مفتتح ضع القليل من ..... و الكثير من ..... اخلطهم ببعض شكلهما كما تشاء . انفخ فيهما من روحك . و انتظر أن تدب فيهم الحياة، و لا تهتم لأيام عمرك التي ستتسرب منك رغماً عنك. وائل طه مش حاقدر آكل كل الساندوتشات دي يا ماما مش كلها ليك.. الكيس الاصفر ده تديه لأحمد. مربي برضه!! ايوه يا ابني.. مش هوه بيحبها؟! المربي كتير.. اللي من غير أم حاله يغم. ترن في أذني في ذلك الصباح الخريفي موسيقي همسة عتاب. لم اكن افهم معني الهمسة، ولم يكن في ذهني العتاب الذي لا افهمه أيضاً، ولكن رنين الكلمة في أذني كان يؤكد علي انني قد قاربت علي فراق المنزل للمدرسة. يدفعني قرآن السادسة إلي أن أكون ولدا مهذباً، يزيد من تلك الجرعة الصباحية، أصوات القداس في كنيسة المدرسة في صباح الخميس، تلك القاعة الصغيرة،في الدور الارضي التي يدخلها نصف الفصل، ويصعد النصف الباقي إلي الدور الثالث. تخطفني رائحة الحنوط وأنا اصعد السلم الرخامي الدافئ، واستطعم رائحة الشمع المحترق، وارغب في أن أصبح شمعة لا تحترق من أجل الآخرين، لا معني لدي لتلك العبارة الاكلشيه. نعم.. ارغب أن أكون مع الآخرين؛ من هم في الدور الأرضي،ومن هم في الثالث ايضا. تتحقق أمنية الشمل في الحصة الثانية، حين يدق الناقوس النحاسي المعلق في مدخل المبني القديم، المحلي بروائح الكرز اللبناني. في التاسعة إلا ربع تماما نلتقي ونتوزع علي (الدكك) ذات الفتحة العوراء، التي لم اعرفها دورها إلا حين سالت أبي عنها فأجابني بأنها مكان أيام العز، حينما كان يستخدمون الريشة- رمز الحرية في الكتابة، فكان المكان ل (دواية الحبر). أضع كيس الساندوتشات في هدوء دون أن اصدر صرير يزعج الحالة الصوفية التي أعيشها. اخرج كتاب النصوص و(الأجندة) التي كنت (أحل) فيها (الواجب). افرح بدخول الأستاذ (زاهر) بصلعته البهية(هكذا كنت أقولها بديلا عن جهلي بكلمة طلعته البهية) وذقنه البيضاء الخفيفة، وابتسامته الطيبة. يقرأ (جورج) القرآن منغماً، مقلداً الشيخ محمد رفعت ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا و اذكروا نعمة الله عليكم......)، وأحسده علي صوته الجميل في مقابل بحة البطة في صوتي. يقبله الأستاذ (زاهر) معقباً بكلمته الشهيرة(أحسنت) ثم يوبخ الباقين في لهجة لا تخلو من دعابة:" أنتم بقي الكتاتيب ليكم دوا" يضحك الجميع، ثم يصمتون سريعاً بعد دقة خيزرانته (التي لا يستخدمها سوي في الإشارة).انظر إلي ساعتي شاعراً بالجوع، فيتواطأ معي الجرس معلنا انتهاء الحصتين وموعد (الفسحة الصغيرة) تفترب مني وردتي الصغيرة، وهي تبتسم ابتسامة الندي الصباحية: بابا..زود المصروف شوية الكانز بقت بخمسة جنيه. اضحك وأمد يدي بورقة مالية جديدة: طب خدي كانز من التلاجة واشتري بالخمسة جنيه اللي انت عاوزاه. تشي عيونها الصغيرة بفرحة ملائكية و تباغتني بسؤال: طب عاوزة ساندوتش مربي جزر... اصلي سمعت واحدة صحبتي بتقول ان فيه مربي للجزر، فضحكت. انتظر حتي يغادر الجميع الفصل، و ينتظر مع احمد، لنمارس لعبة تسليم (البضاعة)، فاخرج الكيس بهدوء وأعطيه الكيس الأصفر. مربي الجزر جميلة اوي.. بتجيبوها منين؟ من عند ماما حبيبتي. علي فكرة ممكن اقسم معاك ساندوتش البسطرمة.. دي سخنة و لذيذة خالص ولو عاوز جبنة فلمنك معيا برضه. ننزل سوياً إلي (الحوش) وانزوي مبتعداً عن شلة (تامر)، مؤجلا لعب الكرة إلي الفسحة الكبيرة. أمد يدي مستخرجا (البريزة)، واتجه ل (أم علي) فتعطيني زجاجة (بريمو) مثلجة بطعم الفراولة. افرغ نصفها في الزمزمية، وأعطي نصفها له. نلتهم الأحاديث الساذجة مع ما جادت به علينا أمي، ومع آخر قضمة ينهي الجرس براح التناغم. تهرسنا الحصص والأيام، تمر ونحن راغبين في الوصول إلي حرية الكلية، ونحن لا نعرف أنها (أيامكم دي أحلي أيام.. بعدها تشيلوا الهم و المسئولية)، تلك هي عبارة أمي التي كانت ترددها دوماً. أتفوق وارتقي لكلية قمة وهمية، ويفشل هو ليدخل كلية الشرطة. تباعد بينا طبيعة الكليات، ودرس(صديقك هو صديقك الميري.. دعك من المدنيين المائعين)، و الكتافات ذات النجوم،والانبعاج الذي يصنعه رمز الهيبة علي يسار بنطلونه. التقي به مرة وحيدة، بلا سكر، كما لو كان استعراض لعضلات جسده التي برزت كبطل من أبطال الكوميكس. أتذكر افلام (ستالوني) و شوارزينجر) التي كنها نشاهدها علي شرائط الفيديو العتيقة عند صديقنا المشترك(جورج)،وأري عضلات عقله الهشة قد صارت شجرة من العُقد النفسية. ينهي لقاءنا الأخير سريعاً بحجة انه ذاهب للقاء بعض الأصدقاء أمام (......) بالمهندسين، أشهر أماكن لقاء بائعات الحب في أوائل التسعينات. أغادر نفسي إلي جورج،أفضفض له، فيهمس في اذني: "لا تأس لحالك.. ولا تسال لماذا".لحظتها عرفت معني الهمس وطعم العتاب.