الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، يتحدث عن نظرة المجتمع للمغتربات ويفسر نجاح بعض المغتربات وانحراف البعض، يقول: "هناك صور نمطية سائدة لدى الناس، منها المغتربات، فالناس تعتقد أن هذه الفئة لابد أن تتوه وتضيع، وتضطرب لأنها بعدت عن الأسرة، وانتقلت "نقلة" بعيدة عن عادات المدينة والعاصمة ومن ثم لابد أن تتفلت وتنحرف. وأضاف المهدى لا شك أن هذه النظرة قاصرة، لأن الإنسان عندما يعيش فى مكان واحد ولا يتعرض لأى حراك متمثل فى سفر، واغتراب، أو هجرة فإنه يركد ولا يتم تنشيط الإدراك لديه، وخاصة البنت التى تكبل عادة بالكثير من القيود فلا تستطيع أن تحقق ما تريد ولو كان من المسموحات ولا يقع أبداً فى داخل دائرة المحظور، سواء أكان عيبا أو حراما، فالمجتمع يحد من طموحاتها وملكاتها، ويعرقل إبداعاتها، ولكنها عندما تسافر فإن القيود تتفكك، ويحدث معها ما لم يكن من الممكن أن يحدث لو بقيت فى قريتها. ويروى الدكتور المهدى عن نموذج بنت الشاطئ ما يعضد ذلك، قائلا: "من يقرأ رواية ع الجسر" لعائشة عبد الرحمن ويرى كيف كافحت هى ووالدتها لإقناع أبيها المحافظ بالانتقال من دمياط إلى المنصورة للدراسة بالمدرسة الثانوية، ثم إلى القاهرة لكى تدرس بالجامعة، وكيف حكت عن نفسها كمغتربة تحررت تحرراً إيجابياً استطاعت به أن تحقق ذاتها، يعرف أن البيئة بالفعل تكون ضاغطة ولا تقبل التغيير وتعشق الأنماط الجامدة فى السلوك، فيكفى البنت لكى تكون مثالية أن تكون مطيعة وطيبة وتتجوز وتخلف، وبذلك لا يمكن أن تكون ذات تأثير مختلف إلا إذا قل تأثير البيئة الضاغط، أو أن الأسرة تفهمت وسمحت. ولو تتبعنا السير الذاتية للمغتربات الناجحات، يضيف الاختصاصى النفسى، سنجد أن التحرر من ضغط البيئة للمغتربات مثّل لهن ميلاد جديد، لأن حياة المدن تتيح رؤية أوسع وأشمل، وتفاعل وتعلم ومشاركة أعلى، ودائماً ما يكون السفر والهجرة والاغتراب عموماً مصحوباً بالنجاح، فالحركة تولد الأفكار والمشاعر لدى الجميع، ولدى الفتيات يحدث بشكل أكبر. وعن عدم تأثير الاغتراب بشكل إيجابى لدى البعض يقول: "طبيعة الشخصية من قبل الاغتراب هى التى تحدد توقع ما سيحدث بعد الاغتراب، فللإنسان ثلاثة مستويات، عقلية، وجسدية، وروحية، فالفتاة التى يكون إشباعها لغرائزها هو الأهم ويغلب على احتياجاتها الطابع النرجسى يكون توقع انحرافها أعلى حيث تتفلت بمجرد أن يخف الضغط الإجتماعى عنها، وهناك على العكس من ذلك فتيات لديهن مواهب وملكات إبداعية، ولكن البيئة التى تحيط بهن فقيرة فكرياً واجتماعياً، وبالاغتراب تجد بيئة واعدة، تغذى عقلها وتشبع وجدانها فتغترف منها وتنجح وتبرز، إذا فالأمر ما هو إلا استعدادات تختبرها الغربة، وأفضل هذه النماذج بالطبع هى ذات الشخصية المتوازنة التى لديها التزام قيمى وأخلاقى داخلى، بدون مؤثرات خارجية وضغوط أسرية، وهذه عندما تغترب لا تتبعثر فى أجواء المدنية، بل ويفتح لها التخلص من الضغوط آفاقاً واسعة للإدراك والتفكير والتفاعل، ويدفعها عدم الإحساس بالأمان الذى يكون موجوداً لدى أى مغترب للإنجاز، لأنها تدفع ثمناً باهظاً بعيداً عن الحضن الأسرى، وتعيش فى حضن الكفاح، لذا فغربة البنت أكثر صعوبة من غربة الولد.