حلقت الفراشات في مكتبة الإسكندرية فطرحت العديد من الإشكاليات التي حاول النقاد والحضور ملاحقتها ، وظلت إشكالية الكتابة المشتركة هي الأكثر حضورا ، خاصة بعد أن أكد الكاتب والمخرج المسرحي الدكتور جمال ياقوت أن تناغم النص جعله يتساءل عن دور كلا المؤلفين ، وتتابعت الإشكاليات لتشمل فكرة الكتابة للأطفال ، والخيال العلمي بشكل عام ، بالإضافة إلي ما طرحته مسرحية " فراشات تبحث عن أجنحة " لمؤلفيها إيهاب الحضري وإيمان الشافعي من إشكاليات تتعلق بها ، طرحها الدكتور ياقوت والشاعر والكاتب المسرحي ميسرة صلاح الدين الذي أكد أن المؤلفين دخلا ثلاثة حقول ألغام دفعة واحدة ! وكان مختبر السرديات بالمكتبة قد استضاف مؤلفي المسرحية في ندوته مساء الثلاثاء الماضي ، وبدأها الأديب منير عتيبة الندوة موضحا أن السرد لا يعني القص فقط ، وأشار إلي أن المختبر توسع في مفهومه ليمتد إلي الإبداع المسرحي والسينمائي والتليفزيوني ، وتطرق إلي فكرة كتابة خيال علمي للأطفال مؤكدا أن البعض يكتب وفي ذهنه أنه يفعل ذلك لطفل ساذج ، وآخر يكتب للطفل الذي عاشه هو ، وأوضح أن هناك إشكالية تتعلق بفكرة الكتابة المشتركة ، غير أنه أكد أنها تكون أقل في المسرح لأنه يقوم علي فكرة " الديالوج ". ومن الإشكاليات أيضا بدأ الدكتور جمال ياقوت حديثه فأكد أن المسرحية وضعته في إشكالية ، وجعلته يطرح سؤالا علي نفسه : عند الكتابة للأطفال هل يفترض أن يتم ذلك بلغة يفهمونها فنقع في فخ السطحية ؟ أم نكتب بمستوي أعلي ؟ لكنه حسم التساؤل بتأكيده علي أنه يفضل الكتابة بمستوي أعلي ، وأضاف أن معظم المسرحيات المكتوبة للأطفال تقع في شباك السطحية والسذاجة . وأوضح أنه قرأ العمل من وجهة نظر المخرج المسرحي ، ووجد أنه أمام عمل غير تقليدي ، لكنه انشغل بسؤال : " مين كتب إيه ؟ " ، فرغم وجود كاتبين للعمل إلا أن هناك " هارموني " واضحا يجعل السياق واحدا ، واعترف بأنه واجه صعوبة في قراءة المسرحية ، وأوضح :" وضعني العمل أمام تحد كمخرج علي المسرح ، فهو يوقعني في مليون فخ ، كما أنها تحتاج لميزانية ضخمة في حال الرغبة في تحويلها إلي عرض مسرحي " ، وقرأ بضع عبارات وصف فيها المؤلفان التفاصيل التي تخيلا عليها شكل خشبة المسرح في أحد المشاهد ، وأكد أن تنفيذ هذه العبارات وحدها وفق هذا التصور يتكلف 15 ألف جنيه . وأكد أنه وجد مشكلة في حوار العمل لأنه يتضمن موضوعات ذات قيمة علمية كبيرة لكنها تحتاج إلي تبسيط أو توضيح ، وأشاد بوجود توضيح لها في نهاية العمل لكنه تساءل : لماذا لم يتم تضمينه في النص بطريقة ما ليسهل فهمه ؟ وهو ماعلق عليه المؤلفان في نهاية الندوة مؤكدين أنه تم شرحها بشكل بسيط داخل العمل ، أما الإشارة لأسس النظريات العلمية في نهاية العمل فقد أضيفت لأي قاريء يريد المزيد من المعلومات ، وأشارا إلي أن المناهج التعليمية تتناول نظريات ربما تكون أكثر تعقيدا ثم عاد الدكتور ياقوت ليؤكد جدية النص الذي يتوجه للأطفال بفكرسياسي ويطرح أفكارا جادة بعيدة عن السذاجة ، وقال : " لكن لابد من مراعاة الحذر لأن الحوار مستواه عال وأنا أؤيد ذلك ، لكن المشكلة تظل في المعلومات التي يتضمنها ، فهو مليء بالمصطلحات العلمية " ، وتطرق إلي كلمة النظام التي تكررت كثيرا في المسرحية ، مؤكدا ان فكرة