وزير التعليم: المراجعات النهائية المجانية تستهدف التخفيف عن كاهل أولياء الأمور    الأوقاف: افتتاح 12 ألف مسجد في عهد السيسي بتكلفة 18 مليار جنيه    الأوقاف توزع 56 طن سلع غذائية من صكوك الإطعام في 11 محافظة    مصر تشهد ارتفاعا ملحوظا فى أعداد السيارات الكهربائية    البرلمان العراقي يتجه لجولة ثالثة من التصويت على انتخاب رئيسه    الأمم المتحدة: 800 ألف فلسطيني أجبروا على النزوح من رفح جنوب غزة    رسالة قوية من الترجي لجماهيره قبل مواجهة الأهلي    عمر مرموش هداف فرانكفورت في الدوري الألماني بالموسم الحالي    تجديد حبس الأب المتهم بقتل ابنته وتقطيعها لأشلاء في الجيزة    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالفيوم    السكك الحديد تعلن تشغيل قطارات إضافية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    جامعة دمنهور تحتفل باليوم العالمي للمتاحف    فصائل فلسطينية تعلن استدراج قوة للاحتلال.. وقتل 5 جنود وإصابة آخرين    أعراض الذبحة الصدرية عند الرجال والنساء، وما هي طرق علاجها؟    لافروف: روسيا منفتحة على الحوار مع الغرب بشأن الاستقرار الاستراتيجي    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    الوالدان يستحقان معاملة خاصة.. الأزهر يناقش حقوق كبار السن بملتقى المرأة الأسبوعي    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلا.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده بدماء الأبرياء    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    أخبار مصر.. غدا طقس شديد الحرارة ورياح والعظمى بالقاهرة 38 درجة    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    «التمريض» تطلب من وزير المالية إعادة النظر في الدعم المقدم للفرق التمريضية    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    انطلاق امتحانات نهاية العام 2024 ب«أعمال الإسكندرية».. وعميد الكلية يتفقد اللجان (صور)    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    بالفستان الأحمر.. هانا الزاهد وعبير صبري في زفاف ريم سامي | فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحفية تروى لليوم السابع معاناة قاطنى الحدود
نشر في اليوم السابع يوم 08 - 01 - 2009

هبه نصر, صحفية مصرية، تعمل بالسياسة المحلية, تحقيقات, حوادث مظاهرات, مجلس الشعب لمدة أربع سنوات, سافرت معظم محافظات مصر, وأخيراً انتقلت إلى رفح لنقل معانة قاطنى الحدود بين مصر وقطاع غزة، وكان معها هذا الحوار..
كيف كانت الرحلة من القاهرة إلى رفح؟
توجهت إلى رفح أنا وزميلى المصور محمد عبده فى سيارة الأهرام, يوم الجمعة 2 يناير 2009, حيث بدأت التحرك فى السادسة صباحاً, وكان مما يلفت الانتباه قلة الكمائن على طريق الذهاب إلى رفح (اثنان أو ثلاثة كمائن على الأكثر) من القاهرة حتى العريش, وكثرة هذه الكمائن على الطريق العكسى, وقد كان خط سيرنا هو: "القاهرةالإسماعيلية – بداية طريق بور سعيد ثم كوبرى السلام – ثم التوجه فى شمال سيناء حتى العريش ثم رفح"، وكان الكثير من السيارات تقف للتفتيش خاصة سيارات شمال سيناء, وأعتقد أن هذا تخوف من محاولات تهريب أو تسلل بعض الفلسطينيين بعيداً عن شمال سيناء, وحتى فى الكمائن التى اعترضتنا كانت معاملتهم تتغير للأحسن بمجرد إبراز "كارنيه" الأهرام بخلاف التعامل مع أى إعلاميين من أى صحف أخرى مثل الصحف المعارضة أو الصحف المستقلة, وعندما وصلنا وجدنا الكثير من الإعلاميين ما بين أجانب وعرب ومصريين لتغطية أحداث رفح على اختلاف اتجاهاتهم (مع موقف مصر أو ضده), وحتى نحن لم نكن على يقين تام من الموقف المصرى إزاء الأحداث, ولكن اتفق الجميع أن الموقف المصرى موقف سياسى خاصة بعد أحداث يناير 2008, عندما اجتاح الفلسطينيون الحدود المصرية خوفاً من حماس, وما حدث وقتها من هرج واضطرابات شديدة بمحافظة شمال سيناء, مما أدى بأهالى العريش بصفة خاصة وشمال سيناء بصفة عامة إلى تأييد فكرة غلق معبر رفح بالنسبة للسماح للفلسطينيين بالعبور من خلاله, لذلك فمعظم من قابلناهم يؤيد فكرة أن يظل الفلسطينيون صامدين مقاومين مناضلين بغض النظر عن سبب هذه الحرب (حماس.. أو فتح.. أو إسرائيل.. أو غيرهم).
