شهدت جلسة تصويت جوائز الدولة لهذا العام تجاوزا لأسماء راسخة في الفن التشكيلي، منهم الفنان الكبير محمد صبري ( مواليد 1917)، الذي يعد رائد فن الباستيل، وله إسهاماته البارزة في مسيرة الفن المصري، وكذلك الفنانة المبدعة عايدة عبد الكريم صاحبة المسيرة الفنية المتفردة، فقد تخطتها جائزة الدولة التقديرية لسنوات، وتم الاصرار علي هذا التخطي، عندما لم يصوت لها أعضاء المجلس، رغم أنها كانت فرصتها الأخيرة، حيث إنها رشحت قبل رحيلها في مايو الماضي، وبذلك حرمت من جائزة تستحقها، ويضاف لذلك عشرات الأسماء التي رشحت لهذا العام منها: المعماري محمد توفيق عبد الجواد، والفنان عصمت داوستاشي ، والفنان التشكيلي عبد الفتاح البدري، والفنان مجدي عبد العزيز، والفنان محيي الدين وهبة ممن رشحوا لنيل جائزة الدولة التقديرية، والفنان سيد سعد الدين،والمعماري نبيل غالي، والفنان أحمد عبد الجواد، والفنان أحمد رجب صقر ، والمعمارية آمال أحمد عبده ، والفنان حامد العجمي، والفنان رأفت توفيق، والفنانة رانيا فؤاد أحمد، والفنانة سلوي رشدي، ود. سوزان جعفر ، والفنان طه القرني، والفنان عادل نصيف، ود.عماد الدين إبراهيم، والفنانة فريدة عويس، ود. فكري عكاشة، والفنان كريم سيد، والفنان محمد العلاوي، والفنانة ناهد الكرمودي، ممن رشحوا لجائزة التفوق ، والفنان د. أحمد نوار، ود. يحيي الزيني، والفنان عمر النجدي،ود.فؤاد تاج، ود.مصطفي عبد المعطي ممن رشحوا لنيل جائزة النيل. وقد تحاورنا مع عدد من الفنانين التشكيليين للتعرف علي رؤيتهم فيما يتعلق بقضية الفن التشكيلي وجوائز الدولة . عز الدين نجيب : غياب المعايير بالرغم من فوز عز الدين نجيب بجائزة الدولة التقديرية العام الماضي، إلا أنه لا ينكر أن هناك عدة إشكاليات متعلقة بمعايير الترشيح لجوائز الدولة وطريقة منحها ، فبداية يقول: إن واحدة من مشكلات الفن التشكيلي تتضح في تعدد فروعه التي ينبغي أن يكون لها جوائز مستقلة سنويا، لا أن يتم إدراجها مع سائر مجالات الفن الأخري كالسينما والمسرح والموسيقي وغيرها، حيث إن جائزة الدولة لها تأثير قوي لدفع الفنان في مضمار المنافسة وإعطائه القوة لمواصلة المشوار. ويضيف: إن الفرع الوحيد الذي يخصص جائزة سنوية للفنان التشكيلي هو الجائزة التشجيعية لكنها تُمنح لفرع واحد كل عام يتم الإعلان عنه، وربما تمر عدة سنوات قبل أن يتكرر الإعلان عن قبول أعمال في فرع ما مرة أخري، وبالرغم من ذلك تعتبر هذه الجائزة أحسن حظا من جوائز الدولة الأخري من حيث العدالة، لأن اللجنة التي تقرر منح الجائزة تكون من نفس التخصص، ومن ثم يكون لديها القدرة علي الحكم علي الأعمال المقدمة حكما منصفا قائما علي أسس منهجية ، علي عكس فروع الجوائز الأخري، التي يكون التصويت مفتوحا حتي لغير المتخصصين، ولذا فإن الفنانين الذين يحصلون علي الجوائز هم من يحصلون علي أعلي الأصوات من اللجنة الموسعة التي تضم جميع التخصصات ولذا نجد أن جوائز الدولة في التفوق نادرا ما تذهب لفنان تشكيلي بالرغم من استحقاق عدد كبير منهم لها. ويستطرد عز إن مشكلة جائزتي النيل والتقديرية أكبر حيث يتم التصويت من خلال كل أعضاء المجلس الأعلي للثقافة ويصل عددهم لستين، ومعظمهم ليس له علاقة مباشرة بالفنون التشكيلية إضافة إلي ذلك فإن وجود الفن التشكيلي