قرر المستشار مقبل شاكر رئيس المجلس الأعلى للقضاة، أثناء زيارته لنوادى قضاة الصعيد، إحالة القضاة الذين يتعرضون للأحكام القضائية عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى التفتيش القضائى، قرار المستشار شاكر مثير للجدل، فالتعليق على الأحكام القضائية فى أوساط الرأى العام، ظاهرة عرفها الشارع المصرى فى الآونة الأخيرة بشكل متصاعد فى ظل تواتر القضايا التى تمس الشارع المصرى بشكل مباشر، ومنها قضية العبارة التى صدر فيها حكم بالبراءة على معظم المتهمين فيها، وقضية تشويه سمعة مصر الخاصة بالدكتور سعد الدين إبراهيم التى حكم عليه فيها بالسجن عامين. قرار التعليق على الأحكام بصفة عامة لا يرى فيه القضاة أنفسهم، ومعهم رجال الفقة القانونى والحقوقيون مساساً بالقضاء والأحكام طالما بقيت على مسافة من النقد الموضوعى وعدم إهانة القضاة والقضاء، فضلاً عن أنه لا يوجد مانع قانونى يقضى بمنع التعليق على الأحكام القضائية. يقول المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض، عن قانونية نقد أحكام القضاء، إن القانون يحتوى على مواد تؤكد حق الصحافة والإعلام فى نقد الأحكام القضائية، وهو واجب بشرط الالتزام بالآداب والقواعد التى تخدم الأمة، وهى واضحة لا مجال فيها التأويل وتتمثل فى عدم إهانة هيئة المحكمة وقضائها، مضيفاً أن القانون أباح نقد الأحكام القضائية، حتى لا يتحول القضاة لوسيلة للاستبداد، يختبئ وراءها الحاكم ليتمكن من البطش بخصومه. وهو ما اتفق معه المستشار محمود الخضيرى رئيس نادى قضاة الإسكندرية السابق حيث قال: التعليق على الأحكام من خلال التناول الموضوعى والتفنيد فيما يتعلق بصحيفة الطعن أو الأمور المتخصصة، هو حق للرأى العام من خلال من لديهم خبرة فى التعليق على هذه الأحكام، دون المساس الشخصى بالقضاة أو التعرض لهم بالتجريح. فى المقابل قال المستشار مقبل شاكر، أثناء زيارته لنوادى قضاة الصعيد، إن التعليق على الأحكام غير النهائية فى القضايا التى تشغل الرأى العام لا يجوز، وهذا أمر مرفوض تماماً بنص القانون، وهو ما رد عليه الخضيرى بقوله "إن قرار شاكر غير قانونى، فما قاله مقبل شاكر ليس من حقه وغير قانونى وغير عملى أيضاً، ولا يستطيع تكميم أفواه الناس، فإذا كان القانون مستقراً على مبدأ علنية الجلسات والشعب يطلع على سيرها بين منصة القضاء والدفاع والنيابة، فلا يمكن إخفاء شىء سواء بالنسبة لأسباب الأحكام أو الأدلة والقرائن التى يمكن تناولها فى التعليق على الأحكام من خلال المتخصصين، وهذا الأمر يجعل القضاة أنفسهم يضعون نصب أعينهم مدى موضوعية الأحكام من دون التأثير على القاضى من خلال التوجيه قبل الحكم، بل يجب أن يكون تناول الحكام لاحقاً للنطق بالحكم وليس أثناء نظر الدعوى، وهو ما أيده الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون بجامعة القاهرة بقوله "هذا الموقف لا يحق لمقبل شاكر أن يخوض فيه". وحول هذه النقطة قال المستشار أحمد مكى "ليس لمجلس القضاة ولا لغيرهم الحق فى منعنا من التعليق على الأحكام، وأتصور أن المستشار مقبل شاكر لم يقصد ما