صفى لنا ماذا رأيت فى رفح؟
أول ما يلفت النظر عند وصولنا للعريش الإعلاميين وتنديدهم بموقف مصر, حيث كان الأغلبية معارضين لموقف مصر والأقلية منهم مع الموقف المصرى, أما أهالى العريش فكان أغلبيتهم مؤيداً للموقف المصرى فى غلق المعبر أمام الفلسطينيين.
ما هى المسافة بين العريش ورفح؟
حوالى 50 كيلومتر, أو ما يعادل نصف ساعة فى الطريق, ولما كان يوم الوصول هو يوم الجمعة فقد توجهنا سريعاً لرفح حتى نصلها قبل صلاة الجمعة تحسباً لوقوع مظاهرات بعد صلاة الجمعة هناك. وعندما وصلنا إلى رفح شاهدنا أكثر من 300 فلسطينى مكدسين خارج معبر رفح من الناحية المصرية فى انتظار أن يعبروا إلى غزة, وقد كان جميعهم من سكان غزة, لذلك فقد سألناهم عن سبب رغبتهم فى العودة إلى غزة تحت هذا الضرب, فلماذا لا تبقوا بمصر الأكثر أمناً الآن؟ فقالوا لا نستطيع أن نبقى فى مصر والأولى بنا الذهاب لغزة دفاعاً عن القضية الفلسطينية, وكان هذا مخالفاً لتوقعاتنا, حيث إننا كنا نعتقد أن الفلسطينيين يريدون أن يهربوا من غزة لمصر عن طريق معبر رفح, وليس العكس.
من أين إذن أتت شائعة أن الفلسطينيين فى غزة يريدون أن يهربوا إلى مصر؟
كان هذا أول تضارب يحدث لنا عندما وصلنا هناك, حيث إننا حاولنا إقناعهم بالعدول عن فكرة الذهاب لغزة فى هذا الوقت والبقاء فى مصر حيث الأمان والهدوء, فكان ردهم "لا, نموت هناك وسط أهالينا وأولادنا وفى وطننا خير لنا من الحياة فى أمن وأمان ونحن لا نعرف ماذا يحدث لأهلنا هناك".
أما الملاحظة الثانية التى لاحظناها فإنهم لا يأخذون معهم أى نوع من السلع التموينية فى حين أن غزة محاصرة منذ فترة طويلة, وعندما سألناهم عن ذلك كان ردهم هو: أنه من غير المسموح بمرور أى مواد غذائية خلال معبر رفح, فقط يسمح بالمعونات الطبية, أما المواد الغذائية فتمر من معبر "العوجة" على بعد حوالى 70 كيلومتر من مدينة العريش, لذلك فهم خائفون أن ترجعهم السلطات المصرية إذا كانوا يحملون معهم أى مواد غذائية.
وهل هذا بالنسبة للكميات الكبيرة من المواد الغذائية؟ أم لأى مواد غذائية؟
أعتقد أن هذا يسرى على أية مواد غذائية، فكل ما لاحظناه شخصا واحدا يحمل زجاجة زيت, فقط ولم نعلم ماذا حدث له بعد ذلك.
