محافظ الدقهلية في جولة مفاجئة بمساكن الجلاء وشوارع حي غرب المنصورة    مصر تتابع مع البنك الدولي إعداد الاستراتيجية الوطنية للاستثمار الأجنبي المباشر    مصر تشدد على دعم مسار التهدئة و تثبيت وقف اطلاق النار فى قطاع غزة    أكسيوس: ترامب يخطط لتعيين جنرال أمريكي لقيادة قوة الاستقرار الدولية في غزة    22 ألف خيمة تضررت.. نحو 1.5 مليون نازح يعيشون أوضاعا قاسية بغزة    صحيفة.. 24 ساعة تحسم مستقبل صلاح مع ليفربول    محافظ الدقهلية: تحرير 16 محضرًا في حملة رقابية على 22 مخبزًا    تموين الفيوم يحبط تهريب 8 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    أحمد مراد يعتذر: استخدمت كلمة رسول بصيغة عامة.. ولم يكن في نيتي المقارنة أو توجيه إساءة تتعلق بالمقدسات الدينية    مباحثات مصرية - يونانية لتنفيذ برامج سياحية مشتركة    عبد السند يمامة: سأحسم موقفي من الترشح على رئاسة الوفد بداية الشهر المقبل    كأس العرب - مؤتمر كوزمين: سنواجه أحد المرشحين للفوز بالبطولة.. ولا نحتاج للتحفيز    بالصور.. منتخب مصر يخوض تدريبًا صباحيًا بمركز المنتخبات الوطنية    رئيس الوزراء يشارك في الجمعية العامة للشراكة بين الأكاديميات بالعاصمة الجديدة    سعر كرتونه البيض الأبيض والأحمر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025 فى أسواق المنيا    وزارة البيئة تنجح فى الإمساك بتمساح مصرف قرية الزوامل بمحافظة الشرقية    وزارة الداخلية تضبط توك توك يوزع أموالا على الناخبين فى المحمودية    وزير الخارجية السوري: تبني مجلس النواب الأمريكي إلغاء قانون قيصر إنجاز تاريخي    القوات الروسية تسيطر على بلدة بخاركيف    53 مترشحًا يتنافسون على 3 مقاعد فردية فى دوائر أسوان المعاد الاقتراع بها    أطباء مستشفى المعبر الجامعي بقنا ينجحون في استخراج 58 حصوة من كلى مريض    «الصحة» تعلن نجاح مصر في القضاء على الحصبة والحصبة الألمانية للعام الثالث على التوالي    اليوم.. الكنيسة القبطية تحتفي بيوم الصحافة والإعلام في المقر البابوي بالعباسية    تسليم 1146 بطاقة خدمات متكاملة لذوي الإعاقة بالشرقية    التراث العربي: إدراج الكشري في قائمة اليونسكو خطوة مبهجة تعزز الهوية الثقافية المصرية    شوبير: الأهلي ينجز صفقة يزن النعيمات ويقترب من تجديد عقد حسين الشحات    الجامعة البريطانية توقع بروتوكول تعاون مع ولفرهامبتون البريطانية    وصول 60 ألف طن قمح روسى لميناء دمياط    كأس العرب - استبعاد لاعب السعودية حتى نهاية البطولة    الليلة.. حفل ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2025    «أسامة ربيع»: نستهدف تحقيق طفرة في جهود توطين الصناعة البحرية    إغلاق مطار بغداد موقتًا أمام الرحلات الجوية بسبب كثافة الضباب    يوسف القعيد: نجيب محفوظ كان منظمًا بشكل صارم وصاحب رسالة وتفانٍ في إيصالها    ضبط أكثر من 109 آلاف مخالفة مرورية فى يوم واحد    قرارات النيابة في واقعة اتهام فرد أمن بالتحرش بأطفال بمدرسة شهيرة بالتجمع    قافلة طبية لجامعة بنها بمدرسة برقطا توقع الكشف على 237 حالة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    تقييم مرموش أمام ريال مدريد من الصحف الإنجليزية    إعتماد تعديل المخطط التفصيلي ل 6 مدن بمحافظتي الشرقية والقليوبية    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    بتكلفة 