أنا بترجاكى يا مصر إنك تفرحى بقى، ده حقّك وإوعى تقولى نأجّل الفرح دلوقتى لغاية ما كل أهداف الثورة تتحقق ولغاية ما نعرف نجيب حق الشهداء، أكيد معاكى حق وكل ده لسة ماتحققش وناس كتيرة لسّه ماخدتش حقها لكن برضه ماينفعش الفرح يبقى متحرم علينا طول الوقت ولا شك أن الدستور اللى وافقت عليه لجنة الخمسين يوم الأحد الماضى هو خطوة لها دلالتها وأهميتها فى سبيل التحرك قدما نحو مستقبل أفضل لهذا الوطن، ووارد طبعا أن جيلنا قد لا يشهد كما تقول الأمثال الشعبية «على حياة عينه» جميع النتائج الإيجابية التى سيؤدى إليها هذا الدستور الجديد من حماية للحقوق والحريات بمختلف أنواعها واهتمام بالتعليم والصحة والبحث العلمى، ولكن بلا أدنى شك فإن أولادنا وأحفادنا الأعزاء سوف يشهدون أياما أفضل فى وطن أكثر تقدما بفضل هذا الدستور الذى، رغم اختلافنا على بعض مواده، فإنه لا يمكننا إنكار أنه قد فتح أبوابا جديدة تسمح لمصرنا العزيزة قريبا باحتلال مكانتها اللائقة والمستحقَّة على الخريطة العالمية بصفتها كما تقول الست أم كلثوم «تاج العلاء فى مفرق الشرق». قد يظن البعض أننى أسرف فى المبالغة أو أنه قد جرفتنى الحماسة فرحة بهذه الخطوة الأولى نحو الاستقرار المنشود بإذن الله، وقد يكون ظنّهم فى محله ولكن هذا هو بالفعل شعورى الحقيقى فرحة عارمة بهذا الإنجاز الإيجابى أخيرا وبعد طول انتظار فى لحظة حلم بها أمثالنا طويلا حتى كدنا نفقد الأمل فى حدوثها، فأرجوكم دعونا نعِش هذه اللحظة بدون شوشرة أو ضغائن أو حساسيات ولنستمتع بها ولو قليلا قبل أن نرجع إلى خلافاتنا ومزايداتنا ومهاجمتنا لبعضنا البعض وترجع ريما لعادتها القديمة، أرجوكم استرجعوا فى أذهانكم مشهد التصويت على الأربع مواد الأخيرة من الدستور الجديد وما تلاها من استماع الأعضاء وقوفًا للسلام الجمهورى وهتافهم بحياة مصر مع رئيس اللجنة عمرو موسى والدموع التى لمعت فى العيون تأثرا بلحظة ستتذكرها وتستحضرها الأجيال القادمة فى معرض استعراضها لما مر بمصر من أحداث فى هذه الفترة الانتقالية الصعبة التى نرجو أن تكون قد قاربت نهايتها على خير. ولذلك فدعونا يا سيداتى وسادتى، ولو لمرة واحدة فحسب، نحاول النظر للأمور بإيجابية ونبذل الجهد الصادق فى البحث عن الجيد والحسن قبل أن نتصيد السيئ والقبيح فنحن حقيقة نحتاج لهذه الاستراحة لالتقاط الأنفاس والتدبر فى الأمور واتخاذ القرار برأس بارد بشأن إلى أى طريق نحن ماضون، فهل نقرر الاحتفاء بهذه الخطوة الأولى فى طريق طويل ملىء بالتحديات وتحفّه المخاطر من كل جانب سعيًا نحو تحقيق ما تبقى من الأحلام بإصرار وتفاؤل؟ أم نرفض الصبر على المكاره ولو لحين ونتبنى نظرية، إما كل شىء الآن وفورًا أو لا شىء أبدًا، مهددين بتغيير المواقف وملوحين بتغيير المعسكر والانتقال إلى الضفة الثانية من النهر؟ فماذا أنتم يا ترى فاعلون؟ قد يبدو الاختيار فى نظر البعض صعبًا فى ظل نظرة حدية صفرية لحسابات المكسب والخسارة تقوم على مبدأ أن ما أكسبه أنا يخسره بالضرورة حليفى المختلف معى دون أن نطرح على أنفسنا خيار العمل سويا على تحقيق مكاسب مشتركة فى ظل إدراكنا أن اللعبة السياسية تقوم دائما على المواءمات والتوافقات، ولنتذكر أن كل من نزل من مقعده الوثير ومحيطه الآمن منضمًّا إلى الملايين من المصريين الذين جابوا الشوارع يوم 30 يونيو مطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة هو قد أصبح بالقطع جزءًا من تلك الجبهة التى قررت أنها تريد التغيير الجذرى دون رجعة رغبة منها فى الحفاظ على قيمها وثوابتها المجتمعية القائمة على السماحه والاحتفاء بالتنوع، فلا ننسَ ذلك يا حضرات ولنتذكر أسباب توحدنا فى الأشهر الماضية مدركين فى أعماقنا أن تلك الأسباب ما زالت قائمة، ولذلك لا يجب أن نسمح بتفكك هذه الجبهة وانفراط عقدها كما دأبنا على ذلك فى مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، لأن فى تفككها وانقسامها هلاكنا وسقوطنا فى هوة عميقة يمكن أن تبتلعنا جميعا دون رجعة، ولكن دعونا من كل تلك الهواجس فأنا بالقطع متفائلة بالمستقبل القريب وألف مبروك علينا جميعا دستورنا الوليد.