«التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل    محافظ مطروح يلتقي قيادات المعهد التكنولوجي لمتابعة عمليات التطوير    تعرف على طقس غسل الأرجل في أسبوع الألم    تنفيذ 3 قرارات إزالة لحالات بناء مخالف خارج الحيز العمراني في دمياط    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    بايدن: الحق في الاحتجاجات الطلابية لا يعني إثارة الفوضى    صحيفة يونانية: انهيار القمة الأمريكية التركية.. وتأجيل زيارة أردوغان إلى البيت الأبيض    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتستولى على قرية أوشيريتين    الأهلي يطلب ردًّا عاجلًا من اتحاد الكرة في قضية الشيبي لتصعيد الأزمة للجهات الدولية    سون يقود تشكيل توتنهام أمام تشيلسي في ديربي لندن    صحة مطروح تتأهب لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    مهرجان كان يمنح ميريل ستريب السعفة الذهبية الفخرية    معرض أبو ظبي.. نورا ناجي: نتعلم التجديد في السرد والتلاعب بالتقنيات من أدب نجيب محفوظ    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    خالد الجندي: الله أثنى على العمال واشترط العمل لدخول الجنة    هيئة الرعاية الصحية بجنوب سيناء تطلق حملة توعية تزامنا مع الأسبوع العالمي للتوعية بقصور عضلة القلب    «كانت زادًا معينًا لنا أثناء كورونا».. 5 فوائد غير متوقعة لسمك التونة في يومها العالمي    حزب مصر أكتوبر: تأسيس تحالف اتحاد القبائل العربية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    «أكثر لاعب أناني».. مدرب ليفربول السابق يهاجم محمد صلاح    كوريا الجنوبية ترفع حالة التأهب القصوى في السفارات.. هجوم محتمل من جارتها الشمالية    عاجل| الحكومة تزف بشرى سارة للمصريين بشأن أسعار السلع    6 مصابين جراء مشاجرة عنيفة على ري أرض زراعية بسوهاج    مواعيد قطارات مطروح وفق جداول التشغيل.. الروسي المكيف    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    بينها إجازة عيد العمال 2024 وشم النسيم.. قائمة الإجازات الرسمية لشهر مايو    وزيرة البيئة تنعى رئيس لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    النجمة آمال ماهر في حفل فني كبير "غدًا" من مدينة جدة على "MBC مصر"    الفائزون بجائزة الشيخ زايد للكتاب يهدون الجمهور بعض من إبداعاتهم الأدبية    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    استشهاد رئيس قسم العظام ب«مجمع الشفاء» جراء التعذيب في سجون الاحتلال    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    ما هو حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام وكيفية القراءة؟    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    الخطيب يُطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة أفشة    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسطينيون يرفضون التوطن بمصر
الصحفية هبة نصر تروى على لسانهم
نشر في اليوم السابع يوم 08 - 01 - 2009

هبه نصر صحفية فى جريدة الأهرام إبدو الناطقة باللغة الفرنسية. قامت بتغطية العديد من الحوادث والمظاهرات وسافرت تقريبا إلى كل محافظات مصر. كان لها مغامرة صحفية مع الحدود الفلسطينية المصرية، السطور التالية تحمل تفاصيل هذه المغامرة.
كيف كانت الرحلة من القاهرة إلى رفح؟
توجهت إلى رفح أنا وزميلى المصور محمد عبده فى سيارة الأهرام، يوم الجمعة 2 يناير 2009، حيث تحركنا فى السادسة صباحاً. ولفت انتباهى قلة "الكمائن الأمنية" على طريق الذهاب إلى رفح، "اثنان أو ثلاثة كمائن على الأكثر" من القاهرة حتى العريش. إلا أنها كانت أكثر على الطريق العكسى.
