت نصير: "أطالب كل صاحب فكر وقلم أن يتكلم بأصول علمية منعا للغرق، فإذا رسخت عقيدة الإيمان بطريقة صحيحة لن يؤثر فينا شيء". التعليم في المواجهة ولكي تترسخ العقائد - بل والمعارف عامة - بشكل صحيح؛ لابد من وجود بنية تعليمية جيدة، حيث أكد العالم الإيطالي "كارلو روفايللي" خلال لقائه الفكري أن الإنسان يبدأ بالتعلم وإذا تعود علي شيء سيتعلم أكثر، مشيرا إلي أن إصلاح التعليم بمصر وحب المواد العلمية - مثل الفيزياء - لن تأتي إلا برفع أجور المدرسين، لأن هذه أضمن وسيلة للشرح الجيد داخل المدارس". بينما عرج د.فتحي أبو العنين، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إلي المرحلة الجامعية وما يشوبها، خلال ندوة "الجامعة في المواجهة"، حيث قال: "الجامعات المصرية مازالت تتعرض للانتهاك، والأساتذة يتعرضون للحد من حرياتهم، فمنذ نشأة الحياة الجامعية في مصر وهي في صراع مع العديد من الأطراف". أما د.عواطف عبد الرحمن، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فطالبت بتفعيل مصطلح "الثقافة في المواجهة" وتفعيل حق الأساتذة في انتخاب رؤسائهم، مؤكدة أنه يجب تصحيح المسار المالي والإداري داخل الجامعة، لأن أغلب من يعمل في الجهاز الإداري للدولة غير مؤهل، وأنه لابد من قيام ثورة إدارية داخل الجامعات. بينما انتقد د.سليمان العطار، أستاذ الأدب الأندلسي بجامعة القاهرة، قائلا: "لقد تحول التعليم إلي سلعة، في حين أنه لا يصح أن يكسب الإنسان مليما من التعليم، فالجامعات الخاصة كارثة كبري". واستكمالا لندوات المواجهة؛ أشار د.حسن أبو طالب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة خلال ندوة "الدولة المدنية في المواجهة" إلي أننا نواجه العنف والتطرف والجهل والإرهاب، وأضاف: الدولة المدنية ليست معادية للدين أو مكروهة كما يعتقد البعض، لأن المعني الحقيقي لها أن تراعي المواطنة والمساواة للجميع بغض النظر عن الاتجاهات الدينية والعرقية". وهو ما أكده د.يسري العزباوي، حيث قال: "علينا عدم خلط الدين بالسياسة، فالدولة المدنية لا تعني أننا ضد الدين، وإنما توفير فرص العمل والعيش المشترك من أجل حياة كريمة، وبناء مجتمع اقتصادي. مبدعا الجمالية الروائي جمال الغيطاني اختير ليكون شخصية المعرض، فدار الحديث حول مشروعه الروائي والسردي، وتأثره بالصوفية، وكذلك القاهرة القديمة، فأكد د.حسين حمودة أن صلة الغيطاني العميقة بالمكان ميزته، واهتمامه بالأزمنة والأماكن، مثل منطقة الجمالية التي ستظل منبره للتعبير ونقطة البدء والوصول، فمنها ينطلق عالم جمال الغيطاني، بينما أوضح القاص سعيد الكفراوي أن إحساس الغيطاني بالزمن أدي به إلي معرفة التصوف وقراءة أهم نصوصه. أما د.محمد عبد المطلب، فأشار إلي أن هجرة الغيطاني من الصعيد جعلته يعيش دائما مغتربا باحثا عن الأمان، مما دفعه للصوفية والانفتاح علي الآخر. بينما وجد د.مصطفي الضبع- الذي اضطر لمغادرة القاعة قبل انتهائها بساعة لارتباطه بندوة أخري في القاعة المجاورة بالوقت ذاته -أن قيم الغيطاني الأكبر تكمن في أنه فتح باباً جديدا للدراسات النقدية من خلال قصته "30 فبراير". ولأن الغيطاني من أكثر أدباء الستينيات إخلاصا لنجيب محفوظ - كما أكد الكاتب محمد بدوي - فلم ينفصل عنه في ندوات القاعة أيضا، وجاء محفوظ ليكون بالتبادل مع جمال الغيطاني، حيث اشتركا معا في مكان النشأة، وفي أن كلاهما أيضا رغم البعد والمسافة الزمنية بينهما وبين الجيل الحالي، إلا أن بعض الشباب يحاولون اكتشافهما من جديد.