فجرت أزمة المصريين الذين تم طردهم من الكويت قبل أيام مشكلة الوجود المصري في الخارج.. تلك المشكلة التي يعتبرها الكثيرون وأنا منهم مشكلة قديمة جديدة تثور كالبركان لبعض الوقت ثم سرعان ما تهدأ نيرانها ولا يكاد يشعر بها أحد. مع أن جعبة هذه المشكلة مكتظة بالقضايا والاشكاليات منها ما هو مؤسس علي مفردات واقعية, ومنها ما لا أساس له في الواقع العملي. وللانصاف يجب أن نذكر أن( عالم الاغتراب) مملوء بالعقد بالنسبة للمصريين الذين يبلغ عددهم خارج الحدود نحو ثمانية ملايين مغترب بحسب تقديرات وزارتي الخارجية, والقوي العامل والهجرة.. وهو عدد ضخم لأنه يعني أن10% من إجمالي عدد المصريين( وهو80 مليونا) يعيشون فعلا لا قولا خارج أرض المحروسة.. ومن الطبيعي أن يفرز هذا الواقع الاغترابي قضايا عديدة منها علاقة المغترب بالوطن الثاني الذي يعيش فيه وضرورة انصياعه للقوانين المنظمة لحركة الحياة والعيش في هذه البلدان التي استوطنها هؤلاء المصريون المغتربون.. والثابت عملا أن مصر لا علاقة لها باجراء الطرد الذي طال عددا من المصريين العاملين في الكويت باعتبار أنهم خرقوا القوانين المعمول بها, ومنها عدم الاشتغال بالسياسة أو التسبب في إحداث اضطرابات أمنية بشكل أو بآخر.. وكلنا يعلم أن اتهامات من نوع ما قد طالت الحكومة المصرية التي اعتبرها بعض المغتربين قد أسقطت من حساباتها الجالية المصرية التي تعيش في الدول العربية أو أوروبا وأمريكا. ولعل هذا الإجراء الكويتي الذي جري وفق لوائح وقوانين هذا البلد العربي الشقيق كان سببا مباشرا لاعادة طرح القضية برمتها ومنها حق المصريين المغتربين في المشاركة السياسية في مصر.. فالمحقق أن مصر تعيش انفراجة سياسية غير مسبوقة, والممارسات الديمقراطية قد اتسعت رقعتها كثيرا في السنوات الأخيرة, والحراك السياسي قد شمل قطاعات عريضة من الشعب المصري. ومعلوم أن هذا الحديث ينطلق من أرض وطنية خالصة ومن محبة لمصر( الأرض والشعب والسلطة) لا تحتاج إلي دليل, فمصر وطن يعيش في كل المصريين, وليس فقط وطنا يعيش فيه الشعب المصري. يرة مثل الاستخفاف الانتخابي الرئاسي..ويؤلم المغتربون أن دولا عربية كثيرة مثل تونس والجزائر, والسودان ولبنان تفسح المجال لمغتربيها للمشاركة في الانتخابات بينما المصريون لا نصيب لهم في( هكذا إجراء!) وكم هو شاق علي النفس أن تتذكر المصري المغترب أنه سليل شعب عرف الممارسة الديمقراطية في وقت مبكر عبر مجلس شوري النواب الذي شهدته مصر في عام1866.. .. والمشكلة الأخري التي لا يفهم لها المغتربون سببا وتبريرا هي أنهم مفككون في بلاد الدنيا, ولا حول ولا قوة لهم رغم أعداداهم التي قد تبدو غفيرة في بعض المناطق.. وهم يعانون من جهل أبنائهم اللغة العربية, ولا يعرفون إلا النذر اليسير عن دينهم.. ولقد بحت أصوات روابط مصرية هنا وهناك عن ضرورة التغلب علي هذه المشكلات أسوة بالجاليات العربية الأخري, لكن لم يتحرك أحد! .. وفي السياق ذاته يرغب عدد من المصريين في إنشاء بنك المصري المهاجر لكي يكون( حصالة) لمدخراتهم ويجدون منه رؤي أخري لكيفية استثمار أموالهم أسوة بدول أخري مثل المغرب عبر البنك المغربي, أو لبنان عبر بنك المهاجر اللبناني.. وانتظر المصريون في الخارج رأيا لوزير الاستثمار عله يكون الباب الذي يدخل منه المصريون للمشاركة في معركة الانشاء والعمران التي تعيشها مصر طوال العقدين الأخيرين.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث.. ويود المغتربون ان يكونوا فعلا لا قولا سفراء لبلدهم في أوطانهم الثانية لكن أحدا لم يبصرهم بأمور دنياهم ولم يبذل جهدا في ربطهم بالوطن الأم, فشعروا أنهم زائدون علي الحاجة أو انهم مواطنون من الدرجة الثانية.. وأقسم أن النسبة الغالبة منهم تتألم لأي عارض ولو طارئ تتعرض له مصر وأعرف اناسا منهم كانوا يصرون علي ان يوضع العلم المصري بألوانه الثلاثة الجميلة علي جدران بيوتهم او مكاتبهم وعندما كنت رئيسا للجالية المصرية في اوائل تسعينيات القرن الماضي حضرت كتابة اكثر من وصية شدد فيها اصحابها علي لف جثمانهم في حالة الموت داخل العلم المصري وان يوسدوا تراب ارض الكنانة.. .. والحق الذي تعترف به دون خجل او مواربة ان هناك أزمة ثقة بين الحكومة المصرية وأبنائنا في الخارج, فالحكومة في رأيهم ليست الا جابية ضرائب وكفي! وهم في نظرها ليسوا اكثر من بقرة حلوب تجلب لها اللبن كل صباح! لكنها لا تفكر في أمر حياتهم ولا يعنيها من قريب او بعيد مستقبل اولادهم, مع انهم حاملون جينات المواطنة في دمائهم.. بالفعل ثمة مرارة غزيرة في أفواه أبناء مصر في الخارج وهم يريدون ان يبرأوا منها لكنهم في ذات الوقت يشعرون أن أحدا بين وزراء مصر لا يفكر فيهم ويحسبونهم يعيشون( في بحبوحة) وحياتهم رخية, ندية لا يؤرقهم شئ.. برغم أن الواقع الاغترابي يشير الي غير ذلك, فأوطان الهجرة في الدول العربية أو أوروبا وأمريكا تفرز بين وقت وآخر قضايا من نوع الخلط بين الآسلام والإرهاب أو أبناء الجيل الثاني الذي تراه بعض دول اوروبا وحثالة المجتمعات ويعاني أكثرهم من ضرائب باهظة تثقل كاهلهم وتكاد تقضي علي أحلامهم في العودة لأنهم والحالة هذه سوف يعودون بأياد فارغة! بكلمة أخري أبناؤنا في الخارج في حاجة مراجعة حساباتهم مع أنفسهم ومع الدولة وليس هناك مبرر لكي تظل المعادلة بينهما منقوصة ولا علاج غير الشفافية والمكاشفة ثم المصارحة لكي يزول اللبس القاتم. * أساء البعض لفكرة أن تكون( كوتة) النساء في مجلس الشعب القادم64 مقعدا, فسارعت الكثيرات نحو ترشيح أنفسهن( او الشروع في ذلك).. رغم أنهن لا يعرفن شيئا عن ماذا يعني أن يكون الشخص( نائبا) عن شعبه!!.