العمل سياسية في المقام الأول ، فهو يركز علي فكرة المدينة الفاضلة التي روج لها النظام ، ورددها الأرقام وراءه ، وأوضح للحاضرين أن " الأرقام " هم الأطفال الذين نزعت عنهم إنسانيتهم . واعترض علي النهاية التي وصفها بأنها محاولة لتهذيب الثورة ، حيث أنها لم تتناسب مع مستوي الأحداث المتصاعد . وهو الأمر الثاني الذي تحفظ عليه المؤلفان وأشارا إلي أن النهاية شغلت حيزا طويلا من تفكيرهما ، وفي النهاية قررا أن ثورة الأطفال بطريقة مبالغ فيها كانت ستتناقض مع سياق العمل ، فليس منطقيا أن يتغير ميراث الامتثال للأوامر في لحظة ، لهذا اكتفي الأطفال بالتعبيرعن عدم قناعتهم بأوامر النظام وتركوا فرصة التغيير للكبار. وبدأ الشاعر والكاتب المسرحي ميسرة صلاح الدين مداخلته بالتأكيد علي أن الكاتبين دخلا 3 حقول ألغام في وقت واحد ، الأول هو اختيار الشكل المسرحي في وقت تراجعت فيه فكرة نشره ككتاب . ورأي أن الرواية كانت يمكن أن تصبح شكلا أكثر سهولة يتناسب مع البناء العلمي للعمل ، والثاني هو اختيارهما مجال الخيال العلمي ، وتطرق إلي نماذج من كتابات الخيال العلمي السابقة، أما حقل الألغام الثالث فهو الكتابة للأطفال في سن لا نستطيع أن نجزم أنه سن طفولة ( العمل مخصص للأطفال فوق سن الثانية عشرة ) . وفي رد غير مباشر علي السؤال الذي طرحه الدكتور جمال ياقوت عن دور كل من المؤلفين في العمل ، أعرب ميسرة عن اعتقاده بأن أحدهما وضع الاستراتيجية والقواعد ، بينما اهتم الآخر بالتفاصيل الصغيرة الخاصة بالأطفال . و شبه البناء الدرامي للعمل بالهرم المدرج الذي يتكون من ثماني درجات ، لكل درجة منها رقم ودلالة واضحة تعبر عن معضلة وجودية حقيقية ، وأشار إلي أن المؤلف استطاع أن يفرض منطقه ببراعة ليخرج العمل المسرحي في هذا البناء الهرمي ، فأرقام أبطال المسرحية تبدأ من الرقم 1 الأكبر سنا وتنتهي بالرقم 8 وهو الأصغر ، ينطبق هذا علي الأطفال كما ينطبق علي مجلس إدارة العالم ، ويري ميسرة ان الرقم 5 هو العامل الفعال في معادلة المسرحية ، فهوفي منتصف الطريق ، مازال يملك الأمل والرغبة في بعد أن تخلص من سذاجة الصغار، ليصبح مؤهلا كالأنبياء لكسر هذا النظام وخلق آخر جديد ومستقبل مختلف . وهو ما يتضح في تطور الأحداث التي تدور في عالم الأطفال ، وتلك التي تحدث بين أفراد مجلس الإدارة . ويعترض ميسرة بشدة علي أغنيتي البداية والنهاية مؤكدا ضعفهما وعدم تناسبهما مع قيمة العمل ، كما تحفظ علي جملة وردت في حوار بالمسرحية وأكد فيها أحد أعضاء مجلس الإدارة علي أن النظام احتفظ لكل إقليم بخصوصيته الدينية واللغوية وهو ما لا يتماشي مع القناعة التي بنيت عليها المسرحية ، خاصة أن فلسفة الأديان مبنية علي ثنائية الخير والشر ، فكيف يتم ذلك مع حذف كلمات الشر من قاموس هذا العالم ! وفي تعليقات الحضور كانت فكرة الكتابة المشتركة حاضرة أيضا ، هنا أوضح مؤلفا المسرحية إيهاب الحضري وإيمان الشافعي أن الفكرة بدأت لدي الأول لكن بمجرد أن بدأت الكتابة المشتركة تداخلت الأفكار لدرجة أن كليهما لم يستطع عقب الصياغة الأخيرة أن يحدد من كتب ماذا ، وأشارا إلي ان وجودهما في مكانين متباعدين جعل البريد الإلكتروني هو البطل ، فقد كان كل منهما يكتب ويرسل للآخر فيتولي استكمال الأحداث .