ضمن فروع الفنون الأخري كالمسرح والسينما من الأمور المجحفة . ويري أنه لابد من زيادة عدد الجوائز المخصصة للفن التشكيلي حتي وإن قلت قيمة الجائزة المادية ، وأن يتم تحكيم كل تخصص من قبل لجان التحكيم من أبناء التخصص لأنهم الأدري والأقدر علي الاختيار. ويضيف عز لابد أن تمنح جوائز الدولة لمشاريع متكاملة ومنجز فني حقيقي لا أن تكون خاضعة للتقدير الشخصي ، حتي لو كان الفنان معروفا فلابد أن يكون الحكم علي منجزه الفني ، لأن البعض يرتكنون علي صناعة الإعلام لهم دون وجود منجز حقيقي ، ومن ثم نحن نطالب بأن تكون هناك طريقة أكثر مصداقية تعتمد علي معايير واضحة وليس علي الذائقة الشخصية. ياسر منجي: إشكاليات متعددة ومن جانبه يقول الناقد والفنان د. ياسر منجي عن وضع الفنون التشكيلية علي خريطة جوائز الدولة: أري أن جوائز الدولة في مضمار الفنون التشكيلية تمثل إشكاليةً متعددة التجليات؛ إذ هي تختلف، من حيث الظرف السياقي العام والآليات، عن غيرها من جوائز الدولة المرصودة للمجالات الإبداعية الأخري. فمن حيث الظرف السياقي العام، تُعَدُّ الفنون التشكيلية، مقارنةً بغيرها من الفنون، مجالاً يكاد يكون مغلقاً علي ذاته؛ حيث تكفي مقارنة سريعة بين عدد المتابعين والمتذوقين والمهتمين بهذا المجال، وبين غيرهم من متابعي الفنون الأخري، حتي نتبين مدي البَون الشاسع في الاهتمام، وهو الاهتمام الذي يتدرج نوعياً، بدايةً من فئة المتلقّي العام، مروراً بالمتلقي المثقف، صعوداً إلي المتلقي المحسوب علي شريحة النخبة المُنتجة للثقافة، كالأدباء، والموسيقيين، وفناني الأداء من محترفي الرقص والتمثيل... الخ، وانتهاءً بالمتلقي صانع القرار، المنتمي إلي طبقة رجال الدولة وإداراتها المؤسسية، الأمر الذي يؤثر تأثيراً حتمياً علي الشق الثاني من تجليات الإشكالية المذكورة، وهو شق الآليات الإجرائية، التي يتم تبَنّيها في تنظيم جوائز الدولة وإدارة مراحلها المختلفة، بدايةً من مرحلة الترشيح، وانتهاءً بمرحلة التحكيم والتصويت لصالح مرشح بعينه. ويستطرد د. ياسر قائلا : ويتبين التأثير المذكور بوضوح عند التفاتنا لمسألة مهمة، هي أن القائمين علي أمر مراحل التحكيم والتصويت في جوائز الدولة، هم من ممثلي شريحة النخبة المنتجة للثقافة، الذين يتمتعون بعضويات لجان المجلس الأعلي للثقافة، ويشاركون في المفاضلة والترجيح بين المرشحين لجوائز الدولة في كل فرع، استناداً إلي تقييم مُجمَل إنتاجهم في كل تخصص، وإلي ترشيح المؤسسات والهيئات والجمعيات التي تدعمهم معنوياً، فيما عدا جائزة الدولة التشجيعية، التي تتألف لها لجان تحكيم من أعضاء من ذوي الاختصاص في كل فرع. ويؤكد د. ياسر مجددا علي إشكالية معايير الاختيار قائلا : نري أن فرص نيل الفنان التشكيلي الجوائز المرموقة، وفي مقدمتها جائزة الدولة التقديرية، تكون رهناً بمدي حظه من الشهرة علي المستوي المؤسَّسي، بما يسمح لجهاتٍ داعمة، كالمؤسسات الأكاديمية والثقافية، بترشيحه وتعزيز إنتاجه، وبما يسمح لأكبر عدد ممكن من أعضاء المجلس الأعلي للثقافة أن يكونوا علي درايةٍ بسيرته وإنتاجه وإنجازاته علي امتداد مشواره الإبداعي، وهو ما لا يتحقق إلا في حالاتٍ قليلة لا يُقاس عليها، بسبب علاقات المثقفين، التي يسودها نظام الجُزُر المنعزلة، حيث لا متابعة حقيقية