في كل مرة تحدث تفجيرات في مصر تنخلع لها قلوب المغتربين فلقد عشت مايقرب من عشرين عاما في باريس, وكنت رئيسا للجالية المصرية نحو ست سنوات لذلك أعرف حتي اليوم الجو الاغترابي المصري. كما أعرف وأذكر أني كنت أصدر جريدة شهرية باسم أخبار الجالية المصرية تركز علي أخبار المصريين المغتربين الذين لم يكن يزيد عددهم في ذلك الزمان وكان من0991 إلي6991 علي08 ألفا في باريس وعدد من المدن الفرنسية الكبري وأذكر أني تعقبت خبرا عن مصري قبطي ذهب للعمل في مطعم لدي بعض المصريين الأقباط فرفض صاحب المطعم, وفضل أن يعمل لديه مصري مسلم, وقد أثار الخبر الكثير من التعليقات في حينه لكن يبدو أن المصريين المغتربين قد واجهوا مثل هذه المشكلة في وقت مبكر وكان معظمهم أكثر وعيا بما يحدث للمصريين, والدليل علي ذلك أن المصريين في فرنسا كانوا أسبق عندما رفعوا مجددا شعارات ثورة9191 مثل عاش الهلال مع الصليب.. كان ذلك ردا علي أحداث الفتنة الطائفية الفاشلة في مدينة الكشح بصعيد مصر.. ولعلهم في حياتهم الخاصة أكثر برهانا علي اختيار مقولة البابا الشهيرة وهي أن مصر وطن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه.. فهم أبدا يتأثرون بكل مايحدث في مصر وإذا التقي أي مغترب بآخر مصادفة كان الحديث الأول عن مصر وأحوالها وما نقلته وسائل الاعلام عنها في بلد المهجر, وأذكر أن تفجيرات طابا, وميدان عبد المنعم رياض, وكذلك التفجيرات التي شهدها حي الحسين كان ينخلع لها قلوب المغتربين( مسلمين ومسيحيين) علي السواء, وقد لمست غضبا عارما وسط المغتربين عندما ذهب ساركوزي وكان وزيرا للداخلية إلي الضواحي وسمي المغتربين الذين يعيشون في هذه الأماكن بالأوباش, بل إن عددا كبيرا منهم قابل التصريحات الحالية التي أطلقها الرئيس ساركوزي والخاصة بحماية مسيحيي الشرق الأوسط بكثير من اللامبالاة واعتبرها البعض وكأنها لم تكن, أو أن الرئيس ساركوزي يهرب بهذه التصريحات من واقع أليم يعيشه حاليا عندما أكدت وسائل الاعلام أن استطلاعات الرأي تري أن شعبيته في الحضيض لأنه لايوجد اضطهاد لمسيحيي الشرق أصلا, ناهيك عن أن نسيج الوحدة الوطنية في مصر لايحتاج إلي دليل, والبرهان الساطع علي ذلك هو مشاركة المسلمين للأقباط في القداس الذي جري يوم6 يناير الماضي. إن المغتربين وان كانوا قد اختاروا أن يعيشوا في الخارج, سواء في فرنسا أو كندا أو أمريكا ذاتها إلا أنهم جزء لايتجرأ من الشعب المصري في الداخل ويعتبرون أنفسهم امتدادا للمصريين في الداخل, وكانوا من أكثر الناس سعادة بمبدأ المواطنة الذي وضع في الدستور بعد التعديلات التي جرت عليه عام5091 وذهبوا إلي أن هذا المبدأ يجعل دستورنا يلحق بالدساتير الأكثر تقدما, ويرون أن مبدأ المواطنة يجعل خطوات الديمقراطية التي قطعناها أكثر رسوخا. بل ان نسبة كبيرة منهم تتحلق حول التلفاز عندما يتحدث رئيس الدولة ويهنئون بعضهم البعض عندما يفوز منتخبنا القومي في احدي المباريات. ولقد وصلتني مراسلات كثيرة ومكالمات