ما هو الطريق الذى سارت فيه السيارة؟
كان خط سيرنا هو: القاهرة، الإسماعيلية، بداية طريق بورسعيد ثم كوبرى السلام، ثم توجهنا فى شمال سيناء حتى العريش، وبعدها وصلنا رفح المصرية. كنا نرى الكثير من السيارات تقف للتفتيش، خاصة سيارات شمال سيناء. وأعتقد أن هذا كان يتم تخوفاً من محاولات تهريب أو تسلل بعض الفلسطينيين بعيداً عن شمال سيناء. حتى الكمائن التى اعترضتنا كانت معاملتهم تتغير للأحسن بمجرد إبراز كارنيه الصحافة. عندما وصلنا، وجدنا الكثير من الإعلاميين ما بين أجانب وعرب ومصريين القادمين أيضا لتغطية أحداث رفح، بصرف النظر عن اختلاف اتجاهاتهم السياسية. الجميع لا يريد تكرار ما حدث فى الماضى القريب، خاصة بعد أحداث يناير 2008، عندما اجتاح الفلسطينيون الحدود المصرية خوفاً من حماس، وما حدث وقتها من هرج واضطرابات شديدة بمحافظة شمال سيناء، وهى الأحداث التى أدت بأهالى العريش بصفة خاصة، وشمال سيناء بصفة عامة، إلى تأييد فكرة غلق معبر رفح ومنع الفلسطينيين من العبور من خلاله.
لماذا يريد الفلسطينيون الخروج؟
معظم من قابلناهم يؤيدون بقاء الفلسطينيين صامدين ومقاومين ومناضلين، بصرف النظر عن المتسبب فى هذه الحرب: حماس.. فتح.. أو حتى إسرائيل..
صفى لنا ماذا رأيت فى رفح؟
أول ما لفت نظرنا عند وصولنا للعريش، تنديد الإعلاميين بموقف مصر، حيث كان أغلبيتهم يعارضون موقف مصر. أما أهالى العريش فكان أغلبيتهم مؤيداً للموقف المصرى فى غلق المعبر أمام الفلسطينيين.
ما هى المسافة بين العريش ورفح؟
حوالى 50 كيلومترا، أو ما يعادل نصف ساعة فى الطريق. ولما كان يوم الوصول هو يوم الجمعة، فقد توجهنا سريعاً لرفح حتى نصلها قبل صلاة الجمعة تحسباً لوقوع مظاهرات بعد صلاة الجمعة هناك.
وبعد وصولكم رفح؟
عندما وصلنا إلى رفح شاهدنا أكثر من 300 فلسطينى مكدسين خارج معبر رفح من الناحية المصرية فى انتظار أن يعبروا إلى غزة، وقد كانوا جميعهم من سكان غزة. سألتهم لماذا يريدون العودة إلى غزة تحت هذا الضرب العسكرى. "لماذا لا تبقون بمصر الأكثر أمناً الآن؟" فقالوا: "لا نستطيع أن نبقى فى مصر، والأولى بنا الذهاب لغزة دفاعاً عن القضية الفلسطينية". والحقيقة كان هذا الرد مفاجئا لى. لقد كنت أعتقد أن الفلسطينيين يريدون أن يهربوا من غزة لمصر عن طريق معبر رفح، وليس العكس..
من أين إذاً أتت إشاعة أن الفلسطينيين فى غزة يريدون أن يهربوا إلى مصر؟
كان هذا أول تضارب فى المعلومات يحدث لنا عندما وصلنا هناك. نحن حاولنا إقناعهم بالعدول عن فكرة العودة إلى غزة فى هذا الوقت والبقاء فى مصر حيث الأمان والهدوء. فكان ردهم: "لا.. نموت هناك وسط أهالينا وأولادنا وفى وطننا، خير لنا من الحياة فى أمن وأمان ونحن لا نعرف ماذا يحدث لأهلنا هناك"..
الملاحظة الثانية التى لاحظناها أنهم لا يأخذون معهم أى نوع من السلع التموينية، فى حين أن غزة محاصرة منذ فترة طويلة. وعندما سألناهم عن ذلك كان ردهم هو: "ممنوع مرور أى مواد غذائية خلال معبر رفح، ويسمح فقط بالمعونات الطبية. أما المواد الغذائية فتمر من معبر "العوجة" على بعد حوالى 70 كيلومترا من مدينة العريش". لذلك فهم خائفون أن تمنعهم السلطات المصرية من الخروج إذا كانوا يحملون معهم مواد غذائية.