ومما لاحظناه أيضاً أنهم يحملون العديد من الأجهزة، مثل الثلاجات والغسالات وشاشات الكمبيوتر وأجهزة التسجيل, مما يعطى الإيحاء أنهم ذاهبون ليعيشوا وليس للموت, وعندما سألناهم عن ذلك أيضاً كان ردهم: "أن المصريين لم يفرضوا علينا أى نوع من الجمارك عند العبور لذلك فنحن نشترى البضائع ونأخذها معنا إذا عشنا بعناها أو احتفظنا بها أما إذا متنا فذلك قدرنا".
كذلك لاحظنا وجود أتوبيسات تأتى من داخل فلسطين لتقل هؤلاء المسافرين إلى غزة, وهذا يحدث أثناء الضرب الإسرائيلى, والذى كان يبدأ قبيل المغرب ويكون مكثفاً جداً خلال الليل, ومع أننا كنا نسمع صوت القصف المدوى والذى كان يرهب البعض منا بل وكان البعض الآخر يحدث لهم حالات اختناق بسبب الدخان والبارود الناتج عن القصف, ومع ذلك كان الفلسطينيون يصرون على العبور, وقد صورنا هذا.
ما هى أنواع الطائرات التى كنت تشاهدينها؟
الطائرة الوحيدة التى كنا نستطيع رؤيتها هى طائرة تسمى "الزنانة" وهى طائرة بدون طيار, وظيفتها الأساسية الاستكشاف والاستطلاع, وقد وجدنا بعد فترة من مكوثنا هناك أن بعد هذه الطائرة بحوالى ربع ساعة نسمع صوت قنبلة, فكان المصورون والصحفيون قد اعتادوا ذلك واستعدوا له. وعلمنا أن الضرب فى البداية كان فى كل الاتجاهات ثم أصبح فى الأيام الأخيرة مركزاً على أماكن بعينها, وكان المصريون هناك يستطيعون تحديد الأماكن المستهدفة بعد الضرب مثل مطار غزة أو أهداف أخرى ولم نعلم كيف يستطيعون ذلك.
هل لاحظت أن اليهود قد بدأوا القصف الجوى يوم السبت, وكذلك بداية الغزو البرى كان يوم سبت أيضاً وهو يوم مقدس عند اليهود؟
الكثير تساءل عن ذلك, ولكنه قد يكون نوعاً من التمويه, ولكن الملاحظ أن نهار السبت يكون هادئاً ولا يحدث فيه أى ضرب, ثم يبدأ الضرب مساء, وقد يكون هذا لإعطاء الأمان للفلسطينيين ليتحركوا ويمارسوا حياتهم فيفاجئونهم بالضرب مساء. وكان مما أغضبنا وجود أكثر من 30 شاحنة مواد غذائية كمعونات مخزنة باستاد العريش، وذلك بسبب رفض إسرائيل لدخولها من خلال معبر "العوجة" وهو المعبر المخصص للمساعدات الغذائية.
ولماذا رفضت إسرائيل استلامها؟
لا أعرف, يبدو أن عندهم تعليمات بعدم مرورها من معبر "العوجة" حالياً ومن جهة أخرى أعربوا أن إسرائيل لم توصل لهم أى تعليمات بفتح المعبر، وفى الأسبوع الماضى هطلت أمطار غزيرة مما أدى إلى تلف المواد الغذائية وخاصة القمح وتلف الخضروات والفواكه.