68 مليون جنيه، رئيس جامعة القاهرة يفتتح مشروعات تطوير قصر العيني    طرق الوقاية من الحوداث أثناء سقوط الأمطار    تايلاند تعلن ارتفاع عدد القتلى إثر الاشتباكات الحدودية مع كمبوديا إلى 9    منخفض جوي يفاقم الكارثة الإنسانية بغزة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    حالة الطقس في السعودية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    وزارة الصحة تطمئن المواطنين: لا وجود لفيروس «ماربورج» في مصر    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    مراكز الإصلاح والتأهيل فلسفة إصلاحية جديدة.. الإنسان أولًا    يوفنتوس ينتصر على بافوس بثنائية نظيفة    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ذاكرة الحلقة المفقودة حمدي أبو الشيخ المنسي بفعل أرشيف دار الكتب المصرية
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 09 - 2015

في هذه الصفحات نستعيد مسيرة واحد من المبدعين الموهوبين، صاحب المجموعة القصصية "أعماق بيضاء" التي قدمها الأديب الكبير يحيي حقي، الذي احتفي به - أيضاً - مع ابناء جيله في العدد الذي خصصه عنهم في مجلة المجلة، ف"حمدي أبوالشيخ" من جيل: ابراهيم أصلان، جميل عطية ابراهيم، محمد حافظ رجب، مجيد طوبيا، وقد علق علي قصصهم قامات كبيرة، وكان نصيب قصة حمدي أبوالشيخ أن يعلق عليها يوسف جوهر.
أهمية هذه الدراسة أنها تعيد الاعتبار لهذه الموهبة، حيث يسرد محمد علام مواقف النقاد من حمدي أبوالشيخ، كما ننشر -أيضا- قصته المعنونة ب "الطريق إلي أثينا".
لاشيء أسوأ من النسيان، وأقصي عقوبة توقع علي كاتب هي نفي سيرته بعيداً عن مسامع الأجيال. لانتيجة تقييم حقيقي وإنما نتيجة إهمال غير متعمد. وهذا ما حدث مع القاص حمدي أبو الشيخ ابن محافظة بني سويف، ولد بها في 15 أكتوبر 1933م وتخرج من كلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1954م ثم انتدب للعمل في دمنهور وتزوج عام 1958 وأقام في منيا القمح محافظة الشرقية حتي عام 1963م. كان يتردد طوال تلك الفترة علي القاهرة، ينشر قصصه في مجلاتها وضيف دائم كل جمعة في ندوة كازينو الأوبرا حيث نجيب محفوظ والسباعي والحرافيش. صدرت له مجموعة قصصية وحيدة "أعماق بيضاء" عام 1961م عن دار النشر المصرية، وبمقدمة ليحيي حقي الذي تبني أسماء عديدة من ذلك الجيل سواء الذين تضمنوا مجموعة عيش وملح عام 1960م محمد جاد وسيد خميس وعز الدين نجيب ومحمد حافظ رجب. أو قدم كتّابًا في كتبهم المنفردة مثل محمد سالم وحمدي أبو الشيخ ويوسف عسكر نحاس وربّما أسماء أخري لم تُكتب لهم الشهرة آنذاك.
بعد أن أنهي انتدابه في محافظة الشرقية عاد ليرأس قطاع شركة الإسكندرية لحلج الأقطان فرع بني سويف. وصار قدومه للقاهرة نادرًا وغير منتظم، ولو أن البعض أكد أنه كان يتردد من فترة لأخري حتي اختفي فجأة.
والحقيقة أن مجلة المجلة التي كان يرأسها يحيي حقي لفترات طويلة حملت اسمه في أعداد متفرقة منذ ستينيات القرن الماضي. وفي ملف تاريخي احتفت مجلة المجلة في عدد أغسطس عام 1966م بكتاب القصة القصيرة الشبان في ذلك الوقت كنوع من الرد علي إغلاق مجلة القصة.
تضمن العدد أسماء مهمة شكلت مسيرة تطور الإبداع والكتابة السردية في مصر علي مدي نصف قرن مثل: إبراهيم أصلان، جميل عطية إبراهيم، محمد حافظ رجب، مجيد طوبيا، يحيي الطاهر عبد الله، كمال ممدوح حمدي، حمدي أبو الشيخ.