وهل هذا يتم بالنسبة للكميات الكبيرة من المواد الغذائية؟ أم لأى رجل أو امرأة يحملان طعاما؟
أعتقد أن هذا يسرى على أية مواد غذائية. أنا رأيت شخصا واحدا يحمل زجاجة زيت، ولم أعلم ماذا حدث له بعد ذلك. لاحظت أيضاً أنهم يحملون العديد من الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات والغسالات وشاشات الكمبيوتر وأجهزة التسجيل، مما يوحى بأنهم عائدون ليعيشوا وليس ليموتوا.. وعندما سألتهم عن سبب ذلك، كان ردهم: "المصريون لم يفرضوا علينا أى نوع من الجمارك عند العبور، لذلك نحن نشترى البضائع ونأخذها معنا، فإذا عشنا استخدمناها أو بعناها، وإذا متنا، فذلك قدرنا".
كانت هناك أتوبيسات تأتى من داخل فلسطين لتقل هؤلاء المسافرين إلى غزة، وهذا يحدث عادة أثناء الضرب الإسرائيلى الذى كان يبدأ قبيل المغرب ويكون مكثفاً جداً خلال الليل. وكنا نسمع من مكاننا صوت قصف الطائرات والدبابات، والذى كان بالفعل يرهب البعض منا، وكان البعض الآخر تحدث لهم حالات اختناق بسبب الدخان والبارود الناتج عن القصف. ومع ذلك كان الفلسطينيون يصرون على العبور.
ما هى أنواع الطائرات التى كنتم تشاهدونها؟
الطائرة الوحيدة التى كنا نستطيع رؤيتها هى طائرة تسمى "الزنانة" وهى طائرة استطلاع بدون طيار، وظيفتها الأساسية الاستكشاف والتجسس. وقد وجدنا بعد فترة من مكوثنا هناك، أنه بعد مرور هذه الطائرة بحوالى ربع ساعة، كنا نسمع صوت انفجار. وكنا كصحفيين ومصورين قد اعتدنا ذلك واستعدينا له. وكان الضرب فى البداية فى كل الاتجاهات، ثم أصبح فى الأيام الأخيرة مركزاً على أماكن بعينها، وكان المصريون هناك يستطيعون تحديد الأماكن التى استهدفها الضرب مثل مطار غزة أو أهداف أخرى بالعين المجردة. وعندما كانت تسقط قنبلة قريباً من الحدود، كنا نسمع صوتاً يفقدنا توازننا خاصة عندما سمعناه للمرة الأولى. أولاً نسمع صوت الطائرة وكأنها تطير فوق رؤوسنا، ثم نسمع صوت الانفجار، بعدها بدقيقة نرى الدخان، مما يؤدى لحدوث خلل فى التوازن أثناء الوقوف.
هل لاحظت أن اليهود قد بدأوا القصف الجوى يوم السبت قبل الماضى؟ وكذلك بداية الغزو البرى كان يوم سبت أيضاً وهو يوم مقدس عند اليهود مفترض أن تتوقف فيه الأعمال والأنشطة؟
كثيرون لاحظوا ذلك معنا. قد يكون نوعاً من التمويه. عموما نهار السبت يكون هادئاً ولا يحدث فيه أى ضرب، ثم يبدأ الضرب مساءً، وقد يكون هذا لإعطاء الأمان للفلسطينيين ليتحركوا ويمارسوا حياتهم، فيفاجئوهم بالضرب فى المساء.
كيف يرى سكان غزة منع المواد الغذائية عنهم؟
أغضبنا كثيرا وجود حوالى 30 شاحنة مواد غذائية جاءت من مصر مخزنة على أرض استاد العريش، وذلك بسبب رفض إسرائيل لدخولها من خلال معبر "العوجة" وهو المعبر المخصص للمساعدات الغذائية.
ولماذا رفضت إسرائيل استلامها؟
لا أعرف. يبدو أنه كانت لديهم تعليمات بعدم مرورها من معبر "العوجة" فى الوقت الحالى، بزعم أن إسرائيل لم تسمح بفتح المعبر. وفى الأسبوع الماضى هطلت أمطار غزيرة، مما أدى إلى تلف المواد الغذائية وخاصة القمح وتلف الخضروات والفواكه.
