كانوا يسبحون الله بلحن «إفلوجيمنوس»، أو «مبارك الآتي باسم الرب»، وهو خاص ب«أحد السعف»، ذكرى دخول السيد المسيح أرض أورشليم (القدس)، وفق الاعتقاد المسيحي. لكن لحن شمامسة «مارجرجس» توقف فجأة في بدايته، حين كانوا يكروون: «أوصنا» التي تعني «يا رب خلص»، مع تفجير كنيستهم. «الشمامسة» هم خُدام الكنيسة، الذين يعاونون الكهنة في أداء الخدمات الدينية والصلوات الكنسية، وذُكر عمل الشمامسة في «سفر أعمال الرسل» بالكتاب المقدس. هم يقفون على جانب الهيكل في صلاة القداس بجميع الكنائس، مرتدين ثياب بيضاء. كان عددهم 24 شماس في كنيسة مارجرجس بطنطا، قبل تفجير أمس، الذي جاء من ناحيتهم - بحسب كاهن الكنيسة القمص بيشوي وديع - فأنهى حياة 15 منهم على الأقل. صورة نشرها المركز الثقافي القبطي لشمامسة الكنيسة التوأم يفترقان من بين هؤلاء، «الأخ» - كما ينادونه الشمامسة بالكنيسة - سليمان شاكر، فهو، إضافة لشقيقه التوأم مجدي، الأكبر سنًا بينهم، فهما مواليد عام 1965. سليمان ومجدي أمضيا حياتهما سويًا، حتى أنهما انضما لهذه الكنيسة معًا للخدمة منذ طفولتهما، وأصبحا بعد ذلك من كبار الشمامسة، الذين يُعلمان الشباب الجدد، بحسب فادي فكري، أحد شمامسة الكنيسة، الذي لم يحضر قداس أمس. اعتاد التوأمان أن يقفا بجانب بعضهما في كل صلاة قداس، وتقول ميرنا سمير، وهي من شعب هذه الكنيسة، «إن الحضور كان يحب أن يستمع لصوتهما وهما يرددان الألحان». ولكن جاء التفجير الذي تبناه تنظيم «داعش» ليفرق بينهما، فتوفى الأخ سليمان، وظل أخيه مجدي حيًا، لكنه أصيب في أذنه اليسرى. الصورة للشماس سليمان شاكر الإجازة الأخيرة كان يقف بجانب التوأمين، الشماس مينا نعيم، الذي يخدم في مدارس الأحد بالكنيسة منذ سنوات طويلة، لذلك يقول عنه فادي فكري: «أعرف مينا جيدًا، لأنه حين كان يعيش في طنطا ويخدم في مدارس الأحد، كان يمر عليِ وعلى الأطفال ليأخذهم إلى الكنيسة، لأنه كان أكبر منا بنحو 9 سنوات.. سافر إلى الكويت لأنه كان يعمل هناك مهندسًا، وتزوج وأنجب ولدًا عمره 7 سنوات، واعتاد أن يأتي إلى طنطا كل عام ليقضي إجازة العيد». لكن هذه الإجازة لم تكن كسابقاتها بالنسبة لمينا، فوصل إلى مصر يوم السبت، واستعد أن يلبس «التونية» (زي الشمامسة) ليصلي كعادته كل عام مع الشمامسة في قداس «أحد السعف». وكان هو القداس الأخير الذي يحضره مينا. تمنى أن يستشهد يقول فادي فكري إن جميع الشمامسة لم يخافوا الموت، وتمنوا أن «يستشهدوا»، لكن أكثرهم في تلك الرغبة كان مايكل نبيل. رغم أن مايكل في بداية الثلاثينات من عمره، واستقبل مولودته منذ فترة قصيرة، ويعمل طبيب صيدلي، إلا أنه تمنى أن يلحق بضحايا الكنيسة البطرسية - كما يتذكر فادي - الذي يقول: «كان دائم الحديث أمامنا على سير القديسين، الذين استشهدوا في المسيحية واشتهر بذلك». ووصفته ميرنا سمير بأنه «كان شخصًا هادئًا لا يحب المشاكل». مايكل إلى جانب عمله، درس في الكلية الإكليريكية (معهد الدراسات المسيحية)، وتخرج منها وحصل على المركز الأول، وسلمه البابا تواضروس الثاني الشهادة في حفل لخريجي الكلية خلال زيارته طنطا في يناير الماضي. الصورة للشماس مايكل نبيل كان يستعد لحفل زفافه أما الشماس عادل سليمان، الذي كان يقف بجانبهم أيضًا أثناء صلاة القداس، فكان خادمًا بالكشافة الكنسية، ويعمل مندوبًا في شركة أجهزة كهربائية. عادل كان يرتب لإقامة حفل زفافه بعد العيد المقبل. الصورة للشماس عادل سليمان مع البابا تواضروس الكاهن دخل بابنه وخرج بدمائه التفجير أنهى الصلاة، وملأ أغصان السعف بالدم، دون أن يستكمل بيشوي، نجل القمص دانيال، كاهن الكنيسة، دراسته في كلية الطب، التي كان اقترب من إنهائها. وخرج القمص دانيال من القداس، الذي كان يترأسه، وعلى سترته بقع متناثرة من الدماء، وكان بيشوي لازال حيًا رغم أن جسده ينزف من كل ناحية - حسب ما يصف فادي فكري - لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة فور وصوله المستشفى. وظل والده بسترته الملطخة بالدماء حتى الصلاة على أرواح الضحايا في نهاية اليوم. الصورة للشماس بيشوي القمص دانيال تحدث الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس، عن هؤلاء الشمامسة، أثناء الصلاة على أرواحهم مساء أمس الأحد بالكنيسة ذاتها، قائلًا: «تودع الكنيسة خيرة شبابنا الذين كرسوا أنفسهم لخدمة إلهنا الصالح. كانوا نفوسًا جميلة وشبابًا تعلم بالكنيسة أن يخدم الآخرين، لم يكونوا فقط شمامسة بل كانوا خدامًا وكلمة خدام تعني انهم يخدمون الأطفال والشباب والفقراء والمرضى والمعاقين والمسنين». واختتم كلمته عنهم: «ما نراه على الأرض أن اللحن توقف إنما في السماء فهم دخلوا ليكملوه. هنا الكنيسة توشحت بالحزن، لكن هناك يملأ هؤلاء الشباب أرجاء السماء بالفرح». تنويه: صور الشمامسة مأخوذة من موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بعد التأكد من صحتها.