هل هناك نقص فى لبن الأطفال؟
هناك مصادرة غريبة لألبان الأطفال، فالشاحنات تدخل من معبر رفح البرى وهو مخصص لعبور المعونات الطبية ومرور الفلسطينيين، على اعتبار أنه معونة طبية ولم تعتبره إسرائيل على أنه معونة طبية بل اعتبرته معونة غذائية ورفضت أن تعبر الشاحنة إلا بعد تدخل عدد من الوسطاء، وتدخل بعض من أفراد اتحاد علماء العرب المتواجدين هناك، ليقنعوا المسئولين بأن هذه شاحنه معونة طبية وليست غذائية، ومن المضحك بالنسبة لنا كصحفيين أنه كان هناك عدد من الفتيات يعملن بالهلال الأحمر لنقل المصابين من الإسعاف الفلسطينى إلى الإسعاف المصرى, يدخل الإسعاف الفلسطينى من المنفذ ويقف ليأخذ بيانات المصابين ويكون باب سيارة الإسعاف مفتوح والمصابين ليس لديهم الغطاء الكافى لهذا البرد القارص هناك, وتستغرق هذه العملية أكثر من 10 دقائق للتأكد من شخصية المريض ولا يسمح بالدخول إلا لبعض المصابين الذين لا ينتمون إلى أى جهات سياسية وهذا ما فهمته من الإجراءات التى تتبع هناك.
هل يعنى هذا وجود شرط عدم الانتماء السياسى لجهات معينة لمرور المصاب من معبر رفح؟
وصل عدد المصابين إلى 107، وعند دخول المريض يسأل بعض الأسئلة هو والمرافق الذى معه، وهناك مسئول من جهات أمنية يعيد عليه طرح الأسئلة مرة أخرى، وهناك بعض المرضى تكون حالتهم لا تستدعى أن يتوقفوا للسؤال أكثر من مرة للتأكد من نفس إجابة الأسئلة, ثم ينقل بعد التأكد من إجاباته أكثر من مرة من سيارة الإسعاف الفلسطينية إلى سيارة الإسعاف المصرية, ويوجد بعض فتيات من الهلال الأحمر (متطوعات من القاهرة) وبعض الأطباء يصنعون دائرة حول المريض لضمان سرعة نقله بين السيارتين بعيداً عن المصورين والإعلاميين, ومما يلفت النظر أن هؤلاء الفتيات كن يلبسن ملابس أنيقة للغاية, وأحذية ذات كعوب عالية تعيق الحركة, ويضعون ماكياج كاملا, كما أنهن يضعون عطوراً نفاذه جداً, ويأخذون الموضوع على أنه تسلية أو "تهريج", وصادف أن أحداهن صرخت وهى تنقل أحد المصابين لأن يده مقطوعة ورفضت نقله وانصرفت, وكان من المفروض أن يرسلوا فتيات أكثر التزاماً وأكثر جدية للحفاظ على صورتنا أمام الإعلاميين والمصورين, خاصة القنوات الفضائية, حيث إنهن أصبحن مثار سخرية.
ما هى المشاهد التى شدت انتباهك عند معبر رفح؟
من السهل الدخول لمعبر رفح, فكل المطلوب هو تقديم الكارنيه الصحفى, أياً كانت الصحيفة التى تعملين بها, ثم كتابة الاسم والجنسية فى أوراقهم, ثم تجدى الكثير من الشاحنات المنتظرة هناك يتم تحميلها, وقد حكى لى أن اليوم الأول كان لا يسمح بالمرور إلا فى ساعتين فقط من اليوم، مما أدى إلى أن الجميع بدأ فى تحميل الشاحنات سريعاً فترك الصحفيين أقلامهم وأوراقهم وترك الأطباء ما بيدهم وتعاون الجميع مع السائقين والعمال لتحميل الشاحنات ومساعدتها على العبور, أما الآن فالمعبر مفتوح طوال ال 24 ساعة وحتى يوم السبت مساء, وكل ما يحدث مجرد تفتيش روتينى للتأكد من أن الشاحنة تحمل معونات طبية فقط وليس أى شيء آخر, وبالفعل منعت بعض الشاحنات من العبور كانت تحمل بطاطين وخيام, وسمعت أن هذه الشاحنات ذهبت لمعبر "العوجة" ومنعت أيضاً من المرور, كما رأيت أتوبيسات أخرى قادمة من فلسطين لنقل المواطنين الفلسطينين ال 300 الذين يريدون دخول غزة, كان يوجد أيضاً حوالى 20 سيارة إسعاف مصرية منتظرة بكامل معداتها وأطبائها, كما لاحظت بعض الهرج وعدم النظام أثناء عملية انتقال المرضى من سيارات الإسعاف, وكانت تأتينا تعليمات من ميناء رفح عند مرور طائرة "الزنانة" بعدم الهرج أو الجرى أو التواجد بجوار المبانى لاحتمالية سقوط قنبلة فى أى لحظة, وكان الموقع المسموح به للإعلاميين فى وسط المعبر تماماً.
