د. اسماعيل سراج الدين يفتتح المعرض الختامى لمشروع دعم التنوع وسط حشد من المثقفين والمبدعين والكتاب، شهدت مكتبة الإسكندرية مطلع الأسبوع الماضي افتتاح المؤتمر الختامي لمشروع (دعم التنوع الثقافي والابتكار في مصر)، الذي بدأ نشاطه منذ عامين، بدعم من الاتحاد الأوربي .. ارتكزت رؤية المشروع علي دراسة وجمع المعلومات حول جميع الصناعات الثقافية غير المستغلة وغير الموجودة علي الخريطة، ووضع خطة لتطوير منطقة كوم الدكة بمدينة الإسكندرية، بالإضافة إلي مشروع "شمال وجنوب"، الذي تدرب من خلاله مائة من الشباب المصري في خمسة مجالات إبداعية، ومشروع "الفن في الفصل الدراسي" للطلبة في المدارس الحكومية. وهناك أيضًا محور بيت السناري، والذي يخدم أحد أهداف المشروع الرئيسية، وهو التواصل مع شباب المحافظات المختلفة وبناء قدراتهم. بدأت فعاليات المؤتمر الذي جاء تحت عنوان "مقترحات لوضع إطار للسياسة الثقافية في مصر" بكلمة الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، قال فيها إن العالم يحتاج إلي المزيد من الجهد والعمل للتأكيد علي المفاهيم التي تجسدت في هذا المشروع، فالتنوع والابتكار وسائل هامة تساعد في نزع فتيل التطرف والعنف والإرهاب. مضيفاً: "هناك عدد من الرسائل الأساسية التي شكلت الخلفية الإدراكية للمشروع، وهي دعم التنوع الثقافي والإبداع. فإن تنوع المجتمعات، بما تحمله من تنوع في الرؤي والأفكار وطرائق التفكير، ينطوي في ذاته علي امكانيات هائلة للإبداع. ولم يتقدم أي مجتمع إلا من خلال إطلاق طاقات الإبداع، وإزالة القيود المفروضة عليها". ولفت سراج الدين إلي وجود نتيجة مهمة للمشروع، ازدادت مكتبة الإسكندرية اقتناعا بها، وهي أن هناك تيارات ثقافية، وأجيالا من المبدعين نحتاج أن نراها خارج مرآة المركزية الثقافية بالمعني الجغرافي والمؤسسي والجيلي، قال سراج الدين:"ألهمنا مشروع "دعم التنوع الثقافي والإبداع كما ألهمتنا تجاربنا الثقافية المستمرة أن ننطلق في المستقبل في عدد من المحاور المهمة: أولها التواصل مع الشباب المبدع، المجدد، وثانيها التوسع في مشروع "ذاكرة مصر المعاصرة"، بحيث يشمل الفترة الممتدة منذ عام 1981م حتي عام 2014م، وثالثها تعزيز مبادرات التنوع الثقافي والإبداع والتوسع في إعادة نشر كتب التراث العربي والإسلامي". الأمر نفسه أكدته كلمة حلمي النمنم وزير الثقافة، التي ألقاها نيابة عنه هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وجاء فيها: "إن هذا المشروع جاء لوضع لبنة لدعم المستقبل وبنائه، حيث إن دعم التنوع الثقافي والابتكار يعد الخطوة الأولي نحو بناء المستقبل. فالتنوع هو ما يميز الهوية المتفردة لمصر، التي تحتاج إلي كل أبنائها بمختلف هوياتهم واتجاهاتهم. نحن نحتاج الثقافة والتنوع لمواجهة القوي السلبية في العالم، ولذلك سيأتي عنوان الدورة القادمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب "الثقافة في المواجهة"، حيث إن الثقافة يجب أن تقوم بدورها كصف أول في مواجهة السلبية والتطرف". وقال جوسيبي فاسكوس، مدير البرامج الثقافية بوفد الاتحاد الأوربي في مصر، نيابة عن السفير جيمسموران رئيس الوفد، إنه في إطار هذا المشروع ومن خلال المؤتمر، تأتي فرصة كبيرة للمؤسسات والجهات التي تعمل في مجال الثقافة في مصر لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع الثقافي والفرص التي يمكن استغلالها لتطوير هذا القطاع الحيوي. مُشدداً علي أن مصر تلعب دورًا محوريًا في الحقل الثقافي محليًا وعالميًا، فهي تتمتع بتراث غني وتضم العديد من المقومات الثقافية التي ينبغي العمل علي استغلالها ودعمها. مشيراً إلي أن الاتحاد الأوربي يدعم القطاع الثقافي في مصر بحوالي 20 مليون يورو، بهدف تشجيع الثقافة وزيادة التنوع ودعم الحوار الثقافي وتشجيع الوصول للمعرفة والمعلومات. فيما أوضحت المهندسة هدي الميقاتي؛ رئيس قطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية ومديرة المشروع، أن المشروع أقيم في 20 محافظة ودارت أنشطته في إطار ثلاثة محاور؛ وهي: دعم الصناعات الثقافية المصرية حيث تم تقسيم المجتمع إلي أربع مناطق بالإضافة إلي دراسة منطقة كوم الدكة بالإسكندرية. ومحور دعم الشباب والمهارات الجديدة إذ نُظمت فعاليات أقيمت في بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب بالقاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، والذي يعد منفذًا ثقافيًا هامًا، بجانب تنظيم برنامج "شمال وجنوب" الذي ضم مشاركة مائة من