وقد تلا كل قصة تعقيب من أحد كتاب الأجيال السابقة علي كتابة الأدباء الشباب، فعلق شكري عياد علي إبراهيم أصلان. ونجيب محفوظ علي جميل عطية إبراهيم، ويحيي حقي علي محمد حافظ رجب، ويوسف الشاروني علي يحيي الطاهر عبد الله، وعبد القادر القط علي كمال ممدوح حمدي، وأخيراً تعليق يوسف جوهر علي حمدي أبو الشيخ.
وتضمنت كل قصة صورة لكاتبها وتعريفا موجزًا له بتاريخ ومكان ميلاده ووظيفته وأعماله السابقة إن وجدت. ما عدا سيئي الحظ: كمال ممدوح حمدي وحمدي أبو الشيخ فقد درجت صورهم فقط خالية من أي تعريف! والعزاء لكمال ممدوح حمدي، أنه واظب فيما بعد الكتابة عن قضايا المسرح وترجمة مقالات نقدية ومسرحيات مهمة أُمكن جمعها فيما بعد ونشر بعض منها عن هيئة الكتاب، وربما معظم دارسي المسرح يعرفون ترجماته جيداً وخصوصا ترجمة مسرحية ميديا ليروبيدس والتي أخرجها الشريف خاطر للإذاعة في السبعينيات. لكن حمدي أبو الشيخ؟ ماذا حدث له؟
ربما أحزنه أن مجموعته الأولي لم تقابل بأي نوع من أنواع الإهتمام، ولم يكتب عنها أحد ولم تذكر من قبل، حتي أنه في وقت صدورها نشر تنويها صغيراً في باب صدر حديثاً في مجلة الشهر في يونيو 1961م، ولم يرهق الكاتب نفسه بكتابة عرض للمجموعة أو تقديم رؤية لكاتبها كما فعل مع باقي الكتب بل اكتفي باقتباس جزء من مقدمة يحيي حقي ونقله كما هو. وبعد أكثر من 50 عامًا علي نشر المجموعة، نكتشف أنه لم يرد لها ذكر من قبل عند أي من نقاد تلك الفترة، ولم يلتفت له باحث أو دارس، وإن وجدنا اسم حمدي أبو الشيخ قد ذكر مرة أو مرتين فسبب ذلك هو يحيي حقي.
باستخدام قاعدة بيانات المكتبات الجامعية، أمكن الوصول لنتائج مؤسفة. أولها أن المجموعة القصصية للكاتب مسجلة في مكتبة كلية الآداب بجامعة حلوان باسم "حسن أبو الشيخ" وليس حمدي أبو الشيخ. وربما خطأ بسيط في الأرشفة لم يجعل لمجموعته أي بطاقة فهرسة صحيحة في سجلات الدولة الرسمية بدار الكتب المصرية. وربما يرجع السبب إلي حفظ نسخ قليلة من المجموعة هو اسم يحيي حقي، رغم أننا لم نجد أي نسخة منها في مكتبة يحيي حقي المودعة لدي مكتبة كلية الآداب بجامعة المنيا والتي يُقال أنها ليست مكتبة الأديب الكبير كاملة بل إنها فتات ما تبقي. ولكن تبين أن مجموعة أعماق بيضاء الصادرة عام 1961 لحمدي أبو الشيخ مسجلة لدي مكتبة الإسكندرية باسم يحيي حقي!
في كتاب فصول في النقد والأدب ل د.عبد الرحمن أبو عوف تحدث عن تجربة يحيي حقي بأنه لم يلتفت لإبراهيم أصلان ويحيي الطاهر عبد الله وغيرهم علي حساب اهتمامه بغير الموهوبين أمثال حمدي أبو الشيخ ومحمد سالم!
هكذا يقدم عبد الرحمن أبو عوف حكما قاطعا بعدم موهبة هؤلاء الشباب دون التوقف أمام انتاجهم بأي شكل، والحجة في ذلك أنهم لم يستمروا في الكتابة!