فهم على غير ذلك، مضيفاً أن الجهة الوحيدة التى يمكنها منع القضاة من التعليق على الأحكام هى مجلس الشعب، بعد إصدار قانون بذلك المعنى، طالما نقول بأننا فى ظل دولة القانون، فما يحدد الحل والتحريم هو القانون الصادر عن مجلس الشعب، ونحن لا يوجد لدينا قانون يمنع التعليق على الأحكام. واعتبر مكى أن التعليق على الأحكام يزيد من وعى الناس، وأن الإعلام ليس بديلاً عن المحاكم، مضيفاً "ليس هناك قوة تمنعنى من تنوير الرأى العام، ولا يجوز هذا المنع لأنها مسألة تتعلق بحق الأمة فى مراقبة السلطة، وطبقاً للمادة 47 من الدستور التى تكفل للناس حق التعبير. وقال المستشار مكى إن التعليقات على الأحكام تظهر غالباً فى القضايا التى تهم الرأى العام، مثل قضية العبارة وسعد الدين إبراهيم وهانى سرور. ومن جانبه أكد المستشار الخضيرى وجود محاولة للتسييس، لأن هناك ظرفاً سياسياً قائماً لا يمكن تجاهله، والتكميم المطلوب يأتى من هذه الخلفية، لكن هناك من يتصدون لهذه المواقف، لأن الرأى العام لابد أن يشعر باستقلال القضاء من ناحية وبأن الأحكام عنوان الحقيقة. ومن جانبه قال ناصر أمين مدير المركز المصرى لاستقلال القضاء، إن القضاة لا سلطان عليهم إلا لضمائرهم ولا يجب لأى جهة أن تحدد المسموح والممنوع وهذا شأن يحدده القاضى ذاته، وفقاً للمعاير العامة لافتاً إلى أن أهم هذه المعايير هى الشرف والنزاهة والحياد، وطالما أن القاضى توفرت به هذه الشروط، لا يجب لأى شخص أن يتحدث عن منع أو منح القاضى الحق فى التعليق. أشار أمين إلى أن القاضى يستمد حقه من الدستور فيما يتعلق بالتعليق على أحكام القضاء وفقاً للقانون المصرى والأعراف الدولية، شريطة أن يكون من المتخصصين، سواء كانوا قضاة أو محامين أو أصحاب مهن قضائية، مع الأخذ فى الاعتبار، ألا يؤثر ذلك على دعوة قضائية منظورة أمام المحاكم. وقال أمين أن استكمال منظومة الشفافية يتطلب إعطاء المجتمع الحق فى معرفة التعليق على الأحكام على اعتبار أن الشعب مصدر السلطات وهو الرقيب فى نفس الوقت، فالتعليق على أحكام القضاء يؤكد على أنه لبس هناك جهة أو شخص محصن من النقد، بشرط ألا ننزلق إلى التجريح بذات القاضى. وأشار ناصر إلى أن النائب العام له الحق فى منع النشر فى قضايا معينة ونحن لسنا فى حاجة جديدة لقوانين فى ذلك الشأن، كما أشار إلى أن بعض وسائل الإعلام تتجاوز أحياناً فى استغلال أحداث معينة لحشد الرأى العام، مما يؤثر أحياناً على سلامة الأحكام، لافتا إلى أن بعض الدول يطلب فيها الدفاع نقل القضية من محافظة إلى محافظة أخرى لأن الصحافة تناولت هذه القضية. وحول هذه المناخ السائد حالياً حول التعليق على أحكام القضاء، قال ناصر أمين إن الحكومة نفسها هى أول من تسبب فى ذلك، عندما أعلنت عن عدم احترام القضاء عندما امتنعت عن تنفيذ أحكام مجلس الدولة، متناسية أنها ينبغى أن تحفظ للقضاء هيبته. قال ناصر إن المجتمع فى مفترق طرق، فنحن نطالبه باحترام أحكام القضاء رغم مرارة الأحكام فى القضايا التى تهمة مثل العبارة وقضية أكياس الدم أو القضايا التى تهم النخبة مثل قضية سعد الدين إبراهيم.