فقراء مصر جزء من فقراء العالم وكذلك أغنياؤها. فالعالم فى أيامنا هذه، أيام العولمة الرأسمالية ينقسم انقساما حادا إلى عالمين: عالم الفقراء وعالم الأغنياء. عالم اليوم الذى يضم 6.8 مليار إنسان عبارة عن محيط من الفقر والبؤس تتناثر فيه جزر من الثراء والرفاهية (بعضها فى مصر). ومن بين الذين يعيشون فوق جزر الرفاهية والثراء 497 شخصا (بنسبة 0.008% ثمانية من المائة ألف فى المائة) يستحوذون على 3.5 تريليون دولار أى أكثر من 7% من الناتج المحلى الدولى، كما أن بهذه الجزر 10.1 مليون مليونير (نسبة 0.15% خمسة عشر من المائة فى المائة) يستحوذون على 41 تريليون دولار أى 76% من الناتج المحلى الدولى وبين هؤلاء 103.000 ملياردير ولا يزيد كل أهل جزر الثراء والرفاهية فى العالم أجمع على 20% من سكان المعمورة أما بقية سكان العالم 80% فيضمهم محيط الفقر الواسع. ويضم محيط الفقر الواسع على النطاق العالمى 20.5 مليون فقير مصرى فقرهم مدقع وفقا لتقدير أحمد السيد النجار رئيس التقرير الاقتصادى الاستراتيجى و35،8 مليون مصرى يقل دخلهم اليومى عن دولارين (أى 174 جنيها شهريا)، أما إذا أخذنا بحد الفقر فى الولاياتالمتحدةالأمريكية (10 دولارات يوميا 55 جنيها) فإن 80% من المصريين يقعون تحت خط الفقر. وأهل جزر الثراء والرفاهية الذين لا تزيد نسبتهم على 20% من أهل مصر يستحوذون على 43.6% من الدخل القومى، بينما لا يحصل أفقر 20% من أهل محيط الفقر على أكثر من 8.6% من الدخل القومى. وترتبط جزر الثراء فى مصر مع جزر الثراء فى كل مكان فى العالم بروابط المصالح والتعاون وبخطوط الطيران بالطبع. كما أن نمط حياة سكانها يتشابه إن لم يكن يتطابق مع نمط حياة أهل جزر الثراء العالمى. وأهل محيط الفقر والبؤس العالمى الذى يضم فقراء مصر يزدادون فقرا وأهل جزر الثراء والرفاهية العالمية، التى تضم أثرياء مصر يزدادون ثراء. ويرتبط مستقبل الفقراء فى مصر بمستقبل الفقراء فى العالم.. فأى مستقبل ينتظر الفقراء؟ يمكننا أن نضع تصورات أو سيناريوهات ثلاثة لما يمكن أن تكون عليها أحوال التفاوت والفقر فى مصر فى المستقبل مستعينين بما قدمه باحثون عالميون ومصريون مثل هاموند وسمير أمين وإسماعيل صبرى من سيناريوهات لمستقبل العالم بصفة عامة ولمستقبل الفقر بصفة خاصة. السيناريو الأول..استمرارية السياسات الحالية هو ما سماه آلن هاموند سيناريو عالم السوق وما سماه سمير أمين بتحديث الفقر، وما سماه مشروع مصر 2020 السيناريو المرجعى أو هو امتداد لما هى عليه الأوضاع حاليا فى مصر. الذى يتم فيه الحديث عن مشروعات متنوعة للتخفيف من حدة الفقر أو حتى إزالته وفقا لوصفات البنك الدولى مثل مشروعات الأسر المنتجة والقروض الصغيرة وإيجاد فرص عمل جديدة للشباب ورفع الحد الأدنى للأجور وتوفير مياه الشرب النقية وتحسين أحوال العشوائيات.. إلخ، دون المساس بمبدأ السوق الحرة أو دون التطرق إلى موضوع إعادة النظر فى توزيع الدخل القومى، وبالطبع دون طرح ومناقشة موضوع العدالة الاجتماعية بشكل جدى مع الاستمرار فى إهدار إمكانات مصر المادية والبشرية وعدم التوسع العمرانى واستمرارية سيادة مصادر الدخل القومى الريعية (السياحة قناة السويس البترول تحويلات المصريين فى الخارج) على مصادر الدخل الإنتاجية (الصناعة الزراعة)، واستمرارية انتماء مصر لما أسماه سمير أمين «العالم الرابع» أو العالم المفعول به، وعدم الانتقال إلى العالم الثالث أو العالم الفاعل والمساهم فى المنظومة الرأسمالية الدولية (الصناعية) مثل بلدان جنوب شرق آسيا. وفى هذا السيناريو تزداد نسبة الفقراء فى المجتمع المصرى وتزداد أحوالهم سوءا، حيث يزداد سكان العشوائيات وتزداد معاناة الفقراء مع ارتفاع التضخم وغلاء الأسعار، مع ثبات الدخول مع تدهور مستوى الخدمات وخصخصتها: التعليم الصحة السكن المواصلات الثقافة.. إلخ وتزداد حدة المشكلات الاجتماعية مثل تعاطى المخدرات الجريمة بشكل عام والتحرش الجنسى والاغتصاب. وقد أفضت فى دراستى عن أنساق