هل هناك نقص فى لبن الأطفال؟
هناك مصادرة غريبة لألبان الأطفال. فالشاحنات تدخل من معبر رفح البرى وهو مخصص لعبور المعونات الطبية ومرور الفلسطينيين، على اعتبار أنه معونة طبية. إلا أن إسرائيل لا تعتبره معونة طبية، بل تعتبره معونة غذائية. لذلك فهى رفضت عبور الشاحنة إلا بعد تدخل عدد من الوسطاء والمسئولين المتواجدين هناك، ليقنعوا الإسرائيليين بأن هذه شاحنة معونة "طبية" وليست "غذائية".
كيف يتم نقل المصابين الفلسطينيين؟
يدخل الإسعاف الفلسطينى من المنفذ ويقف ليعطى بيانات المصابين. ويكون باب سيارة الإسعاف مفتوحا، والمصابون ليس لديهم الغطاء الكافى فى هذا البرد القارص، وتستغرق هذه العملية أكثر من 10 دقائق للتأكد من شخصية المريض. ولا يسمح بالدخول إلا للمصابين الذين لا ينتمون إلى أى جهات سياسية، وهذا ما فهمته من الإجراءات التى تتبع هناك.
هل يعنى هذا وجود شرط عدم الانتماء السياسى للسماح بمرور المصاب من معبر رفح؟
عدد المصابين وصل إلى 107 جرحى. وعند دخول المريض يتم سؤاله بعض الأسئلة هو والمرافق الذى جاء معه، ويأتى مسئول من جهات أمنية يعيد عليه طرح الأسئلة مرة أخرى. وبعض المرضى تكون حالتهم حرجة لا تستدعى أن يتوقفوا للسؤال أكثر من مرة للتأكد من إجابة الأسئلة ذاتها. ثم ينقل المصاب بعد التأكد من إجاباته أكثر من مرة من سيارة الإسعاف الفلسطينية إلى سيارة الإسعاف المصرية.
وكيف كان الهلال الأحمر المصرى يتصرف؟
أتت بعض فتيات الهلال الأحمر المصرى (متطوعات من القاهرة)، وبعض الأطباء ليصنعوا دائرة حول المصاب لضمان سرعة نقله بين السيارتين بعيداً عن المصورين والإعلاميين. وكانت الفتيات تلبس ملابس أنيقة للغاية، وأحذية ذات كعوب عالية تعيق الحركة، وتضع ماكياجا كاملا، وتضع عطوراً نفاذة جداً، وتتعامل مع الموضوع على أنه تسلية أو "تهريج".
وصادف أن إحداهن صرخت وهى تنقل أحد المصابين لأن يده مقطوعة ورفضت نقله وانصرفت.. أنا أرى أنه كان من المفروض أن يرسلوا فتيات أكثر التزاماً وأكثر جدية للحفاظ على صورتنا أمام الإعلاميين والمصورين، خاصة القنوات الفضائية، حيث أنهن أصبحن مثار سخرية الجميع.
ما هى المشاهد التى شدت انتباهك عند معبر رفح؟
من السهل الدخول لمعبر رفح. فكل المطلوب هو تقديم الكارنيه الصحفى، أياً كانت الصحيفة التى تعملين بها، ثم تسجيل الاسم والجنسية على الأوراق. عند وصولنا رفح، وجدنا الكثير من الشاحنات المنتظرة هناك يتم تحميلها. وقد حكوا لنا أنه فى اليوم الأول كان لا يسمح بالمرور إلى فى ساعتين فقط من اليوم، مما أدى إلى أن الجميع اشترك فى تحميل الشاحنات سريعاً: ترك الصحفيون أقلامهم وأوراقهم، وترك الأطباء والسائقون والموظفون ما بيدهم، وتعاون الجميع فى تحميل الشاحنات ومساعدتها على العبور.