أكثر تعليقا علي تفجيرات الإسكندرية واعترف الجميع بأنهم يشعرون أن أمن مصر وشعبها هو المستهدف, لذلك كنت أستمع إليهم دون أن أسأل هل الذي يحدثني مسيحي أم مسلم اذ يكفي أنه مصري وقد شعر بالحزن والأسي لاستشهاد هذا العدد الضخم من المسيحيين وهم يقومون بالصلاة في كنيسة القديسين في الإسكندرية. وكشف لي أحد المغتربين أنه اتصل بعدد من المغتربين وسوف يقومون برفع بورهات أخري علي سبيل المواساة لأقارب الشهداء. ولابد أن نعترف بأن هناك مشكلات عالقة بين الأقباط والمسلمين لابد من مواجهتها اليوم وليس غدا فالشرطةفي حاجة إلي إعادة نظر, وكذلك المجالات المناظرة وفي التعليم الخاص وكذلك القوي العاملة التي لايجد فيها أي قبطي فرص عمل.. وإذا كان البعض يري أن الأمن غائب عن دول مجاورة لا لشئ إلا لأنها تعاني من البطالة مثل تونس ورفع الأسعار مثل الجزائر والتشرذم مثل السودان, فإن مصر تعاني من هذه الأشياء مجتمعة ولاينكر أن أمن المصريين هو المستهدف لذلك يتعين علي الوزارات داخل مصر ترتيب أوضاعها من جديد, وأن تتعاون فيما بينها من أجل كل المصريين وللانصاف يجب أن نذكر أن شخصا مثل الأب جرجس لوقا راعي الكنيسة الارثوذكسية المصرية في باريس يخشي تقديم المساعدة لإحدي المسلمات لكيلا يظنوه؟ يفعل ذلك لأنه يريدها أن تترك دينها؟! أريد أن أقول أن هذا الرجل لم يقدم مساعدة لهذه الانسانة أو تلك إلا لأنها مصرية بالدرجة الأولي, وإلا لماذا لم يقدم المساعدة لغيرها من الدول الأخري.. اذن الأرض التي أنجبتها هي الفيصل في هذا الشأن.. وهي أرض مصرية! وأذكر أن أحد الفنانين المصريين المغتربين وهو الفنان عادل جورجي قد طلب من وزير الأوقاف وكان في ذلك الوقت د.محمد علي محجوب أن يسمح للأقباط بالدراسة في جامعة الأزهر مثلما تسمح جامعات أوروبا( المسيحية) للمسلمين بالدراسة في أقسامها المختلفة, إلا أن وزير الأوقاف راغ من السؤال وربما لم يشأ أن يجيب عليه حتي لايفتح علي نفسه النيران أقول ذلك بمناسبة بيت الأديان الذي يتحدثون عنه في هذه الأيام.. إنني أعترف بأن الأزهر الشريف يمكن أن يساهم في حلحلة الأوضاع لا تعقيدها وشيخ الأزهر الحالي د.أحمد الطيب رجل فرانكفوني سعد الكثيرون لاختياره شيخا للأزهر فهو يعرف المستنقع الاغترابي كما يعرف جيبه, وكان حريا به أن يتحدث عن بيت الأديان في وقت آخر أما الآن فلقد ذهب حديثه أدراج الرياح! ويميل معظم المغتربين إلي فكرة أن تكون بطاقة الهوية خالية من أية اشارات دينية أسوة ببطاقات الهوية في العالم اذ يكفي أن يقال ان الانسان مصري أما كتابة الديانة فهو أمر لايخلو من جاهلية, فضلا عن أننا نهيئ الأرض لفتنة حمي الله مصر أرض الكنانة منها. وفي اتصال مع عدد كبير من المغتربين أكدوا أنه لاتأثير للجماعة المحظورة عليهم, أن نفرا من المسلمين يصلي معهم لكن الدولة المدنية التي يؤمنون بها لا تعترف بالأحزاب الدينية وإذا كان لابد من مشاركتهم فليكن تحت شعارات غير دينية مثل عاش الهلال مع الصليب.