نشرت «نيويورك تايمز» تقريرًا خبريًّا عن السيسى، أوضحت فيه أن الشارع المصرى يتفاعل مع الرجل، وأن هناك حملات شعبية غير موجهة تحتفى به باعتباره بطلًا قوميًّا خلّص المصريين من خيبة الإخوان وتحدّى الضغوط الأمريكية والغربية لإعادة مرسى إلى الحكم ثانية، وهذا التقرير لا يعتبر شهادة نجاح للرجل أو لمصر، فالمصريون لا يأبهون الآن بالآراء التى تأتيهم من خارج الحدود، سلبية أو إيجابية، وبالفعل فإن الشارع المصرى الآن يعبّر فى كثير من مظاهر حبّه للرجل واعتزازه به، حيث تلحظ العين بسهولة صوره المعلقة فى المحلات التجارية أو التى ترفع فى الشوارع بأحجام كبيرة وتتضاعف هذه الظاهرة بقوة فى الأحياء الشعبية، حيث يقوم الأهالى بتجميع مبالغ بسيطة من بعضهم البعض كى يعلنوا عن تأييدهم للرجل ومحبتهم له، واللافت فى هذه التحركات الشعبية التلقائية أنها مستمرة منذ أن أقام السيسى فى 3-7-2013 بالاستجابة إلى الإرادة الشعبية وأقصى محمد مرسى بعيدًا عن سدة الحكم وخلّص المصريين من كابوس الإخوان المسلمين، وكان يعرف أنه بهذه الخطوة سوف يواجه عنفًا كبيرًا من جانب عناصر الإخوان والمتطرفين فى تيارات الإسلام السياسى، وأن عليه أن يواجه حربًا لا هوادة فيها مع الجماعات الإرهابية التى استفحل وجودها فى سيناء بعد التغطية التى منحها لهم الإخوان خلال سنة حكمهم ووصل بهم الحال إلى أنهم أصبحوا دولة داخل الدولة، وكان يعرف أن الغرب الذى كان يدعم الإخوان كاملًا ضد إرادة المصريين سوف يبذل قصارى جهده لخنق هذه الإرادة ومحاولة التخلص منه شخصيًّا، لكنه كان شجاعًا وجسورًا غلب مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، وارتضى برجولة وعزة وطنية وعزة نفس أن يؤدّى واجبه من خلال موقعه، والرجال هم الذين يعرفون أن المسؤولية تكليف وأعباء وأمانة لا يمكن للشرفاء أن يفرطوا فى أى جزء منها، ولأن المصريين شعب ذكى قادر على الفرز وتصنيف الأوفياء له من غير الأوفياء، ارتقى عبد الفتاح السيسى سريعًا سلم البطولة بلا دعم من حزب أو سلطة نظام حكم. ومع مرور الوقت أصبح بطلًا قوميًّا فى وقت غابت فيه الأحزاب ولم تستطع القوى السياسية قاطبة أن تبرز فى المشهد السياسى قائدًا يعبر عن مصالح الجماهير وآمالها بعد سنوات طويلة من العناء والركود طوال عهد مبارك وسنوات المرحلة الانتقالية بعد 25 يناير وحكم الإخوان، والمصريون انحازوا إلى السيسى لأنه انحاز إليهم فى البداية ونزل على إرادتهم الشعبية ونفّذ مطالب الشعب دون تردد، والآن المصريون يحتاجون إلى زعامة وطنية فى ظل عدم وضوح الرؤية وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية. هنا يُطرح السؤال: ما دام الرجل قويًّا شعبيًّا لماذا لا يصبح رئيسًا للجمهورية؟ وما دام على دراية من خلال مواقعه الحالية والسابقة بخبايا الأوضاع: لماذا لا يصبح رئىسًا للجمهورية؟ وما دامت القوى السياسية كافة فشلت حتى الآن فى تقديم وجه مقبول للرئاسة، يتكرر السؤال: لماذا لا يصبح السيسى رئيسًا للجمهورية؟ لا شك أن هاجس الحكم العسكرى والفاشية العسكرية ينتاب أنصار المجتمع المدنى وحتى المصريين الذين يرون فى السيسى بطلًا قوميًّا، يخشون من أن الرجل لو صار رئىسًا للجمهورية يمكن للبلاد أن تنزلق إلى هوة الحكم العسكرى وأن تعود مصر ثانية إلى نظام جديد من الشمولية والاستئثار والهيمنة، وهذا ما ثار عليه المصريون مرتين فى أقل من ثلاثة أعوام فى انتفاضات كبرى تكشف أنهم لن يتنازلوا عن الديمقراطية. وأمام هذا الموقف المعقّد يكمن الحل فى أن يستكمل السيسى دوره البطولى ويغادر القوات المسلحة تاركًا موقعه كوزير للدفاع وقائد عام ليصبح مدنيًّا وأن يتلاحم مع القوى الشعبية فى الشارع، فى هذه اللحظة الفارقة من عمر الوطن، وهى غالبية، كى يشكّل حزبًا يعبّر عن آمال الجماهير ومصالحها الحقيقية، وهو الذى عبّر عن إرادتها فى 30-6، وترى فيه الأغلبية من المصريين الآن الرجل القادر على العبور بها إلى المستقبل، وهذا هو التحدّى الأكبر والواجب الأصعب والمسؤولية الأخطر فى عمر هذا الوطن، وعن طريق الحزب الجديد الذى يعبّر عن إرادة شعبية يمكن أن يترشّح رئىسًا للجمهورية، ويمكن لحزبه إذا حاز على أغلبية فى البرلمان أن يشكّل الحكومة وتنطلق مسيرة هذا الوطن لرئىس لا تزيد مدة ولايته على فترتين ويخضع لقواعد الدستور، وهنا يمكن أن تتفاعل الحياة السياسية بقوة ويبدأ الواقع فى إظهار قوى سياسية جديدة قادرة على المنافسة وقيادة آلية حقيقية للديمقراطية. لقد كان خطأ جمال عبد الناصر الذى انحاز للشعب وحقّق له أعظم مكاسب فى العصر الحديث أنه لم يفكّر فى إنشاء حزب سياسى وإطلاق حرية إنشاء أحزاب، متجاوزًا طبيعة مرحلته التى كانت تعتمد فى أغلب دول العالم الثالث على التنظيم السياسى الواحد، ولو كان فعل لما انتكست مصر بعد وفاته «فهل يفعلها السيسى؟».