بين متاهات الحياة ومتاعب الناس.. قصص وحكايات أغرب من الخيال.. وفيها أيضا مآس إنسانية وجرائم تدمى القلوب، وتبكى العيون.. فى السطور التالية يرصد محقق «فيتو» ثلاثاً من هذه الحكايات، دارت أحداثها فى محافظات مختلفة، ولكنها اشتركت جميعا فى أنها جرائم أسرية.. الأولى دارت أحداثها فى الدقهلية، وفيها انهال رجل ضربا وركلا على ابنته الصغيرة، ولم يتركها إلا جثة هامدة، لمجرد أنها طالبته ب «بلوفر» يقيها برد الشتاء.. والثانية شهدتها الجيزة، وفيها مزق رجل جسد زوجته بسكين حاد بعد «عشْرة» دامت 12 سنة، بزعم أنه ضبطها فى وضع مخل مع رجل غريب على فراش الزوجية.. أما الحكاية الثالثة فقد دارت أحداثها فى إحدى قرى مركز طنطا بمحافظة الغربية.. القاتل والقتيل فيها توأم اشتركا فى كل شىء منذ أن كانا جنينين فى بطن أمهما، وعندما كبرا، وأصبحا شابين، وتزوج كل منهما واستقل بأسرته، اختلفا على قيمة إيصال كهرباء، فمزق أحدهما جسد الآخر ليدخله القبر، ويدخل هو السجن.. فإلى تفاصيل هذه الحكايات الثلاث: قصة أب.. قتل ابنته بسبب «بلوفر» فى «ميت غمر» البداية كانت من داخل مركز شرطة «ميت غمر» بمحافظة الدقهلية.. وهناك التقى المحقق بالمقدم أنور زغلول، وسأله عن تفاصيل وملابسات مقتل طفلة فى التاسعة من عمرها على يد والدها.. فأجاب: « الواقعة حدثت فى مدينة ميت غمر، وبدأت ببلاغ قدمه مبلط يدعى «عادل»، اكد فيه ان ابنته «فاطمة» توفيت إثر تعرضها لحادث توك توك أثناء لهوها امام المنزل.. وأثناء اتخاذ اجراءات استخراج شهادة الوفاة حضر جد الطفلة، وقدم بلاغا رسميا اتهم فيه والدها بتعذيبها حتى الموت.. اوقفنا إجراءات تصريح الدفن، وبدأت النيابة العامة التحقيق فى البلاغ الجديد، وكشف تقرير الطب الشرعى عن تعرض الطفلة للضرب المبرح والتعذيب الشديد، وان الوفاة حدثت نتيجة كسر فى الجمجمة ونزيف حاد فى المخ استمر 24 ساعة.. واجهنا الأب بالبلاغ، وبتقرير الطب الشرعى، فأنكر صلته بالموضوع واكد مجددا ان ابنته ماتت نتيجة حادث توك توك.. وفى تحقيقات النيابة، حضر صيدلى يقيم بالقرب من منزل الضحية للإدلاء بشهادته، وفيها اكد ان الاب حضر اليه واستدعاه لاسعاف ابنته والتى كانت فى حالة اعياء شديد، وأنه نصحه بنقلها الى المستشفى لخطورة حالتها، وعرض عليه مبلغا من المال، ولكنه رفض وقال إنه سيتصرف.. تمت مواجهة الأب بشهادة الصيدلى، فانهار واعترف بأنه كان يؤدب ابنته، فماتت من شدة الضرب والتعذيب.. وتوصلت التحريات الى انه كان على خلاف دائم مع زوجته، وانها تركت الضحية معه وعادت الى اسرتها». اكتفى المحقق بما حصل عليه من معلومات من مركز الشرطة، وانطلق إلى منزل الأم الثكلى «سماح»، وبعد ان قدم لها واجب العزاء، طلب منها ان تحكى له الحكاية من البداية حتى النهاية.. مسحت الأم دمعة انحدرت على خديها، وقالت بنبرات حزينة: « حكايتى أو مأساتى بدأت