هل ما انتهى أمس فى الإسكندرية من فاعليات تستطيع أن تطلق عليه مهرجانا سينمائيا وصل إلى الدورة رقم 27 من عمره؟ قد يرى البعض أن الأهم هو أننا أقمنا نشاطا ثقافيا فى وقت أغلقت فيه كل التظاهرات الثقافية وأظلمت كل الأضواء، إلا أننى لا أرى بطولة لمجرد أن نقيم عروضا سينمائية محدودة فى العدد والقيمة تُرصد لها ميزانية قدرها مليون جنيه ثم لا يسفر الأمر عن شىء سوى أن نعلن فقط خيبتنا أمام الناس! هل ما أسفرت عنه هذه الدورة من تردٍّ وتسيب حدث بسبب ضآلة الإمكانيات أم أنه ضيق فى الأفق وقصور فى الخيال؟ أو ربما تستطيع أن تعتبره عدم دراية بقواعد المهرجانات.. لا تسألنى كيف يحدث اختراق للقواعد والمهرجان بدأ أول دورة له عام 1978.. أقول لك إن مهرجان الإسكندرية لا علاقة له بمهرجانات الدنيا، فهو لا يستفيد أبدا من التجارب التى سبقته. صحيح أن كثيرا مما تراه فى هذه الدورة من أخطاء حدث وأكثر منه فى دورات سابقة مثل عدم الالتزام بجدول العروض وتغيير عرض الفيلم فى اللحظة الأخيرة، وفوق كل ذلك عدم الاعتذار عن التغيير، أضف إليها أيضا هذه الدورة خطيئة كبرى هى أن قسطا وافرا من أفلام المسابقة لن يراه الجمهور ولا النقاد.. أرجو أن لا تسألنى مرة أخرى هل كان هناك بالفعل جمهور يذهب إلى السينما لأن الحقيقة هى أننا لم نعثر على أثر يُذكر لهذا الجمهور! حصيلة ضئيلة جدا من الأفلام هى التى استطاع المهرجان الحصول عليها.. يقولون إن إضراب الطيارين فى مصر حال دون وصول الأشرطة السينمائية بينما المهرجان انطلقت فاعلياته قبل بدء الإضراب، والمهرجان يحدد طبقا للائحة أن آخر موعد لتسلم الأفلام أول سبتمبر، أى كان ينبغى أن تصل الأفلام إلى إدارة المهرجان قبل انعقاده بأكثر من شهر. الحقيقة أنه لم يكن لدى المهرجان أفلام، والأمر ليس له علاقة بإضراب الطيارين، ولهذا مثلا بالصدفة ظهر فى الفندق الذى يقام به المهرجان هشام عبد الحميد، ولهذا عُرض له فيلمه القصير «لا لحفظ ماء الوجه» حتى يعلن المهرجان أن لديه أفلاما، وبالصدفة تكتشف إدارة المهرجان أن فيلم «الحاوى» لا يجوز عرضه رسميا لأنه سبق عرضه تجاريا فتقرر برمجته فى اللحظات الأخيرة خارج التسابق رغم أن هذه القاعدة ليست اكتشافا، فهى مطبقة فى كل بلاد الدنيا، ولكن إدارة المهرجان اعتقدت أنها بصدد ثورة، وفى أعقاب الثورة يحدث الانفلات، فقدموا تنويعة ثقافية على الانفلات الأمنى ليصبح انفلاتا أمنيا ثقافيا مزدوجا! أعلن المهرجان عن إقامة ندوة لأسامة هيكل وزير الإعلام يتناول فيها علاقة السينما بالتليفزيون.. هل من المنطق أن نستضيف وزيرا يرفع سيف المصادرة فى مواجهة الحرية ويغلق قناة تليفزيونية ويهدد آخرين بالإغلاق ونرى فى بداية عهده أشباح الرقابة تطل علينا؟! هذا الوزير يريد المهرجان للسينمائيين ليرتموا فى أحضانه ويحتموا به. من الممكن أن تعتبرها حالة من الإحساس باليتم وهو يبحث عن كبير لأنه ليس لديه كبير فى النظام يدعمه، حيث إن وزير الثقافة عماد أبو غازى ابتعد تماما عن الصورة، وهو فى الحقيقة مبتعد عن أغلب الأنشطة الثقافية. صحيح أنه، وعلى مضض، وافق على الدعم وعلى أن يمنح القائمين على المهرجان الميزانية كاملة وهى تلك التى طلبها فى العام الماضى فاروق حسنى ووافق عليها يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق، أى أن الدولة لا تستطيع أن تمارس بها نشاطا آخر. المهرجان يحتاج إلى حماية من مسؤول فى السلطة، فذهبوا إلى أسامة هيكل ليصبح كبيرهم ووعدهم بندوة. يبدو أنه تأكد أن الندوة سوف تتحول إلى محاكمة لوزير أطلق يده لخنق الحريات فآثر السلامة. الجوائز التى أُعلنت مساء أمس مطعون على شرعيتها مسبقا. لجنة التحكيم شاهدت نصف الأفلام على أسطوانات «دى فى دى» ونصفها أشرطة سينمائية، أى أنه قد انتفت العدالة، وما بُنى على باطل فهو باطل! إنها حالة من الانفلات الثقافى، وجد البعض فى تبعات الثورة حجة من أجل أن يبرر الأخطاء والخطايا والثورة بريئة.. الثورة أصبحت مثل مسح التختة.. حجة البليد!