طائرة الرئاسة لن تستعد للإقلاع من مطار القاهرة نحو واشنطن، قبل أن يأتى الخبر اليقين للرئيس مبارك أن أقباط المهجر لن يتحركوا، ولن يتظاهروا ولن يدفعوا نواب الكونجرس لإحراجه فى أول زيارة له للبيت الأبيض بعد طول انقطاع، الرئيس ومن معه يدركون جيدا ما قد يسببه أقباط المهجر من قلق قد يعكر صفو زيارة الرئيس.. إعلامياً على الأقل، ولذلك تبدو تحركات الدولة مقنعة فيما يخص التمهل، وإيفاد ما يشبه البعثات الاستطلاعية تمهيدا لزيارة الرئيس المنتظرة. التحركات التى تبذلها الدولة تبحث عن زيارة أكثر هدوءاً تمنح الرئيس الفرصة لوصل ما انقطع من الود مع البيت الأبيض، طوال فترة وجود الرئيس جورج بوش، وتؤكد فى الوقت نفسه أن الرئيس مبارك تعلم مما حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات، وما سببه له أقباط المهجر من إحراج ومتاعب أثناء زياراته للولايات المتحدة، لدرجة أن الرئيس مبارك بنفسه قال لوفد الكنيسة الذى اجتمع معه ظهر يوم سبت النور لعام 1980، حينما كان نائبا للرئيس، رداً على تحركات أقباط المهجر، وتوعدهم للرئيس السادات الذى كان يستعد وقتها لزيارة واشنطن: «مش احنا اللى نتحرك تحت لوى دراع، فأنتم دايما تصطنعون هذا التوقيت كلما ينوى الرئيس الذهاب إلى أمريكا تعملوا انتم فرقعة لتهييج الأقباط فى أمريكا لإحراج الرئيس والإساءة لسمعة مصر فى الخارج». نص اللقاء السابق ورد ذكره كاملا على لسان القس «أغسطينوس حنا» بمجلة «مار يوحنا» ،الصادرة عن كنيسة كاليفورنيا فى عدد ديسمبر سنة 2008 وهو يعكس حالة الهدوء والتأنى والحرص التى تتعامل بها الدولة مع زيارة الرئيس لواشنطن فى ظل تصعيدات أقباط المهجر وبياناتهم التى لم تتوقف منذ بدأت الأنباء تظهر عن استعداد الرئيس لزيارة واشنطن. وبناء على حالة القلق التى بدأها أقباط المهجر مبكرا، جاءت تحركات الإدارة المصرية واعية تماما، بداية من الزيارة السريعة لجمال مبارك الذى حرص خلالها على عقد أكثر من لقاء، وحضور أكثر من ندوة التقى خلالها بعدد من النشطاء السياسيين ونواب الكونجرس وقيادات المنظمات المدنية والحقوقية، وانتهاء ببقاء عضو لجنة السياسات الدكتور محمد كمال فى واشنطن، ليستأنف عملية التمهيد لزيارة الرئيس. التحركات المصرية تسير على قدم وساق، واتخذت الطريق السليم حينما قررت أن تدخل إلى العمق، وترفع غطاء الحماية الأمريكية عن أقباط المهجر، متوجهة إلى عدد من النشطاء الأمريكان ونواب الكونجرس، لخلق لوبى مشابه للوبى الذى يتولى رعاية أقباط المهجر، يمكنه مواجهته والضغط عليه والتأثير فيه إن أمكن، قاطعين بذلك أشواطا من الجدل غير المجدى مع أقباط المهجر فى الخارج وأقباط الكنيسة فى الداخل.. والتى كانت قد بدأت فى إحدى زيارات البابا شنودة السابقة لأمريكا، وهدأت بعدها الأمور لبعض الوقت، ولكن سرعان ماعادت نغمة البيانات والتهديدات مرة أخرى عقب زيارة جمال مبارك للبيت الأبيض. الحوار المباشر مع الرعاة الرسميين لأقباط المهجر فى واشنطن، هو سلاح الإدارة المصرية الذى جاء ذكيا على غير العادة من أجل التمهيد لزيارة بلا مشاكل، وقطع الطريق على أقباط المهجر الذين يستمدون شجاعتهم من هذا الغطاء الذى يوفره عدد من منظمات حقوق الإنسان، والمراكز البحثية وكثير من نواب الكونجرس تحت مسمى الاضطهاد الدينى أو حقوق الإنسان فى مصر، وهو ماكان واضحا فى تحركات أشهر الرعاة الرسميين لأقباط المهجر فى واشنطن «فرانك وولف»، عضو مجلس النواب الأمريكى عن الدائرة العاشرة لولاية فيرجينيا، وصاحب المشروع رقم 1303 تحت عنوان «مناداة مصر باحترام حقوق الإنسان وحرية الأديان»، الذى اقترحه على مجلس النواب لإدانة مصر بانتهاكات حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وهو المشروع الذى نشرت الواشنطن بوست فى وقتها أنه تم إعداده بمشاركة عدد من رموز أقباط المهجر فى أمريكا، واستقطب »وولف« من أجله 14 عضوا لدعمه ودعم أقباط المهجر، كان منهم 10 ينتمون للحزب الجمهورى و4 للحزب الديمقراطى أشهرهم «أرلف سبكتر». شكل «وولف» ومن معه مظلة حماية لأقباط المهجر، حينما ركزوا فى المشروع المقترح على الجانب القبطى، وجاءت الشكاوى والملاحظات فى أوراق المشروع متشابهة تماما مع الشكاوى التى ينشرها أقباط المهجر فى بياناتهم بشكل دائم، بداية من استبعاد الأقباط من المناصب العليا وانتهاء بعدم توفير الحماية للأقباط. «وولف» و«سبكتر» وغيرهما من النواب ومن المنظمات، شكلوا دون اتفاق مسبق شركة لرعاية تحركات أقباط المهجر، مستغلين حالة مميزة من التقاء المصالح بين أقباط المهجر الباحثين عن دور، وأعضاء الكونجرس ومنظمات أمريكا التى وجدت فى أقباط المهجر فرصة لخدمة مصالح أمريكا، سواء كان ذلك عبر توظيف هذا الملف من أجل الضغط على الحكومة المصرية، لإجراء الإصلاحات السياسية، أو استغلال دور مصر الإقليمى لخدمة أهداف أمريكا. ما يفعله محمد كمال الآن فى واشنطن، تحرك يحسب للحكومة المصرية حتى وإن كان فهم الجانب المصرى لضرورة حرمان أقباط المهجر من رعاتهم الرسميين قد جاء متأخرا، لأن نجاح المخطط الحكومى فى الضغط واللعب فى نفس المنطقة التى يلعب فيها أقباط المهجر منطقة خلق لوبى مساند من الناشطين والمنظمات والكونجرس - سيكون أفضل حل للقضاء على الصداع المسمى.. بأقباط المهجر.