يلجأ كثير من المحتالين إلى حيلة رغم تكررها، إلا أننا عادة ما لا نأخذ العبرة منها، تلك الحيلة هى حيلة الضوضاء، فالمحتال يجد فى بيئة الضوضاء التربة الصالحة لنجاح مخططاته، إنه يكره المنظمين والمرتبين، والأماكن الهادئة، عادة ما تجده فى أى زحام، مثلما تجد النشال فى الأتوبيس أو السوق، حتى إن كانت الضوضاء غير موجودة، يخطط لصنعها حتى يستدرج فريسته، مثل من يفتعل بعض المشاكل ليلم الناس حول المتشاكلين، بينما يقوم النشال بعمله بسهولة فى الضوضاء. وعلى نفس تلك الحالة قد تجد من يحافظ على الضوضاء السياسية حتى تنجح مخططاته وتمر على الأذهان، تلك الأفكار التى إن عرضت وتم مناقشتها فى هدوء لما قبلها عقل ولا استساغها ضمير، وحين تصل النفس إلى درجة الاختناق من حالة الضوضاء، قد تجد العقل يقبل بأى حل مهما كان بدون تفكير، المهم أن تنتهى حالة الضوضاء. من هنا تكمن أهمية النظام والطابور كمثال على النظام، ففيه تجد الصبر ممن يقف فى آخر الطابور حتى يأتى دوره، إن الجميع راضون بمكانهم من الطابور إن سار حسب نظام صارم لا يميز الواقفين فيه على الآخرين، إن سار حسب قانون يعطى كل ذى حق حقه، أما إن صنع الطابور بغير قانون ينظمه يرضاه الجميع ويحافظ عليه، فإنه سيكون ذريعة لمزيد من الضوضاء التى تيسر المجال لكل مجرم أن ينال من فريسته ما يريد. إن البداية دائماً من قانون ينظم المجتمع وقضاء عادل يحكم به وأفراد حريصين عليه، أما إن تضاربت الأحكام والقوانين، وغاب الحرص على تطبيقها واحترنا فى فهمها، وغاب الحكم الرادع على مخالفتها، وانفرط عقد الطابور المنظم لشئون حياتنا، فلن يبقى أى منا فى مكانه الطبيعى، فالطابور به العديد من التجاوزات والألاعيب المستفزة، والتى تثير الغضب والسخط، وما من حل إلا أن يترك المرء مكانه فى الطابور لينال حقه بيديه أو بصوته المرتفع أو بقوة بنيته، وليذهب الطابور الذى لم يحفظ الحقوق إلى الجحيم، لكن هناك أشياء ذهبت إلى الجحيم أيضاً فى تلك الحالة، ذهب العدل، المنطق، الرأفة، الرحمة، ذهبت كل الأخلاق، وذهبت البيئة المناسبة لأى عمل نافع لتبقى البيئة المناسبة لينال كل مجرم ما يريد من فريسته.