ما هو متوسط عدد الساعات التى كنتم تقضونها فى المعبر؟
من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة الثانية عشرة مساء.
وأين كان مقر إقامتكم هناك؟
فى العريش, حيث لا يوجد أماكن للمبيت فى رفح, إلا أن بعض الصحفيين الذين يعرفون أهالى من رفح كانوا يبيتون عندهم.
وعندما كانت تسقط قنبلة قريباً من الحدود كنا نسمع صوتاً يفقدنا توازننا خاصة عندما سمعناه للمرة الأولى, أولاً نسمع صوت الطائرة وكأنها تطير فوق رؤوسنا ثم سماع الانفجار المدوى, ثم رؤية الدخان بعد ذلك بدقيقة, مما يؤدى لخلل فى التوازن.
نحن نرى على الفضائيات القنبلة التى تسقط فيخرج منها نار ثم يتصاعد منها الدخان مما يحجب الرؤية, فهل رأيت شيئا مثل ذلك؟
نعم, رأينا بعض القنابل التى تومض فى السماء وذلك وقت سماع الصوت, ثم نرى الدخان عندما تسقط القنبلة على الأرض وكأنه بركاناً ينفجر, ثم يتكاثف الدخان حتى يحجب الرؤية تماماً وتنتشر رائحة البارود حتى وإن كان الضرب فى شرق غزة, ويمكن أن تسبب بعض الاختناق لمن لديه مشاكل فى التنفس, ويطلق على هذه القنابل القنابل الارتجاجية, وهى تمتص الأكسجين فى المحيط التى نزلت فيه, كما أن هدفها تدمير البنية التحتية فى عمق يصل إلى 15 كيلومتر داخل الأراضى الفلسطينية, وتحدث هزه أرضية عنيفة فى رفح ترج المبانى.
من هو المسئول الأول عن معبر رفح؟ وما رتبته؟
يوجد بعض العساكر وضباط الشرطة ممن يرتدون الملابس العسكرية, وكان أيضاً يوجد البعض ممن يلبسون الملابس المدنية وذكروا أنهم من المخابرات العامة, ولكنهم كانوا يتعاملون معنا بمنتهى الاحترام.
هل كان يوجد تفرقة بين معاملة الصحفيين المصريين والصحفيين الأجانب؟
لا, كان الجميع لهم نفس المعاملة بلا امتيازات.
هل شاهدت أى عناصر من الجيش الإسرائيلى أثناء تواجدك بالمعبر؟
لا, ولكن عندما يفتح المعبر نرى الشارع الرئيسى لرفح الفلسطينية, ونشاهد العلم الفلسطينى وبعض الأشخاص الفلسطينيين إذا تصادف تواجدهم بالشارع, وعندما كنا نقابل بعض الفلسطينيين الذين يأتون مع سيارات الإسعاف كانوا يقولون إن قضيتنا اليوم ليست "من السبب؟", وكانوا يطالبون الدول العربية بسرعة وقف إطلاق النار وضرورة توحيد الصوت العربى, وأن نقف معهم كقضية فلسطينية, وأن هذا ليس الوقت الذى نحاسب فيه بعضنا (حماسى أم فتحى) ولكنه وقت توحيد الصفوف للخروج من هذه المحنة.
ويمكن كذلك أن أرى غزة كلها إذا وقفت على سطح أحد المنازل العالية بمدينة رفح, وكذلك يمكن رؤية غزة من حى البراهمة أو حى البرازيل حيث الأرض هناك مرتفعة فيمكن رؤية غزة كلها من سطح أى منزل. ويمكن أيضاً أن ترى إسرائيل من خلال معبر "العوجة" حيث المقارنة بينها وبين غزة مؤلمة, مقارنة بين الدمار فى غزة وكأنها أطلال مهجورة, والهدوء والاستقرار فى المستوطنات الإسرائيلية عند معبر "العوجة".
