صدمة الماضى هى التى تواجه المتابع للحياة العقلية المصرية والعربية، والتى تبدو فى موضوعات وقضايا وإشكاليات المؤتمرات والندوات، ومعارض الكتب، وحركة النشر، وغالب المقالات فى الصحف والمجلات، حالة تبدو كأنها ولع بالماضى وعوالمه وأفكاره وقضاياه وإشكالياته. اللغة وسرودها وأساليبها ومصطلحاتها ومجازاتها يعاد إنتاجها دون رصانة وبلاغة نصوص الماضى وحيويتها. تبدو اللغة فى عديد من الكتابات والمقاربات كأنها جثث لغوية طافية فى فيضان من الماضوية، والسلفية اللغوية والفكرية، وحالة من الغياب عن زمن العالم المتغير. صدمة الماضى هى التى تواجه المتابع للحياة العقلية المصرية والعربية، والتى تبدو فى موضوعات وقضايا وإشكاليات المؤتمرات والندوات، ومعارض الكتب، وحركة النشر، وغالب المقالات فى الصحف والمجلات، حالة تبدو كأنها ولع بالماضى وعوالمه وأفكاره وقضاياه وإشكالياته. اللغة وسرودها وأساليبها ومصطلحاتها ومجازاتها يعاد إنتاجها دون رصانة وبلاغة نصوص الماضى وحيويتها. تبدو اللغة فى عديد من الكتابات والمقاربات كأنها جثث لغوية طافية فى فيضان من الماضوية، والسلفية اللغوية والفكرية، وحالة من الغياب عن زمن العالم المتغير. ثمة غربة فكرية سائدة، وحالة من التوهان التاريخى -بتعبير أنور عبد الملك- حيث الفصام بين غالب الإنتاج العقلى، وما يجرى فى عالمنا فائق السرعة، وما يحدث داخلنا من ظواهر ممتدة أو جديدة أو مشكلات وأزمات متراكمة ومتغيرة على نحو يسم العقل المصرى بالجمود والركود. موضوعات وقضايا ومصطلحات قديمة يعاد إحياؤها وتكرارها، ثمة غربة فكرية سائدة، وحالة من التوهان التاريخى -بتعبير أنور عبد الملك- حيث الفصام بين غالب الإنتاج العقلى، وما يجرى فى عالمنا فائق السرعة، وما يحدث داخلنا من ظواهر ممتدة أو جديدة أو مشكلات وأزمات متراكمة ومتغيرة على نحو يسم العقل المصرى بالجمود والركود. موضوعات وقضايا ومصطلحات قديمة يعاد إحياؤها وتكرارها، ودونما استيعاب لزمن طرحها، وتاريخها الذى أفل ومعه موضوعاته وقضاياه وعالمه اللغوى والاصطلاحى. ثمة بعض من الاستثناءات المحدودة من بعض الباحثين فى العلوم الاجتماعية وهم قلة، وبعض السرود الروائية والقصصية، ونصوص متميزة فى قصيدة النثر. ثمة عالم من اليقينيات، وثقافة الأحكام، والمقولات العامة والأفكار الجاهزة والمعيارية والقيمية الناتجة عن ثقافة الخواء التى تبدو كأنها قادمة من عمليات العقل المغلق الذى استقر عند بعض من اليقينيات، واللغة الخشبية، أو الكلام الساكت وفق التعبير السودانى الذائع. حالة مرضية بامتياز، وتعود لعديد من الأسباب على رأسها ما يلى: 1- ازدياد الفجوات المعرفية بين العقل المصرى، وما يجرى من تحولات معرفية مصاحبة للثورة الصناعية الرابعة والرقمنة والذكاء الصناعى. 2- عدم مواكبة حركة الترجمة للإنتاج المعرفى الجديد فى العلوم الاجتماعية، لا سيما الفلسفة، والاجتماع فى المدارس الغربية، وعدم الاهتمام بما يجرى فى آسيا وإفريقيا فى عالم الأفكار، وتركيز جزء كبير من الترجمات حول بعض الإنتاج الروائى العالمى، مع تهميش الإنتاج الأدبى فى آسيا وإفريقيا، وترجمة أعمال محدودة لبعض الكتاب. 3- غياب حركة نقدية تراجع الإنتاج الفكرى السائد مصريا، وتكشف عن جوانب الاعتلال والخلل فى مقارباته المنهجية وتركيباته وموضوعاته واتجاهاته ولغته واصطلاحاته، وأطره النظرية ومرجعياته. 4- صعود العقل الدينى الوضعى السلفى الذى يعيد إنتاج بنى من التأويلات والتفسيرات والفتاوى الدينية الوضعية التاريخية، وذلك خارج سياقاتها وظروفها وشروطها الزمكانية، واعتبارها فوق التاريخ والجغرافيا وحركة المجتمعات العربية الإسلامية، وإكساب هذه الموروثات طابعًا تقديسيا، واعتبارها منزهة عن إعادة النظر والتقويم النقدى فى ظل متغيرات الأزمنة والمجتمعات. 5- إعادة إنتاج الإجابات والتفسيرات العامة الكامنة فى اللغة الجاهزة، والتى تصلح لتفسير كل الظواهر، ولا تصلح لتفسير أى شىء، لأنها تعيد إنتاج ذاتها. 