وفي مقالة للدكتور سيد حامد النساج بمجلة الهلال فبراير 1993م يتحدث فيها أيضا عن تجربة يحيي حقي النقدية وذكر دوره في رعاية الشباب أمثال حمدي أبو الشيخ ومحمد سالم. وهكذا للمرة الثانية يُذكر فيها الكاتب تباعا لذكر يحيي حقي، وكأن وجود يحيي حقي علي غلاف مجموعته هو الذي تمكن من حفظها حتي اليوم رغم تجاهلها وما قوبلت به من إهمال.
ولكن التساؤل الحقيقي ماذا أصاب هؤلاء الذين لم يقدمهم لا يحيي حقي ولاغيره؟ هل ذهبوا للعدم بكل تجاربهم دون أن نعرف أيها السمين من الغث؟ السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تم اقصاء تجارب من هذا الجيل فلم يلتفت لها لا نقد ولا تاريخ؟
يشير الدكتور النساج في مقالة بمجلة فصول عام 1982 بعنوان الحلقة المفقودة في القصة القصيرة المصرية صارت فيما بعد كتابًا مهمًا صدر في التسعينيات عن هيئة قصور الثقافة.
"إن جيلا وسطا من كتاب القصة القصيرة لم ينل حظه من الدراسة النقدية، ولم تلتفت إليه البحوث الأكاديمية وكاد تاريخ الأدب العربي الحديث في مصر يغفله تمامًا. ولا يخفي أن هذا المقال لن يحقق كل ما استهدفه، وإنما قصاراه أنه يحمل دعوة إلي
ضرورة قراءة نتاج هذه المجموعة من الكتاب ككل. في محاولة لمعرفة إلي أي حد كانوا مظلومين حين هجرتهم الدراسات والبحوث؟! وهل هم علي حق في اتهام النقد والدراسات بتجاهلهم؟ ثم - بعد التأمل والدراسة - ما الذي أضافوه - حقيقة - فنيا؟ وما هو الجديد في أدواتهم ووسائلهم التي توسلوا بها في التعبير عن مواقفهم؟!
وهل كان لهم -مجتمعين أو منفردين- طعمهم الخاص، ونكهتهم المميزة؟ بحيث نستطيع الإشارة إلي الواحد منهم عندما نقرأ مجموعة قصصية له، أو حتي قصة قصيرة له. وأخيرًا؛ هل يتساوي حجمهم الفني والتأثيري مع حجم الضجة التي يثيرونها؟! لن يجيب المقال عن هذه التساؤلات، وإنما هو يفتح الباب لمناقشتها، والوقوف عندها، ويدعو النقاد والباحثين إلي تناولها."
هكذا كان الفرق بين الدكتور النساج ودعوته للوقوف علي تجارب هذا الجيل بعكس ما جاء من جانب الدكتور عبد الرحمن أبوعوف بإقصاء هذا الجيل وتجاهل تجاربهم. بل أنه سخر من الدكتور النساج ووصفه في عبارة تهكمية ب "الكاتب الأرشيف".
ورغم محاولة الدكتور النساج للوقوف علي بعض الأسماء في المقالة السابقة إلا أن الأسئلة ظلت مطروحة حتي الآن دون أن تواجه محاولات حقيقية للإجابة عليها. وقد طرح الدكتور النساج في مقالة مجلة ديسمبر الهلال 1992م بعض الأسباب قد تكون أقرب للمنطقية حيث يرجع بدايات التغيرات التي ربما تكون أثرت في هذا الجيل، وتحديداً عند عام 1961م أي المرحلة التي أقرت فيها قيادة الثورة إنتماءاتها وأيديولوجيتها الفكرية وبدأت ترسي دعائم الإشتراكية، فكانت لحظة التبدل والتحول الاجتماعي والاقتصادي مؤثرة علي كل جوانب الوطنية والإحساس بالإنتماء. ذلك الإحساس الذي شعر به جيل انفعل بالثورة وآمالها، جيل آمن بالإشتراكية وصدق في جمال عبد الناصر الأب والمخلِّص. فراح هذا الجيل الذي كتب القصة القصيرة في هذه المرحلة بداية الستينيات يقدمون إنتاجاً يخدم أيديولوجيتهم الفكرية ويعبر نوعاً ما عن ظروفهم الإقتصادية المعدومة وطبقتهم الإجتماعية المسحوقة دون أن تلتفت لها دولة ولاثورة ولا انتفعوا من الاشتراكية.