ولا تواصُل خلاف بين ممثلي الحقول الإبداعية المختلفة؛ فالأدباء مثلاً، علي اختلاف طبقاتهم، يكادون يكونون منقطعي الصلة بما يدور في أروقة الحركة التشكيلية المصرية، اللهم إلا في حالة أفراد يُعَدّون علي أصابع اليد، وحتي المتابعون منهم للفنون التشكيلية ومتذوقوها، تقتصر متابعتهم علي أعمال بعض كبار الفنانين من ممثلي جيل المخضرمين، وهو ما ينطبق علي المثقفين في باقي المجالات الأخري، الأمر الذي يكون له، ولا شك، تأثيرٌ فارق خلال مراحل الترجيح بين أسماء المرشحين للجوائز؛ وهو ما يبدو بوضوح عندما نستعرض أسماء العشرات من الفنانين التشكيليين، رحل أكثرهم، وما زال بعضهم علي قيد الحياة، ولم يُقَيَّض لهم نيل إحدي الجوائز، بسبب عدم إلمام معظم المحسوبين علي النخبة المثقفة بإبداعاتهم!! علي الرغم من السِيَر الإبداعية الحافلة لكلٍ منهم، والتي يصل الأمر في بعضها إلي تحقيق العديد من الإنجازات علي المستوي الدولي، من حيث المشاركة بالفعاليات العالمية الكبري، ونيل بعض الجوائز الدولية الرفيعة، وأحياناً اقتناء بعض أعمالهم مِن قِبَل متاحف قومية ودولية، غير أن ذلك كله لا يشفع لمعظمهم لدي المشاركين في التقييم والتصويت، للأسباب المتقدم ذكرها. ورأيي أن المشكلة ستظل قائمة، طالما ظلت ظاهرة الجُزُر المنعزلة حاكمةً علي علاقات المبدعين المنتمين لمجالاتٍ مختلفة. د. حمدي أبو المعاطي: لابد من لجنة متخصصة وربما كان أحد الحلول المطروحة فعليا هو فصل جوائز الفن التشكيلي عن سائر جوائز الفنون وأن يتم تحكيمها من قبل فنانين تشكيلين مختصين ، وهو ما أكد عليه د. حمدي أبو المعاطي رئيس قطاع الفنون التشكيلية قائلا : لقد طالبنا كثيرا بفصل الجوائز ، فالمشكلة التي لا يمكن إغفالها تتمثل في عدد التشكيليين الموجودين في اللجان المختصة باختيار الفائزين مقارنة بباقي الأعضاء، وهي نسبة غير كافية ، ولذا يجب أن تكون هناك عدالة في أعضاء اللجنة . وقد طرح د. حمدي إشكالية أخري تتعلق بدور الإعلام في صناعة النجوم ونشر الفنون التشكيلية والتي تؤثر في نهاية الأمر علي شهرة الفنان التشكيلي في الأوساط الثقافية ، حيث يقول : لابد أن نضع في الاعتبار الفارق بين المجالات، فممثل المسرح أو السينما هو أكثر جاذبية من كثير من الفنون ، وأسهل وصولا للجمهور ، فالسينما تدخل كل بيت ، لكن الفن التشكيلي لا يدخل كل بيت. أضف إلي ذلك أن الإعلام كان له دور كبير في ابتعاد الفنانين التشكيليين عن الأضواء، فلا يوجد برنامج تشكيلي مثلا يعرض في أوقات الذروة، بل تعرض برامج الفن التشكيلي في أوقات لا يشاهدها الجمهور كالثالثة صباحا أو السابعة صباحا، علي عكس البرامج المهتمة بالسينما ، فمثلا خلال مهرجان القاهرة السينمائي نجد أن هناك رسالة يومية لمدة 20 دقيقة، بينما لا نجد في الفعاليات التشكيلية الكبري تغطية مماثلة ، حتي ولو لخمس دقائق. ويضيف د. حمدي : هناك مجهود ضخم يبذله قطاع الفنون التشكيلية لنشر الفنون والوصول للجمهور، فبخلاف المعارض هناك ورش العمل، والمعارض الجوالة ، إضافة إلي إقامة احتفاليات تشكيلية في الأحياء الشعبية ، ولكن لابد من وجود دعم إعلامي لتلك الجهود ، بل مع الأسف نجد أن صورة الفنان التشكيلي في السياق الدرامي مشوهة ، حيث يترسخ في ذهن المتلقي الشكل البوهيمي، ونحن بحاجة لأن نغير صورة الفنان التشكيلي في الأعمال الدرامية والسينمائية أيضا وأن ندعم الجهود المبذولة للنهوض بالفن التشكيلي ونشره بين قطاعات المجتمع المختلفة ، نحتاج لوعي وثقافة مجتمعية للتعريف بمكانة الفنان التشكيلي. د. صلاح المليجي: ميراث لابد من تغييره إن تجاهل الفنانين التشكيليين ووجودهم خارج دائرة الضوء هي إحدي المشكلات التي يعاني منها الفنانون التشكيليون وصولا إلي تجاهلهم علي خرائط جوائز الدولة ، حيث يقول د.