الناس تبحث عن السعادة في الدنيا، وهذا وهم كبير.. فالدنيا ليس فيها سعادة حقة ولاشقاء محضا.. فهذه وذاك موجودان في الآخرة فقط، السعادة في الجنة والشقاء في النار.. وهذا ما أورده العليم الخبير في قوله تعالي »فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد. وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ »هود 601- 801« وغير مجذوذ أي عطاء متصل غير مقطوع.. فالسعادة غير موجودة في الدنيا تحت كل الظروف، وأقصي ما نحصل عليه فيها هو المتاع، وفي ذلك يقول المولي عز وجل »وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع« (الرعد 62) ومتاع الدنيا قليل ولايقارن بنعيم الجنة »فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل« (التوبة 83) وعلي قلته فهو زائل ولاديمومة له »ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين« (الأعراف 42) وهذا الحين إما انتهاء الأجل أو زوال أسباب المتاع، أما في الجنة فالنعيم فيها سرمدي لانهاية له ولا انقطاع »لهم فيها نعيم مقيم« (التوبة 12) أما عن مكونات النعيم في الجنة فهي لاتقع تحت حصر، منها ما يمكن تخيله ومنها مالا يمكن تخيله، ويكفي أن أهل الجنة ينالون كل ما يشتهون بغير حدود ولاقيود، »وهم في ما اشتهت انفسهم خالدون« (الأنبياء 201).. نعود إلي وهم السعادة في الدنيا، فالبعض ينشدها في جمع المال وتكثيره من أي سبيل..بلا هدف .. فجمع المال يصير هو الهدف.. ومن المفارقات ان الملياردير الأمريكي برنارد مادوف بحث عن السعادة في تكديس الأموال لديه، حتي بلغ ما جمعه من أموال الناس بحجة توظيفها 56 مليار دولار »المليار ألف مليون« ماذا فعل بها أو ماذا كان يمكنه ان يفعل بها؟ لقد فعلت فيه تلك الأموال فعلتها، وهو مالم يحتسبه.. حوكم وقضت المحكمة عليه بالسجن 561 عاما »!« أي سيبقي في السجن ما تبقي له من عمر، وصودرت أمواله جميعها.. هل جلب له المال الكثير السعادة؟! وحتي قبل ان يحاكم ويسجن، هل كان سعيدا بما كان يفعله؟ أشك. وهناك من يبحث عن السعادة في المغامرات النسائية.. فهل جلبت المغامرات النسائية السعادة لأي أحد؟ لم نسمع بشئ من هذا، بل العكس.. فقد كانت تلك المغامرات دائما وأبدا مجلبة للدمار الأسري والسقوط الاجتماعي والفضائح المدوية لأصحابها.. ومن الناس من يبحث عن السعادة في امتلاك القوة والنفوذ.. وهذه أيضا أهلكت اصحابها، وأنهت حياتهم بشكل مأساوي يثير الشفقة علي هؤلاء الذين أولعوا بامتلاك السطوة واستمتعوا بها زمنا من حياتهم.. ثم كانت نهاياتهم علي غير ماتوقعوا. ومن الناس من ينشدون السعادة في الشهرة.. ان تسلط عليهم الأضواء، وان تنشر اسماؤهم وصورهم وأخبارهم في الصحف والمجلات، وترتب معهم اللقاءات الصحفية والتليفزيونية.. ثم عندما تنحسر عنهم الاضواء- ولابد يوما ان تنحسر- يرون حياتهم خالية من المضمون، ويتحسرون علي ما كان.. ولا عزاء.. فهل الشهرة جلبت لهم السعادة التي كانوا ينشدونها؟! أقول إن السعادة لا مكان لها في الدنيا، وما ينشده الناس بحثا عنها ما هو إلا وهم وسراب، وصدق الله العظيم »وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور« (آل العمران 581).. فلنعمل علي بلوغ السعادة الحقة حيث هي، أي في الجنة، والتي نستطيع أن ندخلها بالإيمان والعمل الصالح وبرحمة الله عز وجل..