راحت كتاباتهم تعمل علي نقل الواقع تارة كما هو من خلال اختيار طبقات مهمشة تعاني معاناة يومية في تدبير الإحتياجات الأساسية. تارة ينسجون قصصهم بطريقة القدماء وتارة ينحازون لمحاكاة التجديد، فلاهم مجددون ولاهم مقلدون بالمعني. لكنهم حلقة مفقودة لم تكد تبدأ في الكتابة حتي اصطدمت بالنكسة فانهارت الآمال وسقط منهم من سقط في هاوية العجز والشعور بالانهزامية وعدم الثقة في أن للقلم قيمة أو دور أو قدرة علي درأ عار الهزيمة.
ويقول عن حمدي أبو الشيخ:
ففي دائرة بحثنا مثلًا نجد أن الكاتب حمدي أبو الشيخ نشر قصة "الكابوس" في مجلة المجلة نوفمبر 1962م. ثم تابع النشر فيها مايو 1964م قصة الطريق إلي أثينا. وأصدر مجموعة قصصية حرص كاتبنا الكبير يحيي حقي علي كتابة مقدمة لها لكنه لم يلفت النظر لها من الناحية الفنية واستكان إلي كلمات التشجيع التي أطلقت دون أن تكون له قسمات مميزة. وبلا استمرار جاد في حقل الإبداع القصصي.
وأيضًا هذا رأي انطباعي آخر دون الوقوف علي تجربة حمدي أبو الشيخ متخذًا سببه من عدم الاستمرار في الكتابة. فهل هذا حقيقي؟
فقد وجه يحيي حقي نقده لملامح أسلوب حمدي أبو الشيخ في مقدمته للمجموعة، وهي كانت نموذج دراسة نقدية مصغرة لكنه نجح في إصابة بعد مناطق القصور لدي الكاتب عندما قال:
أما الأسلوب - ولا أقول اللغة- فلنا عنده وقفة وكلمة. فإنك تشعر لاعند المؤلف وحده بل عند أغلب الكتاب الشبان- أن هناك صدعًا بين الأسلوب والفكرة كأنما لم تنطبق بعد كما ينبغي هذه علي ذاك، ومرد ذاك هو أن قدرتهم لم تتجمع بعد لتقوي علي التخلص من ثقل السرد ورتابته اللغوية أي الإنتقال من أسلوب الحكاية إلي أسلوب فني لاتقام عليه إلَّا القصة القصيرة.
وبتتبع آخر عملين منشورين لحمدي أبوالشيخ قصة المؤامرة في العدد المذكور من مجلة المجلة حيث نوه يوسف جوهر أيضًا في تعقيبه بإشكالية اللغة وكلاسيكيتها عند كاتبنا. ثم بعد أربع سنوات تنشر قصة لحظة لقاء (المجلة أبريل 1970م). ثم لاظهور بعد ذلك.
وقد تسني لي مقابلة السيدة زينب عبد الحميد زوجة الكاتب حيث روت أنه بعد انتقال حمدي أبو الشيخ إلي بني سويف لم يعد باستطاعته التردد علي القاهرة وحضور ندوات كازينو الأوبرا إلا نادرًا بسبب ضيق الحالة المادية. وبعد يونيو 1967م فقد حماسه ولم تشاهده يومًا يمسك قلمًا أو يداعب الكتابة فربما فقد الأمل في أن تكون لكتابته أي جدوي. فقد كان عضوًا في الاتحاد الاشتراكي كما كان من الطليعة الإشتراكية في الجامعة التي ساندت ثورة يوليو وصدقت في عبد الناصر القائد والزعيم والمخلَّص. وربما أنه صار أكثر ميلًا للعزلة والغوص داخل الكتب والاكتفاء بالقراءة، العادة التي أبداً ما تخلي عنها حتي إصابته بالزهايمر عام 1992م ووفاته في 4 سبتمبر 1999م.
