مع كل مهرجان مصرى تتجدد حالة الذل والمهانة التى تعيشها تلك المهرجانات، وهى تحايل وتتحايل على منتجى ومخرجى هذه الأفلام من أجل أن يوافقوا على عرض أفلامهم فى المهرجان المصرى، بينما صناع الأفلام أعينهم دائما على المهرجانات الأخرى خصوصا الخليجية، والسبب معروف، إنه الجاذبية المادية التى تحققها هذه المهرجانات من خلال جوائزها. والمأساة ليست مصرية فقط ولكن الأفلام العربية أيضا تشد الرحال إلى مهرجانات الخليج، بينما نحن نكتفى بالحديث عن الوطنية المفقودة لدى صناع الأفلام المصرية، ونترحم على مصر قلب العروبة النابض، وكيف أن صناع السينما العربية لا يمنحونها أفلامهم، ولم نفكر أن الزمن تغير، وعلينا أيضا أن نرصد أموالا لجوائز الأفلام العربية حتى يأتى صناع الأفلام إلينا. يجب أن نعترف أن جائزة «عروس البحر» فى مهرجان الإسكندرية أو «الهرم» فى مهرجان القاهرة لا تشكل عامل جذب أدبيا. بالتأكيد المعاناة تبدو أكبر فى مهرجان الإسكندرية الذى ارتبط بعدد من الفضائح التى تتجدد فى كل دورة، تجعل أغلب صناع الأفلام يبتعدون عن المشاركة فى فاعلياته.. مثلا صناع أفلام الثورة المصرية الذين شاركوا فى مهرجان «كان» بفيلم «18 يوم» ومهرجان فينيسيا بفيلم «الطيب والشرس والسياسى»، فضلا عن أن تصبح المحطة التالية لهما مهرجان «أبو ظبى» الذى يفتتح بعد يومين بعد نهاية فاعليات مهرجان الإسكندرية. وبدلا من أن تبحث إدارة المهرجان عن أفلام تسجيلية أو روائية قصيرة قدمت عن الثورة، وهى بالمناسبة كثيرة ومن الممكن أن نكتشف أن بعضها يفوق فى مستواه هذين الفيلمين، يهاجم المهرجان منتجى هذه الأفلام! وتبقى مسابقة أفلام «الديجيتال» ولا يجدون إلا فيلم «الحاوى»، ويتم تغيير اللائحة التى كانت تمنع مشاركة فيلم سينمائى مصرى داخل المسابقة الرسمية للمهرجان سبق عرضه تجاريا، وهى قاعدة عامة مطبقة فى كل مهرجانات الدنيا، لكن مهرجان الإسكندرية يبدو أنه يعيش فى دنيا غير الدنيا.. فعلها مهرجان الإسكندرية أكثر من مرة أيضا بسبب عدم توافر الفيلم المصرى، مثلا فى عام 2004 من أجل أن يعرض فيلم «خريف آدم» كانت لائحة المهرجان تمنع ذلك، لأنها كانت تقضى فى السابق بأن الفيلم الذى شارك فى مهرجان مصرى لا يجوز عرضه فى مهرجان الإسكندرية، وعلى الفور تم إلغاء هذا البند ليتاح ل«خريف آدم» الاشتراك.. ثم حدثت المشكلة الكبرى التى لم يتنبهوا لها أن الفيلم من إنتاج 2002، واللائحة تقضى بأن المهرجان يعرض الأفلام داخل المسابقة فقط من إنتاج نفس عام إقامة المهرجان، أو العام الذى يسبقه ورغم ذلك اخترقوا اللائحة! لماذا العبث فى قاعدة عامة تبدو مستقرة فى كل المهرجانات؟ وهى أنه لا يجوز عرض فيلم رسميا سبق عرضه تجاريا؟ كان من الممكن مثلا أن يعلن المهرجان عن ندوة موسعة تتناول ما دأبنا على أن نصفه بالسينما المستقلة، والتعبير ليس دقيقا لكنه أصبح دالا على هذا النوع من الأفلام، وتعرض أفلاما تحت هذا الإطار على هامش المهرجان مثل «ميكروفون» و«بصرة» و«عين شمس» و«هيليوبوليس» و«الحاوى» وغيرها.. وفى هذا الإطار يلعب المهرجان دورا فى إلقاء الضوء على النمط الإنتاجى المغاير الذى سيشكل فى السنوات القادمة نسبة تصل إلى 50% من الإنتاج السينمائى المصرى، فهو التيار القادم ولا شك.. كان الممكن للمهرجان أن يحمى اللائحة من الاختراق وفى نفس الوقت يضع خارطة الطريق لنمط إنتاجى قادم، ولكنه الاستسهال فى العثور على حل رغم أن المهرجان غير مسؤول عن عدم توافر إنتاج سينمائى مصرى لائق بتمثيلنا، إلا أن الخوف من أن يعتبر ذلك فضيحة لو أنه لم يُعثر على فيلم مصرى هو الذى دفعه إلى اتخاذ هذا القرار العشوائى! لقد حرصت إدارة المهرجان على أن تمارس ضغوطا لعرض فيلم «كف القمر» فى الافتتاح، بينما مخرج الفيلم خالد يوسف وحتى اللحظات الأخيرة يتدلل، والمهرجان يرجوه ويوسط طوب الأرض، السر أن المهرجان لا يُشعر السينمائى المصرى أنه يضيف إليه شيئا لو شارك أو لم يشارك فى فاعلياته، وتلك هى مأساة مهرجان الإسكندرية الذى أراه يحاول أن يتجنب فضيحة فيهوى إلى فضيحة أكبر!