منذ 12 عاما، هى عمر زواجى من عادل.. فبعد شهر واحد من الزواج، ظهر على حقيقته واعتاد الاعتداء علىَ بالسب والضرب، وتعمد إهانتى أمام أسرته.. صبرت على أمل ان ينصلح حاله، ولكن معاملته لى كانت تزداد سوءا.. أنجبت بنتين وولدا.. «فاطمة»، و«نادية»، و«سيف».. اضطررت لتحمله خوفا على أولادى، وهو تمادى فى ضربى وتعذيبى».. صمتت سماح للحظات وتعلقت عيناها بسقف الحجرة، وكأنها تتذكر كابوسا مرعبا ثم استطردت: « قبل الحادث بأيام قليلة.. أجبرنى على خلع ملابسى كاملة، والسير عارية أمام والده وزوجته فى الشقة، وكلما مررت من أمامه يضربنى على ظهرى بكرباج سودانى اشتراه خصيصا لتعذيبى.. الأكثر من ذلك انه فى بعض الأحيان كان يجبرنى على حمل «قطع الفحم المشتعل» بفمى ووضعها على الشيشة، وإذا لم أفعل كان ينهال على ضربا وركلا وجلدا بالكرباج.. وفى المرة الأخيرة ضربنى بعنف، لأننى حرقت «رغيف عيش» أثناء تسخينه، وفقدت الوعى وظللت فى المستشفى 4 ايام، خرجت منه الى منزل اسرتى مع طفلى الرضيع، وتركت «فاطمة، ونادية» معه». عادت الأم الى صمتها ولكن هذه المرة انهمرت دموعها غزيرة على خديها، وهى تتذكر ابنتها الراحلة.. هدأت قليلا وأضافت: «يوم الحادث.. فوجئت ببعض الجيران يخبروننى بأن فاطمة تعرضت لحادث توك توك بسيط.. انقبض قلبى، وشعرت ان الموضوع اكبر من مجرد حادث.. أسرعت الى منزل زوجى، فوجدت أقاربه يجلسون امامه، واكدوا لى ان فاطمة بخير.. لم أصدقهم ودخلت الى حجرتها لأجدها جثة هامدة، وعلى جسدها النحيل علامات الضرب والتعذيب والجلد».. لم تستطع الام مواصلة الحديث بعد ان انخرطت فى بكاء مرير.. التقطت ابنتها الصغرى «نادية» ذات السنوات السبع طرف الحديث وقالت للمحقق: « منذ ان تركتنا امى، ووالدى يعذبنا بالضرب كل يوم.. وفى آخر مرة طلبنا منه ان يشترى لكل منا بلوفر يقينا من برودة الشتاء.. رفض بشدة وثار علينا وراح يضربنا بكل عنف.. ثم طلب من كل واحدة منا ان تختار الأداة التى ستضرب بها.. فاخترت انا «الضرب بالخرطوم»، ورفضت فاطمة الرد عليه.. بدأ بى وضربنى بعنف بالخرطوم وبيديه وكسر بعض أسنانى.. ثم أمسك فاطمة وضرب رأسها فى الحائط عدة مرات، وراح يضربها بقطعة خشبية على رأسها.. نزفت دما غزيرا وراحت تتوسل اليه كى يتركها، ولكنه واصل ضرب رأسها بكل عنف فى الحائط حتى فقدت الوعى.. تركها وانصرف ثم عاد بصيدلى، وطلب منه اسعافها، غير انه اكد خطورة حالتها، ونصحه بنقلها للمستشفى فورا.. لم يستجب والدى له وحبسنى معها ليوم كامل.. شاهدتها وهى تنزف حتى الموت، ولم استطع انقاذها او حتى الاستغاثة.. بعد ان ماتت حاول دفنها دون ان يخبر احدا، ويبدو انه خاف من الصيدلى وأبلغ الشرطة مدعيا ان «توك توك» صدمها وقتلها».. لم يستطع المحقق ان يستمع لأكثر من ذلك، فاكتفى بما حصل عليه من تفاصيل وخرج من المنزل وترك اهله يجترون آلامهم واحزانهم.