أما الآن فالمعبر مفتوح وكل ما يحدث مجرد تفتيش روتينى للتأكد من أن الشاحنة تحمل معونات طبية فقط وليس أى شئ آخر. وبالفعل تم منع بعض الشاحنات كانت تحمل بطاطين وخيام من العبور. وسمعت أن هذه الشاحنات ذهبت لمعبر "العوجة" ومنعت أيضاً من العبور، كما رأيت أتوبيسات أخرى قادمة من غزة لنقل المواطنين ال 300 الذين يريدون العودة إلى غزة. كان يوجد أيضاً حوالى 20 سيارة إسعاف مصرية منتظرة بكامل معداتها وأطباءها.
كما لاحظت بعض الهرج وعدم النظام أثناء عملية انتقال المرضى من سيارات الإسعاف الفلسطينية إلى المصرية، وكانت تأتينا تعليمات من ميناء رفح البرى عند مرور طائرة "الزنانة" بعدم الهرج أو الجرى أو التواجد بجوار المبانى لاحتمال سقوط قنبلة فى أى لحظة، وكان الموقع المسموح به تواجد الإعلاميين فى وسط المعبر تماماً.
ما هو متوسط عدد الساعات التى كنتم تقضونها فى المعبر؟
كنا نذهب فى الساعة التاسعة صباحاً ونعود إلى العريش فى الثانية عشرة ليلا.
وأين كان مقر إقامتكم هناك؟
فى العريش، لأنه لا توجد أماكن للمبيت فى رفح. إلا أن بعض الصحفيين كانوا يعرفون أهالى من رفح فكانوا يبيتون عندهم.
نحن نرى على الفضائيات القنبلة التى تسقط على الأرض فيخرج منها نار، ثم يتصاعد منها الدخان مما يحجب الرؤية، فهل رأيت شيئا مثل ذلك؟
نعم.. رأينا بعض القنابل التى تومض فى السماء وذلك وقت سماع صوت الانفجار، ثم نرى الدخان عندما تسقط القنبلة على الأرض وكأنه بركاناً ينفجر، ثم يتكاثف الدخان حتى يحجب الرؤية تماماً وتنتشر رائحة البارود حتى وإن كان الضرب فى شرق غزة. ويمكن أن يتسبب هذا الدخان باختناق من لديه مشاكل فى التنفس. ويطلق على هذه القنابل "القنابل الارتجاجية"، وهى تمتص الأكسجين فى المحيط الذى تنزل فيه، كما أن هدفها تدمير البنية التحتية فى عمق يصل إلى 15 كيلومترا داخل الأراضى الفلسطينية، وتحدث هزة أرضية عنيفة فى رفح ترج كل المبانى.
من هم المسئولون عن معبر رفح؟ وما رتبتهم؟
يوجد بعض العساكر وضباط الشرطة ممن يرتدون الملابس العسكرية، ويوجد بعض من يلبسون الملابس المدنية وذكروا أنهم من المخابرات العامة، وكانوا يتعاملون معنا بمنتهى الاحترام.
هل كان يوجد تفرقة بين معاملة الصحفيين المصريين والصحفيين الأجانب؟
لا، كان الجميع لهم المعاملة نفسها، بلا امتيازات لهذا على حساب ذلك.
هل شاهدت أى عناصر من الجيش الإسرائيلى أثناء تواجدك بالمعبر؟
لا. ولكن عندما يفتح المعبر نرى الشارع الرئيسى لرفح الفلسطينية، ونشاهد العلم الفلسطينى وبعض الفلسطينيين إذا تصادف تواجدهم بالشارع. وعندما كنا نقابل بعض الفلسطينيين الذين يأتون مع سيارات الإسعاف، كانوا يقولون إن قضيتنا اليوم ليست "من المتسبب فى ما يجرى؟"، وكانوا يطالبون الدول العربية بسرعة وقف إطلاق النار وضرورة توحيد الصف العربى، وأن نقف معهم كقضية فلسطينية شاملة: "ليس هذا وقت مناسب نحاسب فيه بعضنا نحن الحمساويون أو الفتحاويون، ولكنه وقت توحيد الصفوف للخروج من هذه المحنة".
