«صدقونى.. لم أقتلهما.. لم أذبح أمى، ولم أمزق جسد والدى.. كيف أقتل والداى وقد ربيانى صغيرا، وأكرمانى شابا، وساندانى رجلا.. كيف أقتل أحب الناس إلى قلبى وأعزهم على نفسى؟.. صدقونى لا أتذكر شيئا من هذا الكابوس المرعب، سوى منظر جثتيهما غارقتين فى الدماء.. وليتنى مُت قبل أن أرى هذا المنظر المرعب».. كانت هذه كلمات شاب فى نهاية العقد الثالث من العمر، قتل والديه بلا سبب واضح، بدأ بها حديثه مع محقق «فيتو» قبل أن ينخرط فى نوبة بكاء حار.. ثم عاد ليتحدث بصوت تخنقه الدموع متسائلا: « انا هنا ليه.. والحديد فى ايدى ليه.. اتصلوا بابويا ييجى ياخدنى». أدرك المحقق أنه امام متهم من نوع مختلف يحتاج الى طريقة خاصة فى التعامل.. انتظر قليلا حتى هدأ، ثم عاد ليسأله فى هدوء عن اسمه وسنه وعمله وعلاقته بوالديه.. تهللت أساريره وبدت ابتسامة خافتة على شفتيه وهو يجيب: « انا اسمى مصطفى وعمرى 28 سنة واعمل نجارا.. أما علاقتى بوالداى فهى أكثر من رائعة.. أعشقهما ولا أخالف لهما أمرا.. هما أيضا حريصان على مساعدتى ومساندتى.. لم يقصرا معى فى شيء، وسأظل مدينا لهما ما حييت.. المهم ان يحضر والدى الآن ويأخذنى من الحجز، فأنا لا أطيق البقاء مع القتلة والمجرمين لأكثر من ذلك».. قال المحقق: « ولكن ابوك وامك قد ماتا».. انتابت المتهم حالة هياج هستيرى مفاجئ وراح يصرخ «لا.. مش ممكن انتوا بتكدبوا.. ابويا وامى عايشين وهيخرجونى من هنا».. قاطعه المحقق فى حدة: « لا.. هى دى الحقيقة.. انت قتلت أباك وامك».. برقت عينا مصطفى وظل صامتا للحظات ثم طأطأ رأسه الى الارض ومسح دمعة انحدرت على خديه واستطرد: « نعم قتلتهما.. مزقت جسديهما بكل قسوة وعنف.. واصلت طعنهما الى ان فارقا الحياة بين يدى.. ولكنى لم أكن فى وعيى وانا ارتكب هذه الجريمة.. كنت مسيرا ولست مخيرا». عاد المحقق يسأل: « ماذا تقصد بقولك إنك لم تكن فى وعيك».. تنهد المتهم وأجاب: « قبل الحادث بيومين، ذهبت مع بعض الأصدقاء وسهرت معهم ولم اعد للمنزل خلال اليومين.. وفى اليوم الثالث عدت لأجد والدى فى انتظارى بالطابق الأول.. تحدث معى بحدة وعاتبنى على غيابى، ثم أمرنى بالصعود للطابق الثانى حتى تطمئن أمى.. وأنا صاعد على السلم، فوجئت بهاتف فى أذنى وكأنه جنى أو عفريت يقول لى: « اقتل امك.. اقتل اباك».. ثم تكرر النداء أكثر من مرة.. استقبلتنى امى بالأحضان والقبلات والدموع.. قدمت لى الطعام، فأكلته على عجل وأنا شارد الذهن.. ثم سمعت نفس الكلمات « اقتل أمك.. اقتل أباك».. فقدت السيطرة على نفسى.. غبت عن الوعى، ولم أفق إلا على منظر والدتى وهى غارقة فى الدماء، وفى يدى سكين حاد طعنتها به فى رقبتها وصدرها وبطنها.