هل يوجد فى غزة شوارع ضيقة مثلما شاهدناها فى وسائل الإعلام؟
نعم, عندما ننظر لغزة من حى البراهمة نرى أنها مجموعة عشوائيات غير منظمة وبلا أى تخطيط عمرانى, وكان يقال إن غزة أفضل مدينة فى فلسطين قبل الاعتداء, ولكننا شعرنا أنها دمرت تماماً الآن, وأن سكانها بين الحياة والموت, كما يظهر في ملامح سكانها أنهم فقدوا كل أمل.
ما هو موضوع الأنفاق؟
تم التصريح فى إحدى القنوات الفضائية باكتشاف 40 نفقا بين الحدود المصرية والفلسطينية, بخلاف ال 300 نفق التى اكتشفتهم مصر, كما ذكروا أنه مازال يوجد 1200 نفق لم يكتشفوا بعد.
هل رأيت أحد هذه الأنفاق عن قرب؟
لقد دخلت معظم البيوت فى رفح, لا يوجد أى آثار تدمير لأنفاق داخل هذه البيوت, أو أى بيوت مهدمة.
أى أن هذا فى تصورك هو ادعاء كاذب؟
نعم, نحن لم نجد هؤلاء ال 40 نفقا المهدمة كما يدعون, ولكن الناس فى رفح تتمنى أن يكون هناك أنفاق ليستطيعوا مساعدة إخوانهم الفلسطينيين, فليس من المعقول تسليم المعونات والأغذية إلى الإسرائيليين ليوصلوها لغزة, "أسيقتلوهم أم سيطعموهم", ولكننا سمعنا أنه إذا وجد نفق فإن كيلو الرز المهرب يباع فى غزة بمائة أو مائتى دولار.
للكيلو الواحد؟ كيف ذلك؟
نعم, لأنه يوجد الكثير من الوسطاء الذين يأخذون عمولات كبيرة من هذه السلع المهربة من الأنفاق وهم "من يوجد فى منزله النفق, ومن يحفر النفق, وصاحب المنزل الذى به النفق من الجهة الأخرى, وحارس النفق, ومن يعرف بوجود النفق...".
أى أنهم يستغلونها كتجارة؟
نعم, لذلك قد يصل كيلو الرز الذى يباع فى مصر ب 3 جنيهات يباع فى غزة بمبلغ من 100 إلى 200 دولار, وهذا كلام الأهالى هناك, وأنا لا أستطيع أن أجزم به, أو أجزم بوجود أشياء أخرى تهرب من خلال هذه الأنفاق.
كما توجد تعليمات بعدم إغلاق النوافذ بالمنازل خوفاً من حدوث إصابات نتيجة سقوط القنابل, حيث إنها تهشم الزجاج, لذلك فالمصريين فى رفح متضررون من البرد الشديد وعدم استطاعتهم حتى غلق النوافذ للوقاية منه, ولا يوجد لديهم مخابئ بالبيوت, كما كنا نظن, أى أنهم ينقصهم الأمان فى حالة حدوث أى ظروف طارئة.
تتهم إسرائيل مصر بأنها غير محكمة السيطرة على تهريب السلاح للفلسطينيين.. ما هى معلوماتك عن هذا الموضوع؟
ما أعرفه عن هذا الموضوع أن عدداً من البدو يعتمدون على هذا النوع من التجارة, خاصة البدو الذين يعملون فى تجارة المخدرات أو زراعتها أو تجارة السلاح, وأعتقد أن أغلبهم من وسط سيناء, وأنا لا يوجد عندى معلومات مؤكدة عن هذا الموضوع, لذلك لا أستطيع أن أجزم بأى شيء بخصوص ذلك. ولكن ما أعرفه أن جميع الجهات الأمنية المصرية تضبط هذه الممارسات بمجرد علمها بها.