بالمناسبة، يمكن أن أرى غزة كلها إذا وقفت على سطح أحد المنازل العالية بمدينة رفح، وكذلك يمكن رؤية غزة من حى البراهمة أو حى البرازيل حيث الأرض هناك مرتفعة.. عموما نستطيع رؤية غزة كلها من سطح أى منزل. فى المقابل، يمكن أن نرى إسرائيل من خلال معبر "العوجة". والمقارنة بينها وبين غزة مؤلمة: الدمار وأطلال مهجورة فى غزة، وهدوء واستقرار فى المستوطنات الإسرائيلية.
هل توجد فى غزة شوارع ضيقة، مثلما نشاهد فى وسائل الإعلام؟
نعم. عندما ننظر لغزة من حى البراهمة نرى أنها مجموعة عشوائيات غير منظمة، وبلا أى تخطيط عمرانى. وكان يقال إن غزة أفضل مدينة فى فلسطين قبل الاعتداء، ولكننا نشعر أنها دمرت تماماً الآن، وأن سكانها بين الحياة والموت فاقدين كل أمل.
ما هو موضوع الأنفاق؟
أعلنت إحدى القنوات الفضائية عن اكتشاف 40 نفقا بين الحدود المصرية والفلسطينية، بخلاف ال 300 نفق التى اكتشفتهم مصر. ويذكر الإسرائيليون أنه مازال يوجد 1200 نفق لم يتم تدميرها بعد.
هل رأيت أحد هذه الأنفاق عن قرب؟
لقد دخلت معظم البيوت فى رفح، ولا يوجد أى آثار تدمير لأنفاق محفورة داخل هذه البيوت، أو أى بيوت مهدمة.
أى أن هذا فى تصورك هو إدعاء كاذب؟
نعم... نحن لم نجد هؤلاء ال 40 نفقا المهدمة كما يدعون. الناس فى رفح تتمنى أن يكون هناك أنفاقا ليستطيعوا مساعدة إخوانهم الفلسطينيين.. فليس من المعقول أن تسلم مصر المعونات والأغذية إلى الإسرائيليين ليوصلوها هم إلى غزة. فكيف بالله عليك الذين يقتلونهم يطعموهم؟ أنا علمت أنه إذا وجد نفق فإن أى كيلو من طعام المهرب يباع فى غزة بأضعاف ثمنه وبالدولار.
للكيلو الواحد؟ كيف ذلك؟
نعم، لأنه يوجد الكثير من الوسطاء الذين يأخذون عمولات كبيرة من هذه السلع المهربة من الأنفاق وهم: "من يوجد فى منزله النفق، ومن يحفر النفق، وصاحب المنزل الذى به النفق من الجهة الأخرى، وحارس النفق، ومن يعرف بوجود النفق...". كل هؤلاء يستفيدون.
أى أنهم يستغلونها كتجارة؟
نعم.. لذلك قد يصل كيلو الأرز الذى يباع فى مصر ب 3 جنيهات إلى سعر خيالى فى غزة. وهذا كلام الأهالى هناك وليس كلامى. عموما أنا لا أستطيع أن أجزم به، أو أجزم بوجود أشياء أخرى تهرب من خلال هذه الأنفاق.
وكيف يعيش المصريون برد الشتاء؟
لدى المصريون تعليمات بعدم إغلاق زجاج النوافذ بالمنازل خوفاً من حدوث إصابات نتيجة سقوط القنابل والانفجارات، حيث إن الضغط الذى ينتج عنها يتسبب فى تهشم الزجاج. المصريون فى رفح متضررون من البرد الشديد وليس باستطاعتهم حتى غلق النوافذ للوقاية منه. ولا توجد لديهم مخابئ بالبيوت، كما كنا نظن. المصريون فى رفح ينقصهم الأمان فى حال حدوث أى ظروف طارئة.
تتهم إسرائيل مصر بأنها غير محكمة السيطرة على تهريب السلاح للفلسطينيين. ما هى معلوماتك عن هذا الموضوع؟
ما أعرفه هو أن عدداً من البدو يعتمدون على هذا النوع من التجارة، خاصة البدو الذين يعملون فى تجارة المخدرات أو زراعتها أو تجارة السلاح. وأعتقد أن أغلبهم من وسط سيناء وليسوا القريبين من الشريط الحدودى. ومعظم المعلومات حول هذا الموضوع سرية ويشوبها الكثير من الدقة. وأنا لا أستطيع أن أجزم بأى شئ بخصوص ذلك. ولكن ما أعرفه أن جميع الجهات الأمنية المصرية تضبط هذه الممارسات بمجرد علمها بها.