صلاح المليجي: مع الأسف الفنان التشكيلي مهما حقق يظل مجهولا ، فمثلا قلة هم من يتعرفون علي محمود سعيد أو محمود مختار من صورتيهما .. وحول جوائز الدولة يقول: لابد من إعادة النظر في الجوائز بداية من شروط الترشيح وجهة الترشيح ذاتها، حيث يجب انتقاء الجهات التي تقوم بالترشيح ، و تصبح الجهة التي تقوم بالترشيح تعتمد علي معايير واضحة ، كذلك لابد من إعادة النظر في شروط منح الجائزة ، التي أصبحت ميراثا لا يتغير ، فهي قائمة علي أفكار وقوانين وشروط غير ملائمة ، وهي بحاجة لتعديلات كي تعكس فعلا وضع المبدعين وحركة الإبداع ، فمثلا من الذي يحدد الفرع المعلن عنه في الجائزة التشجيعية ، وما هو منطق منح الجوائز الأخري ؟؟ ويضيف د. المليجي : لابد من وجود دراسة حقيقة لعملية الإبداع ، فهناك عمالقة في الفن التشكيلي لم يحصلوا علي أي من جوائز الدولة حتي الآن وهو أمر لابد من الوقوف عليه وتغييره. داوستاشي: مجموعة عوامل وربما كان الفنان عصمت داوستاشي أحد الأسماء المطروحة أيضا لنيل إحدي جوائز الدولة عن منجزه الفني والتي لم يحصل عليها حتي الآن ، حيث يقول: لم أسع أبدا للترشح لجوائز الدولة رغم استحقاقي لها منذ سنوات طويلة وليس الآن .. لعلمي باستحالة حصولي عليها لبعدي عن مجتمع المجلس الأعلي للثقافة الذي رفضت ان أكون ضمن منظومته منذ سنوات طويلة .. وإنما جاء ترشيحي لجائزة الدولة التقديرية في الفنون مرتين من أتيليه الإسكندرية .. ولن أسمح بعد ذلك أن ترشحني أي جهة .. وفي مصر قامات عظيمة لم ولن تحصل علي جوائز الدولة التي فقدت مصداقيتها منذ سنوات . ويري داوستاشي أن طريقة التصويت ليست وحدها التي تقف حائلا دون حصول الفنان التشكيلي علي حقه في جوائز الدولة وإنما هناك مجموعة عوامل تبعد الفنان التشكيلي عن الحصول علي هذه الجوائز منها أن الحضور الإعلامي للفنان التشكيلي قد يكون شبه منعدم بالنسبة لمجالات الفنون الآخري ، فالفنان التشكيلي عموما مبدع يعمل في صمت بعيدا عن الجماهير ويقدم أعماله التي قد تراها النخبة القليلة المهتمة بالفن ولا يجيد الدعاية لنفسه ولا يهمه ذلك . ويضيف داوستاشي أن القائمة المصغرة غالبا ما تحصر أسماء بعينها للتصويت معظمها من العاملين بالجامعات وحاملي درجة الدكتوراه والحاصلين من قبل علي إحدي جوائز الدولة الأقل ممن هو مرشح لها ..وغالبا يكون من أعضاء المجلس الأعلي للثقافة المعروفين وله تربيطات كثيرة .. كلها عوامل تبعد كثيرا من التشكيليين المتقدمين للجوائز من الحصول عليها رغم أن ما قدموه للحياة الثقافية والفنية مهم ومؤثر وأكثر مما قدمه من حصل علي الجائزة في فروع الإبداع الأخري . لذلك من الضروري تخصيص جائزتين علي الأقل للفن التشكيلي وأن يكون المعيار الأساسي هو الإنتاج الفني والتجديد والإضافة ومدي تأثيره في المجتمع .