وقد نوَّه يحيي حقي في مقدمته بشخصية الكاتب وميله للصمت في أغلب المجالس التي رآه فيها وأنه محاط بالشك والغموض لايفصح عما في نفسه وأشار أن ذلك قد انعكس علي كتابته بشكل ما. وهذا كله يوحي بنفسية أقرب للإنعزالية والانكفاء عند مواجهة الأزمات الكبيرة وخصوصًا في المرحلة المتعثرة التي مرت بها البلاد، والتي كانت تتطلب المواجهة والتفكير الشجاع للخروج من المحنة. بدلًا من التراجع والاختباء ومواراة العار.
المصير المؤسف لمكتبة
حمدي أبو الشيخ
وقد كان لدي كاتبنا مكتبة ضخمة تضم مؤلفات في جميع العلوم والمعارف ومن مختلف آداب العالم، وكان شديد الإهتمام بالمسرح مثل هنريك إبسن وبرنارد شو وهاوي لجمع طبعات من لغات أصلية للكلاسيكيات مثل الإلياذة ودون كيخوتة والبؤساء. ولكن أحد أبناء الكاتب إما عن جهل أو إهمال قام بإيداع المكتبة الشخصية لحمدي أبو الشيخ التي ظلت مهجورة لفترة من الزمن بعد وفاته إلي المكتبة المركزية ببني سويف، وبالبحث لدي المكتبة لم نتوصل لشيء وقد قيل أن أحد الموظفين كان مشهورًا باستلام المكتبات المهداة وبيعها لتجار الروبابيكيا بالكيلو!
ولعل ما نجا من هذه المكتبة لفافة من الورق تبين أنها مخطوط مجموعة قصصية كان ينوي الكاتب نشرها وقد صدَّرها بمقدمة حملت تاريخ 3 مارس 1967م يقول فيها:
علي مدي خمس سنوات مضت وبعد أن أصدرت مجموعة قصصي الأولي (أعماق بيضاء) حاولت أن أعالج فيها بعض المشاكل اليومية التي تكتنف حياة الإنسان البسيط مثل مشكلة عمله أو خبزه.. كانت هذه المشاكل آنذاك ولعدة سنوات مضت تؤرق ضمير الكتاب والفنانين في مصر وفي كثير من البلدان النامية التي استطاعت خلال هذه الحقبة الأخيرة أن تتحرر من نير الإستعمار والإمبريالية فكان ذلك بمثابة الإرهاص بالميلاد أو المسير في طريق أيديولوجيات اجتماعية متقدمة تضمن للإنسان حدا أدني من احتياجاته كآدمي. كان السؤال المطروح أمامي دائمًا هل الإنسان في هذا العالم سيد نفسه.. سيد مصيره... سيد الظروف المحيطة به.. هل استطاع بعد هذا التقدم التكنولوجي الهائل وبعد أن وصل أو كاد أن يصل إلي غزو عوالم أخري أن يقطع شوطًا آخر مناسبًا ليتخفف بعض الشيء من همومه الميتافيزيقية... هل استطاع أن يفعل شيئًا ليهزم البغض.. ليدحر اليأس، ليهدم الإنسانية... ليقف حائلًا دون هذه الحروب القاسية المريرة التي يدمر الإنسان فيها نفسه بأدواته الحديثة من أجل أطماع حقيرة. هل فعل الإنسان شيئًا ليستحق السلام؟
لم يتوقف عن الكتابة إذن؟ لكن ربما حالت ظروف أو كان ضحية انكسارات أجلت نشر المخطوط والتي حملت عنوان آخر قصصه "لحظة لقاء" والتي نكتشف أنها كتبت في فترة سابقة علي نشرها بمجلة المجلة بأربع سنوات وربما أكثر. ولعل "الإهمال" هي كلمة السر التي تحل لغز حياة كاتبنا ليس وحده بل هو جيل كامل تعرض للإهمال والتجاهل، لو أمكن التوقف علي مسيرة كل منهما علي حدة قد نصل لنتائج تكشف لنا كيف تطورت القصة القصيرة من يوسف إدريس إلي يحيي الطاهر عبد الله وأنها لم تكن قفزة مغايرة بل هناك حلقة وصل منسية لجيل قد لانتفق علي قيمة إنتاجه وهي محل جدال باختلاف العصور وتآلب الأجيال، لكن لن نختلف بالتأكيد علي حق بقاء نتاجه وحفظه لكل يد أرادت أن تطوله بعد ذلك وتعيد تقييم التجربة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.