وبعد محاولة بعض الفلسطينيين التسلل للأراضى المصرية فى الأيام الماضية، حدث تكثيف أمنى شديد فى جميع مناطق رفح، وأغلقت مداخل ومخارج بعض الشوارع، ولم يستطع أحد المرور بها إلا بعد إبراز بطاقته الشخصية للتأكد من أنه من سكان هذا الحى أو ذاك. ويعانى جنودنا كثيرا فى الحفاظ على أمن هذه المنطقة، فهم يقفون فى البرد القارص طوال الليل للسيطرة على كل ما يجرى: فأهالى رفح فعلا متخوفون من اجتياح الفلسطينيين للأراضى المصرية مرة أخرى. لذلك فهم يساعدون رجال الأمن بكل ما يستطيعون.
ماذا يقول الناس هناك عن الضابط المصرى الذى استشهد؟
أعلن المسئولون الرسميون عن تسمية شارع باسم الضابط المصرى الشهيد، وأهالى رفح مسرورون بذلك، غير أنهم حزانى عليه وعلى أسرته، فقد كان يحميهم ويدافع عنهم. لقد علمنا من بعض المصادر الأمنية أن لديهم تعليمات فى حالة تسلل فلسطينيين خلال الحدود عدم ضرب أى طلقات نارية، لأن الرأى العام الدولى والعربى سوف ينقلب على مصر فى حالة إصابة أى فلسطينى بنيران مصرية. لذلك فإن هذا الرائد لم يكن معه سلاح عندما ذهب للتحدث مع الفلسطينيين المتسللين لإقناعهم بالرجوع مرة أخرى، فلديه تعليمات بعدم استخدام السلاح.
هل أطلقت حماس الرصاص عليه ولو على سبيل الخطأ؟
رفح المصرية ورفح الفلسطينية قريبتان جداً، والمسافة بينهما عبارة عن أمتار قليلة. ثم إنها ليست رصاصة من حماس، ولكن يقال إنها شظية من أحد المتفجرات، وليس من حماس.
بماذا يفكر أهالى رفح الآن؟
بصراحة، أهالى رفح يعتقدون أن حماس هى سبب كل ما يجرى اليوم. حماس لا تستطيع الدخول فى حرب، فلماذا لا تلتزم بالهدنة؟ ولماذا ورطت مدنيين فى هذه الحرب؟ لكى يقتلوا ويرملوا ويصابوا؟ ولا يستطيع أهالى رفح نسيان أحداث يناير 2008 ويخافون من تكرارها.
وتم إخلاء بعض المنازل والمحلات المطلة على المناطق الحدودية خوفاً من أضرار القصف عليها. ولم يعترض الأهالى على ذلك، وتقبلوا الأمر بصدر رحب. والخوف الحقيقى هو من تسلل بعض الفلسطينيين من خلال الأنفاق إن وجدت، لأن بعض الأهالى فى رفح الفلسطينية لهم أقارب فى رفح المصرية والعكس، ولكننا سمعنا أن القوات المصرية بين الحين والآخر تقوم بتفتيش للبيوت فى رفح للتأكد من عدم وجود متسللين فلسطينيين، والخوف أيضاً من بعض المناطق الحدودية التى يفصل الحدود فيها سلك شائك، مما أدى لتكثيف الأمن على هذه المناطق. وتسرى بعض الشائعات غير المؤكدة عن إصابة طفل مصرى بشظية فى رأسه، ولكنى ليس لدى أى تأكيد على ذلك.
ما هو الشيء الذى لا تستطيعين نسيانه فى هذه الرحلة؟
ما أذكره جيداً وسأظل أذكره أننا لم نكن نرغب فى العودة من هناك، حيث إننا لم نستطيع تغطية جميع الأحداث، ويوجد الجديد فى كل دقيقة. أما ما لم أستطع نسيانه هو ما يتداول عن وصول طفل عمره أربعة أيام مصابا من جراء القصف الإسرائيلى الوحشى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.