جدار دمشق

لماذا يلحُّ عليَّ خيالُ الحنينِ
و قلبي حزينٌ و يحتاجُ رفقا؟
أنا لا طريقَ لديَّ إلي الياسمينِ
لأحلمَ هذا المساءَ بوجهِ دمشقَ.
و لا مالَ عندي لشقِّ الطريقِ،
و لا حظوةٌ عندَ والي المدينةِ لي،
لأحنَّ إليها.
لماذا أحنُّ إليها؟
لأشقي... ؟
و كنتُ مشيتُ طريقَ الغبارِ،
طريقَ الدموعِ، طريقَ الدماءِ،
لألقي جداراً لوَالٍ جديدٍ
يردُّ خطايَ إلي بدئِها في القديمِ؟
و تبقي المدينةُ خلفَ الجدارِ
بأشباحها الميّتينَ تمدُّ الجدارَ
هياكلَ عظمٍ من الياسمينِ،
جماجمَ قتلي الجَمالِ،
و أصداءَ شعرِ الحنينِ،
ليسمُكَ هذا الجدارُ و يعلو
و يعظمُ، يرقي.
أنا ما وقفتُ بقربِ الجدارِ
لأحملَ صحنَ العبيدِ، و أبكيْ،
و أسألَ رزقا.
أعيشُ بشغلي، و إن كانَ رغماً.
أكرّرُ درسَ البلادِ البليدِ
عنِ الكاسدينَ من الأدباءِ
قضايا و شكلاً و ذوقا.
أعيشُ لأُملأَ بحرَ نظامي الوحيدِ
بشِعري لأَروي الجمالَ، و أُسقَي.
فدعْني ذ صديقي المحاربَ خلفَ
سيوفِ الخلافةِ دعْهُ،
و دعْ قارئيهِ لحلمي الجديدِ،
نريدُ التنزَّهَ خارجَ صفِّ الكلامِ،
نريدُ التساؤلَ خارجَ فتوي الإمامِ،
و نرفضُ خلقَ المزيدِ من الأنبياءِ
لتكبرَ ثروةُ هذا الإلهِ المجيدِ،
و يكبرَ ديناً و لوناً و عِرقا.
دمشقُ،
تعبتُ من السائسينَ خيولَ العروبةِ صوبَ
مهاوي الظلامِ بخندقِ هذا الجدارِ،
أيصلحُ قتلُ العروبةِ سَبْقا؟
دمشقُ،
سئمتُ ظلالَ الغريبِ
علي ثورةٍ في قلوبِ الحمامِ،
سئمتُ حمامَ الغروبِ يفرُّ بعيداً
ليسقطَ خلفَ غلالِ الغمامِ،
سئمتُ جدارَ الحصارِ الرهيبِ
يطالُ قصائدَ شِعري، مياهي، طعامي..
فتحتُ نوافذَ كلِّ الجهاتِ،
رأيتُ الجدارَ جنوباً شمالاً
و غرباً و شرقا.
دمشقُ، اذكريني
إذا ما أردتِ سقوطَ الجدارِ.
خذي من رياحي جمالَ العواصفِ رعداً
و برقا.
دمشقُ، اذْكريني
إذا ما هدمتِ الجدارَ،
و هرّتْ حجارةُ صوتيَ منهُ،
و سالتْ مياهُ القصيدةِ في الطرقاتِ،
لأبقي أحنُّ إليكِ، و أكتبُ شعراً،
يرقُّ بروحي، و يعذبُ، ينقي.
شاعر سوري