كما علمت أن بعض الفلسطينيين كانوا يريدون التسلل للأراضى المصرية يوم الجمعة مساء, ومن بعدها حدث تكثيف أمنى شديد فى مناطق رفح كما أغلقوا مداخل ومخارج بعض الشوارع, ولا يستطيع أحد المرور بها إلا بعد إبراز بطاقته الشخصية, للتأكد من أنه من سكان هذا الحى, ولقد شعرنا بمعاناة عساكر الأمن الذين يقفون فى البرد القارص طوال الليل للحفاظ على الأمن, حيث إن الأهالى بالفعل متخوفة من اجتياح الفلسطينيين للأراضى المصرية مرة أخرى, لذلك فهم يساعدون رجال الأمن بأى طريقة.
ماذا يقول الناس هناك عن الضابط المصرى الذى قتل؟
أعلن المسئولون عن تسمية شارع باسم الضابط المصرى, والأهالى مسرورة لذلك, وأهالى رفح مشفقون عليه وعلى أسرته, حيث كان يحميهم ويدافع عنهم, لأنهم لا يستطيعون نسيان أحداث يناير 2008, ويخافون من تكرارها, وقد تم إخلاء بعض المنازل والمحلات المطلة على المناطق الحدودية خوفاً من إضرار القصف بها, ومع ذلك لم يعترض الأهالى, وتقبلوا الأمر بصدر رحب.
وأصبح الاعتقاد الآن بين أهالى رفح أن حماس هى سبب كل هذا, حيث إنها لا تستطيع الدخول فى حرب, فلماذا لم تلتزم بالهدنة؟ ولماذا ورطت مدنيين فى هذه الحرب؟ فيقتلوا ويصابوا!!وكان هناك بعض الشائعات غير مؤكدة عن إصابة طفل مصرى بشظية فى رأسه, ولكنى ليس لدى أى تأكيد على ذلك.
كيف أطلقت حماس الرصاص ولو على سبيل الخطأ من وجهة نظرك؟
لأن رفح المصرية ورفح الفلسطينية قريبتان جداً, فالمسافة بينهما أمتار قليلة, ثم إنها ليست رصاصة من حماس ولكن يقال إنها شظية من أحد المتفجرات, وليس من حماس.
أنا أقصد الضابط المصرى المقتول؟ هل يطلق مقاتلو حماس الرصاص عشوائياً حتى تصيب ضابط مصرى؟
لقد علمنا من بعض المصادر الأمنية أن لديهم تعليمات فى حالة تسلل فلسطينيين خلال الحدود عدم ضرب أى طلقات نارية, لأن الرأى العام الدولى والعربى سوف ينقلب على مصر فى حالة إصابة أى فلسطينى بنيران مصرية, لذلك فإن هذا الرائد لم يكن معه سلاح عندما ذهب للتحدث مع الفلسطينيين المتسللين لإقناعهم بالرجوع مرة أخرى, فهى تعليمات أمنية بعدم مقاومتهم بالسلاح.
والخوف الحقيقى من تسلل بعض الفلسطينيين من خلال الأنفاق إن وجدت لأن بعض الأهالى فى رفح الفلسطينية لهم أقارب فى رفح المصرية والعكس, ولكننا سمعنا أن القوات المصرية بين الحين والآخر تقوم بتفتيش للبيوت فى رفح للتأكد من عدم وجود متسللين فلسطينيين, والخوف أيضاً من بعض المناطق الحدودية التى يفصل الحدود فيها سلك شائك مما أدى لتكثيف الأمن على هذه المناطق.
ما هو الشيء الذى لا تستطيعين نسيانه فى هذه الرحلة؟
ما أذكره جيداً وسأظل أذكره أننا لم نكن نرغب فى العودة من هناك, حيث إننا لم نستطع تغطية جميع الأحداث, ويوجد الجديد فى كل دقيقة. أما ما لم أستطع نسيانه هو ما حكى لى من وصول طفل عمره أربعة أيام أتى مصاب من جراء القصف الإسرائيلى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.