أمر خطير جدًا ما حدث أمام أبراج النايل سيتى، على كورنيش النيل، من تعدى مجموعة من الأشخاص بالأسلحة والمولوتوف على هذه المنشأة، ونشوب معركة بين هؤلاء الأشخاص وبين رجال الشرطة والأمن المكلف بتأمين الأبراج، وسقوط عدد من الضحايا، بالإضافة إلى حدوث خسائر بالملايين. ولكن أتصور أن ما هو أخطر من ذلك هى تلك الفجوة، وذلك الفارق الرهيب الذى ظهر على السطح بين من معه وبين من ليس معه، من يتمتع بالملايين ويزداد ثراء، وبين ما يحرم من أبسط سبل المعيشة ويزداد فقراً، وهو ما كان جلياً وواضحًا وضوح الشمس خلال تلك الأحداث. إنها قضية العدالة الاجتماعية، والتى قامت من أجلها ثورة وأسقط من أجلها نظام كامل. فمازال هذا الوطن مقسمًا إلى قسمين: وطن الأبراج العالية والسيارات الفارهة والأموال بالملايين والمليارات، ووطن العشش الصفيح والسكن فى القبور والأكل من القمامة.. إنها مصر ومصر الأخرى، التى لم يعرف أحد عنها شىء. فالمنطقة التى حدثت بها هذه المعركة- وهى صورة مصغرة لما يوجد على أرض هذا الوطن- يوجد بها برجان يتجاوز قيمتهما حوالى نصف مليار جنيه ويضم عددا من أكبر الشركات والبنوك فى العالم يلاصقان المئات من العشش والمساكن العشوائية، التى يقطنها الآلاف من المواطنين المعدومين الذين لا يجدون قوت يومهم ويعانون منذ زمن بعيد من الإهمال وتردى مستوى معيشتهم، وكل ذلك نتيجة لتراكمات سنين من الفساد والاستبداد والظلم والقهر وعدم وجود بعد اجتماعى فى السياسات الاقتصادية، التى جعلت الثرى يزداد ثراء والفقير يزداد فقرا وحقدا على الغنى. والنتيجة كانت بناء الآلاف من المناطق العشوائية فى كل ربوع مصر بلا كهرباء ولا مياه ولا صرف صحى ولا حد أدنى لمستوى الحياة الكريمة لأى مواطن (يوجد حوالى 383 منطقة عشوائية فى مصر وفقا لإحصائيات وزارة الإسكان فى يناير 2012)، وبالتالى أصبحت هذه المناطق قنابل موقوتة تنتظر الانفجار فى أى لحظة، وأصبحت مأوى للإرهابيين والبلطجية والخارجين عن القانون، وأوكارا للمخدرات والدعارة...إلخ. إن الوضع أخطر من مجرد تعدى مجموعة من المواطنين على مبنى وإحراقه، فهؤلاء – وغيرهم- يتعرضون منذ سنين للتهميش فى وطنهم، ويشعرون بأنهم فئة ضالة فى المجتمع ويجب التخلص منهم لأنهم عالة وحمل ثقيل. لقد قامت ثورة 25 يناير من أجل إعلاء قيمة العدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق الرهيبة بين الطبقات، بحيث يشعر كل مواطن بأنه يعيش حياة كريمة هو وأسرته، وأعنى بحياة كريمة هنا وجود مستوى تعليمى وصحى جيد، مواصلات آدمية، طرق معبدة، شبكات صرف صحى وكهرباء جيدة... إلخ وإن لم نستطع تحقيق هذا الهدف السامى من أهداف الثورة وهوالعدالة الاجتماعية، وتوفير حياة معيشية مناسبة لكل مواطن على أرض مصر، وإذا وجدنا إنساناً فى مصر مابعد ثورة 25 يناير يأكل من القمامة أو ينام على الأرصفة، فنحن فى انتظار كارثة وثورة جياع قادمة لا محالة ستكون أشد خطورة وأكثر دموية وستقضى على الأخضر واليابس.