منذ أن تلقح البويضة فى الرحم وتتم عملية الإخصاب، تبدأ بذلك مراحل حياة البشر وتتطور أطوار خلقهم وهم أجنة فى أرحام أمهاتهم، ثم يسخر الله ملك فيحدد نوع الجنين ورزقه وعمره وشقى أم سعيد كما أخبر الصادق المصدوق فى حديث ابن مسعود - رضى الله تعالى عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر أن الجنين إذا مضى عليه ثلاثة أطوار كل طور أربعين، يعنى أربعة أشهر يدخل عليه الملك ويأمره الله أن يكتب رزقه وأجله وعمله ويكتب هل هو شقى أو سعيد. لذلك فإن علامات السعادة والشقاء تظهر طوال عمر الإنسان فى الدنيا، فتبين لأى من الطائفتين هو ينتمى، والعاقل من أبصر تلك العلامات وأدرك تلك الدلالات ليرى إلى أى طريق يسير وعلى أى قرار فى الآخرة سيصل، وربما كانت هذه العلامات نواقيس تحذير وإشارات انتباه استبصرها الذين تابوا إلى الله أو الذين اهتدوا إلى هداه ليتبدل بهم الحال ويتغير بادراكها المآل فينجوا من طرق الأشقياء ليستقيموا على دروب السعداء، فهل لنا أن نتوقف لحظات لنراجع أنفسنا ونقيم وضعنا ربما نتذكر إحدى الذكريات التى مرت فى ماضينا ولم نع مغزاها فنتعلم منها لنعيش حاضرنا ونستشرف مستقبلنا واعين لما ندور فيه من فلك الحياة عسى أن ننتبه ويكتب لنا الله النجاة. علامات السعادة فى الدنيا كثيرة فهل تذوقت ثمار إحداها؟ هل رضيت بما قسمه الله لك وكانت القناعة تاج رأسك فلا تنظر إلى ما هو أعلى منك بل تنظر لما هو دونك فهل أنت كذلك؟ إذا كنت كذلك فأنت من السعداء، هل ترى أنك عضو نافع فى مجتمعك تقوم بواجباتك وتعرف حقوقك وتؤدى عملك بوازع دينك وضميرك؟ إذا كنت كذلك فأنت من السعداء، هل صبرت على بلاء مرض أو بلاء فقد مال أو عيال أو أى بلاء ابتلاك الله به واحتسبت ذلك عنده؟، إذا كنت كذلك فأنت من السعداء. هل تحرص على صلة الأرحام ومودة الجيران وأن تكون للناس من الأعوان؟ إذا كنت كذلك فأنت من السعداء، هل أطعت الله فيما أمرك به واجتنبت ما نهاك عنه؟ إذا كنت كذلك فأنت من السعداء، هل أمرت بمعروف ونهيت عن منكر إذا كنت كذلك فأنت من السعداء. هناك العديد والعديد من الأمور التى تقاس بها درجة سعادتك أو شقائك فى الدنيا قد تستثمرها لتجعل من نفسك نفسا لوامة تدفعك لفعل ما يسعدك فى الدنيا والآخرة، وتبعدك عما يسبب لك الشقاء فى الدنيا والآخرة فيستقم أمرك وتعيش حياتك راضيا مرضيا حتى تودع الدنيا بنفس مطئنة وتكون ممن ذكرهم الله فقال فيهم "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى" (الفجر). ومن المعلوم أن الدنيا مزرعة الآخرة وأن ما تزرعه هنا تحصده هناك فشقى الدنيا هو شقى الآخرة وسعيد الدنيا هو سعيد الآخرة يقول الله تعالى "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقى وسعيد (105) فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد (107) وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ (108)" (هود). أسأل الله لى ولك قارئى الكريم أن نكون من السعداء فى الدنيا والآخرة، وأن نخرج من الدنيا راضين مرضيين لنفوز بجنات النعيم إنه ولى ذلك ومولاه.