القيم الاجتماعية ومستقبل التنمية التى نشرت عام 1980 ضمن تقرير مشروع ايدكاس 2000 فى رصد ما أصاب نسق القيم الاجتماعية من تدهور، وتوقعات ما سيحدث لها فى المستقبل، حيث صدقت هذه التوقعات الآن: مزيد من تدهور أنساق القيم الاجتماعية وسيادة ثقافة الاستهانة بقيمة الإنسان وشيوع الفساد وتدنى قيم الانتماء للوطن وسيادة مشاعر الاغتراب والتطرف الدينى والتوترات الطائفية وانتشار أشكال العنف المختلفة والعنف المضاد والبطالة.. إلخ. الأخطر من ذلك زيادة حدة التفاوت بين الفقراء والأغنياء، وتدنى أحوال الطبقة الوسطى واستمرارية هبوطها إلى طبقة الفقراء. واستمرارية هذا السيناريو وعدم التوقف لإعادة النظر فى تبنى مبدأ السوق غبر المنضبط واستمرار الانحياز لأنشطة غير إنتاجية وللفئات الثرية والطفيلية يمكن أن يؤدى بمصر إلى السيناريو الثانى الأخطر الذى سماه هاموند سيناريو «القلاع الحصينة». السيناريو الثانى..انحدار الأوضاع والسياسات عما هى عليه وهو ما بدأت مظاهره بالفعل خلال السنوات العشر السابقة وهى آخذة فى الاتساع الآن حيث يحدث استقطاب اجتماعى حاد يرتبط لأول مرة فى التاريخ المصرى باستقطاب مكانى: مجمعات سكنية كالقلاع الحصينة محاطة بأسوار عالية وعليها حراس (جزر الثراء والرفاهية) فى أماكن نائية عن الكتلة السكنية الفقيرة (أو محيط الفقر).. وقد بدأت هذه الظاهرة فى محافظتى القاهرة والإسكندرية ثم أخذت تزحف إلى باقى محافظات الجمهورية. إن ما يحدث فى العالم من استقطاب حاد للغنى والفقر على مستوى المناطق والدول يحدث معه فى نفس الوقت استقطاب حاد على مستوى المجتمع المصرى. وفى رأينا أن هذا السيناريو لابد أن يؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسى وتهديدا للسلام الاجتماعى، ويسود فيه هدر الإمكانات المادية والبشرية للمجتمع المصرى دون حدوث تنمية حقيقية يتم فيها استثمار جميع المصادر الطبيعية والبشرية وتعود بالنفع على المجتمع، ولابد أن يفرز هذا الاستقطاب الحاد صورا من العنف والعنف المضاد والقمع بل ومن الفوضى. السيناريو الثالث..وهو السيناريو الذى سماه سمير أمين: السوق المقتن أو المجتمع المتحول كما سماه هاموند وهو ما يمكن أن يتحقق إذا ما أدركت النخبة الحاكمة مخاطر سيناريو القلاع الحصينة عليها هى ذاتها واضطرارها للخضوع للضغوط الشعبية المتزايدة والإنصات لأصحاب الفكر المستنير بين صفوفها، وبالتالى سماحها بقدر من الديمقراطية الحقيقية ذات مضمون اجتماعى يقوم على تحقيق قدر من تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والسياسات الاقتصادية الرشيدة. ويتسم هذا السيناريو باستمرارية حالة الفقر ولكن مع قلة حدته وعدم اتساع نطاقه والتضييق النسبى للفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين الريف والحضر والاقتراب النسبى من الانضمام لدول العالم الثالث الفاعلة فى المنظومة الرأسمالية العالمية وذات المستوى المرتفع من التصنيع بدلا من استمرارية الانتماء لدول العالم الرابع (المفعول بها وغير المصنعة). وهذا السيناريو هو ما يدعو إليه فريق من المثقفين ومن دعاة الإصلاح الاجتماعى فى مصر. ومن نماذج الجهود فى هذا الاتجاه وثيقة مستقبل مصر التى أعدها 39 مثقفا ومفكرا من اتجاهات مختلفة بعنوان: «مستقبل مصر نحو بناء دولة عصرية مدنية وديمقراطية». وقد دعت الوثيقة إلى ما سمته المواطنة الكاملة، التى حددت معالمها فى اكتساب الحقوق بأبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واقتسام الموارد العامة للبلاد فى إطار عملية إنتاجية، على أن تتم هذه الحركة دون أى تمييز سواء بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق أو المكانة أو الثروة. ومن أمثلتها أيضا مشروع صياغة رؤية مستقبلية لمصر عام 2030، الذى قام به مركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بمشاركة مجموعة من المؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدنى، وذلك فى الفترة من 2005 إلى 2007.