اقتضت حكمة الله تعالي أن يعهد إلي آدم بالأكل من كل الثمار بالجنة سوي شجرة واحدة لتكون التربية الإلهية لعزم آدم وإرادته في الالتزام بهدي الله تعالي والتحرر من رغائب النفس وعدم الضعف امام المغريات وتلك هي التجربة الأولي التي يخفق فيها آدم ويغلب عليه الضعف البشري تجاه الرغبة في البقاء والرغبة في السلطان وهكذا زين له الشيطان: "قال يآدم هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي" طه: .120 وكانت هذه التجربة بمثابة تمهيد وتهيئة ليكون آدم خليفة بعد ذلك ولقد أدركت العناية الإلهية آدم فاجتباه ربه وهداه.. ثم صدر الأمر الإلهي إلي الخصمين ان يهبطا إلي الأرض مع تنبيه آدم بعداوة الشيطان.. "قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو" طه: .123 لقد بين القرآن الكريم أن النزول إلي الأرض والخروج من الجنة يتبعه شقاء وضلال وتعب وعناء: "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي" طه: ..17 فالشقاء إذن ينتظر آدم خارج الجنة.. ونلمح من سياق آيات القرآن الكريم أن هناك تمييزاً بين شقوتين لابن آدم في دنيا الناس: الأولي: شقوة عامة: وهي الكدح والتعب لتحصيل الأرزاق وانجاز الأعمال.. وتحمل الآلام التي تصيب الإنسان لفقد عزيز أو لمرض شديد.. أو لعدم وفاء صديق.. الخ وإلي هذه الشقوة أشار القرآن الكريم في آيات منها: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحاً فملاقيه" الانشقاق: .6 الثانية: شقوة خاصة وهي الشقوة التي تترتب علي المعصية وتفهم هذه الشقوة من سياق الآيات التي تتحدث عن الأثر الناتج عن انحراف العبد عن هدي الله تعالي من ذلك قوله تعالي: "ومن أعرض عن ذكري ُفإن له معيشة ضنكا" طه: .124 ولا سبيل أمام الإنسان للسلامة من الشقاء في الدنيا إلا باتباع هدي الله تعالي: "قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدي فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي" طه: .123 فمن استجاب لهدي الله تعالي ابدله الله مكان حياة الشقاء حياة النعيم والطمأنينة والسكينة والسعادة. وقال الله تعالي: "من عمل صالحاً من ذكر أو انثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" النحل: .97 وقال تعالي: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة" فصلت: 30. .31 أيها المؤمن الكريم.. انت في أمان من الشقاء باتباعك لهدي الله تعالي.. فالشقاء ثمرة للضلال ولو كان صاحبه غارقاً في المتاع فهذا المتاع ذاته شقوة شقوة في الدنيا وشقوة في الآخرة وما من متاع حرام إلا وله غصة تعقبه وقلق وحيرة تحيط به.. ولا ينبغي ان نغفل الشقوة الكبري يوم القيامة لأهل الكفر والشرك والعصيان. أما من اتبع هدي الله تعالي فهو في نجاة من الضلال والشقاء في الدنيا وفي الآخرة.. اللهم إنا نعوذ بك من درك الشقاء ومن خيبة الرجاء ومن زوال النعمة وفجأة النقمة.