6- إن مسارات الحركة الإسلامية السياسية والراديكالية والسلفية استطاعت أن تفرض نمطا من تديين اللغة والأسئلة والإجابات الجاهزة، والأخطر حصر غالب العقل المصرى النخبوى فى نطاق الثنائيات الضدية حول الحلال والحرام، المشروع والمحرم.. إلخ. وفرض سلاح التكفير لمن هم خارج نطاق الأفكار الدينية، على نحو أدى إلى حصار العقل المصرى فى فضاءات مغلقة، ومناورات أدت إلى تطويع الأفكار واللغة، وإلى شيوع السيولة اللغوية ومناوراتها التى ترمى إلى الابتعاد عن مجال اصطياد الأفكار وتأثيمها وتكفيرها دينيا من بعض الغلاة من رجال الدين أو أيديولوجيي الجماعات الإسلامية، الذين لجأوا إلى شهر سلاح التكفير لإبعاد الفكر النقدى والتاريخى عن مجال درس البنى الفقهية والتأويلية والإفتائية من منظور تاريخى، يؤدى إلى كشف تاريخية هذه المنظومات الفكرية الدينية الوضعية. 7- إن ثقافة اليقينيات والأفكار العامة سادت فى عديد من مراحل تطور الفكر الاجتماعى والدينى المصرى منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى النصف الأول من عقد الخمسينيات من القرن الماضى، فى ظل مجتمع ونظام سياسى شبه ليبرالى وشبه مفتوح، واستمر فائض هذه الأفكار دونما نقد موضوعى لها، ولمنتجيها أو مستعيريها من المهاد الأوروبية، وتم فرض بعض من الهيبة على بعض شخوصها البارزين أمثال طه حسين، وعباس العقاد ومحمد حسين هيكل، وأحمد أمين وسلامة موسى وآخرين، ولم تتعرض أفكارهم الأساسية للنقد إلا من التيار الإسلامى، وعلى رأسه بعض كتاب جماعة الإخوان المسلمين. من ثم استمرت هذه الأفكار الكبرى وفوائضها طيلة نظام يوليو 1952، ثم حلت الأيديولوجيا الإسلامية السياسية فى عهدى السادات، ومبارك، ثم بعد 25 يناير 2011، وإلى الآن، دون فحص نقدى للأفكار الأساسية، إلا على نحو محدود ومن قلة من العقول النقدية البارزة أمثال فؤاد زكريا وآخرين. من ناحية أخرى، لم تخضع أفكار جيل السبعينيات وما بعد إلى الرصد والتحليل النقدى لأبرز مفكرى ومثقفى وعقول هذا الجيل، وذلك على الرغم من أهمية بعض ما طرحه هؤلاء وكانوا جزءًا من حركة تطور النظريات والأفكار والمناهج، واللغة الجديدة فى عالمنا. 8- غياب ثقافة السؤال التى تطرح الأسئلة، وتساؤل الأسئلة والمقولات والأحكام والإجابات الجاهزة التى تسم العقل والفكر المصرى الفلسفى والاجتماعى السياسى. بعض المحاولات الساعية إلى تأسيس ثقافة السؤال، تمت فى إطار ورش عمل ومؤتمرين لمؤسسة الفكر العربى، ومن خلال عمل راده الأستاذ أحمد الغز المثقف اللبنانى البارز، ومعه بعض المثقفين العرب من مثيل البروفيسور محمد المعزوز، والسيد ياسين وعلى الدين هلال، وكاتب السطور، وهى محاولة شكلت تمرينًا مهمًّا فى حث الباحثين والمثقفين على طرح الأسئلة ومساءلتها والخروج من دوائر الأفكار والإجابات العامة، واللغة الجاهزة، وعلى الرغم من صعوبة هذا التمرين وجدته على العقل المصرى والعربى، فإن التجربة بدت ناجحة، لأن قلة من الباحثين استطاعت الاستجابة لتمرينات ثقافة السؤال التى بدت بالغة الصعوبة على عقل اليقينيات المغلق الذى أدمن الأسئلة والإجابات الجاهزة. لم تستكمل التجربة مساراتها بالنظر إلى عودة المؤتمرات إلى أطرها التقليدية، من حيث الموضوعات والطروحات التى قدمت فيها. ثمة حاجة موضوعية لزلزلة الجمود والركود العقلى السائد من خلال نظام الأسئلة، أو لنظام الأسئلة الذى يخلخل نظام الموضوعات والأسئلة الجاهزة المفارق للتحولات والتغيرات فى الواقع الموضوعى الكونى والمصرى والعربى. إن الأسئلة لا تطرح فى فراغات، وإنما تتطلب متابعة دؤوبة للتحولات المعرفية فى عالمنا، والأسئلة الجديدة التى تطرحها الثورة الصناعية الرابعة، والتى تمس التغير الذى يحدث فى الطبيعة والشرط الإنسانى، وعالم الروبوتات، والرقمنة بكل انعكاساتها على طبيعتنا وحياتنا وأفكارنا ولغتنا، وطرائق مقارباتنا للظواهر والتغيرات المجتمعية وللمشكلات الجديدة التى تواجهها الإنسانية. من أسفٍ، نحن لم نكن جزءًا من الثورات الصناعية السابقة، وعشنا على هوامشها، والآن نحن أمام أسئلة جديدة وغير مألوفة، ولم تعد مقارباتنا وأفكارنا ولغتنا القديمة المثقوبة صالحة لمواجهة ثورة تقنية صاعقة. لن نتحرك إلا من خلال الأسئلة كما يقول أحمد الغز المثقف اللبنانى العربى البارز، ومن ثم لا بد أن تكون جزءا أساسيا فى بناء سياسة ومناهج التعليم ومقرراته من المراحل ما قبل الابتدائية إلى ما بعد التعليم الجامعى، وذلك لوقف هذا السيل من أطروحات الماجستير والدكتوراه التى لا تقدم سوى الأفكار الجاهزة والأسئلة القديمة والخواء.. من ثقافة السؤال من هنا نبدأ.