الشباب من مختلف أنحاء مصر. ومحور إقامة حوار لوضع استراتيجية ثقافية وطنية لمصر الذي تضمن عقد ندوات وورش عمل ومناظرات ثقافية للتوصل لمقترحات لوضع إطار عام لسياسة مصر الثقافية. شهد المؤتمر الختامي لمشروع "دعم التنوع الثقافي والابتكار في مصر" أيضاً عدة جلسات، كان من ضمنها جلسة عن الثقافة في الدلتا والوجه البحري، وتولي إدارتها الدكتور محمد أحمد غنيم ، مدير المركز الحضاري لعلوم الإنسان والتراث بجامعة المنصورة، وتحدث خلالها الدكتور سمير المنزلاوي، الكاتب والروائي، الذي قال إن سكان الأقاليم لا يشعرون بوجود المؤسسات الثقافية الموجودة في العاصمة كالأوبرا، والهيئة العامة للكتاب، والمجلس الأعلي للثقافة، ودار الكتاب، وأكاديمية الفنون وغيرها، والتي تبدو من جانبها مؤسسات متعالية تعني بالنخبة القادرة علي اختراقها وإقامة علاقات ومصالح مع القائمين عليها . بينما أشار سليمان أبوعياط ، كبير المذيعين بإذاعة شمال سيناء، إلي أن الحضور الثقافي الحالي في سيناء تأثر سلبًا بالظروف الأمنية التي تمر بها، ويحتاج إلي رعاية ثقافية مكثفة لإمداد شبابه بالمعرفة والثقافة الوسطية الوطنية، ويحتاج أيضًا إلي إعادة عرض الكثير من قصص البطولة لأبناء سيناء ، حيث إن الشباب اليوم يفتقد القدوة وفي حالة من التشويش والاغتراب. وتحت عنوان "الثقافة في مصر العليا" أُقيمت جلسة برئاسة الدكتور محمد إبراهيم منصور، وتحدث خلالها الباحث فتحي عبد السميع عن الثقافة والتقاليد في صعيد مصر، إذ قال إن الصعيد يتميز بخصوصية واضحة، يضيق المجال عن منحها حقها، وقد وُلدت تلك الخصوصية كأمر طبيعي نتيجة تفاعل الإنسان مع ظروفه الجغرافية التي تتمتع بخصوصية من حيث طبيعة المناخ الحار. مضيفاً أننا نحتاج لمشروع وطني لدراسة الصعيد، وأن يتم تخصيص مركز لذلك المشروع، تتولاه مكتبة الإسكندرية، أو يتولاه المجلس الأعلي للثقافة، ويتم توسيع نطاقه بحيث يشمل كل الثقافات الفرعية في مصر. ويري الدكتور أحمد عمر ، مدرس الفلسفة بكلية آداب الوادي الجديد، أن تدهور الواقع الثقافي في صعيد مصر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتدهور الثقافي العام في البلاد، والذي بدأ مع الربع الأخير من القرن العشرين، والذي ترك آثاره المدمرة علي قيم وسلوك وثقافة المصريين جميعًا؛ نتيجة تقاعس الدولة عن القيام بدورها الثقافي. متابعاً: "قراءة الواقع علي نحو صحيح تكشف لنا أن الصعيد الذي يراه بعض أبنائه جانيًا عليهم، هو في الوقت ذاته مجني عليه، لما عاناه عبر عقود طويلة ماضية من إهمال الحكومات المتعاقبة، وعدم وضعها لخطة شاملة ومستدامة تستهدف تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". جلسة أخري بعنوان "الصحافة الثقافية في مصر"، تولي إدارتها الدكتور محمد شومان ، الخبير الإعلامي، وتحدث خلالها علي عطا ، مدير تحرير جريدة الحياة اللندنية عن المجلات الثقافية ومدي جدواها مشيرًا إلي أن غالبية الإصدارات الثقافية هي إصدارات حكومية أو شبه حكومية بعضها مات في المهد، ومعظمها يُضيع ما ينفق عليه من أموال دون رقيب أو حسيب، ولا يتبع منها المؤسسات الصحفية القومية والخاصة سوي القليل. وأضاف أن معظم ما تصدره الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، ووزارة الثقافة من المجلات الثقافية هي مجلات فقيرة التوزيع والتأثير في أوساط النخبة، فما بالنا بالجمهور الواسع الذي نحن في أشد الحاجة إلي الارتقاء بوعيه. من جانبه، قال طارق الطاهر، رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، إن هناك إشكالية كبيرة بالنسبة لحرية التعبير أدت في لحظات إلي ما هو أبعد تأثيرًا من منع الأعمال الإبداعية أو مصادرتها؛ حيث تحول الأمر مع كل أزمة إلي صراع مجتمعي، بمعني أن هناك من ينظر إلي المثقفين باعتبارهم خارجين عن القانون ويستحقون مثل هذه البلاغات، مضيفا أن ما يحدث الآن هو فتنة بين الثقافة والمجتمع، ينبغي لنا جميعًا أن ننتبه لها ولخطورتها. مشيراً في نهاية حديثه إلي أن الطريق طويل وشاق للوصول إلي حرية التعبير والرأي، ويحتاج منا جميعًا أن نعي جميعًا مواطنين ومثقفين ومسئولين وحكاما أنه لا تقدم جادا إذا لم تحتل الثقافة مكانها ومكانتها، وأن هذا لن يتحقق سوي بصياغة ورقة يتحمل فيها الجميع مسئولياته. وتحدث أيضاً سيد محمود، رئيس تحرير جريدة القاهرة، حيث استعرض تاريخ الصحف الأدبية، وتأثير المعاصر منها خصوصاً كلا من أخبار الأدب، والقاهرة، قائلاً إنه رغم ذلك يواجه العديد من الصعوبات التي تُعرقل سير العمل.