البطل الشعبى فى الوجدان المصرى وليد اللحظة التاريخية التى تختبر الرجال وما يقررون، ارتبطت صورة البطل الشعبى بالفارس، الجندى المحارب، النبيل، الراهن حياته فى سبيل الإنسان المصرى وأرضه وكرامته وكبريائه، فعندما نتحدث عن الإنجاز المصرى، نشير إلى الإمبراطورية المصرية الفرعونية التى وسعت حدودها بالجيش المصرى، عندما نتذكر المطامع الاستعمارية، هكسوس، صليبيين، تتار، نجد الجندى المصرى حائط الصد القاهر، فعندما وقف عرابى فى وجه الخديو توفيق قائلا: لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا، كان يتحدث عن الكبرياء المصرى، وعندما أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس كان يؤكد القرار المصرى، وعندما اتخذ السادات قرار حرب أكتوبر كان يعبر عن الشخصية المصرية التى لا تقبل سوى الانتصار، وعندما انحاز السيسى لملايين المصريين التى خرجت فى 30 يونيو كان يجسد الإرادة المصرية، فالصورة الوجدانية الشعبية للبطل المصرى تتحدد ملامحها فى المؤسسة العسكرية، مصانع الرجال واليمين الذى يقسمون عليه كل صباح، الله الوطن الشعب. دكتورة هدى زكريا - أستاذ علم الاجتماع السياسى بكلية الآداب جامعة الزقازيق - تقول: الزى العسكرى الكون كله ينادى عليه.. ففى أمريكا مثلا حكمها أيزنهاور وهو رجل عسكرى انتخبه الشعب الأمريكى انتخابا ديمقراطيا ثلاث مدد لثقته فيه ولأنه حقق إنجازات عظيمة نظراً لسمعته العسكرية والبطولة الرائعة التى حققها فى الدفاع عن أمريكا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية كذلك نفس الحكاية تتكرر مع الرئيس الفرنسى الراحل شارل ديجول الذى يعتبره الفرنسيون بطلاً قومياً فقد كان أيضا ضابطا.
هنا المسألة العسكرية تتوارى فالديمقراطية لا يمكن أن تتحق فمن يربط بين العسكرية وانتفاء الديمقراطية فهو عدو فلماذا يسمح الغرب لنفسه أن ينتخب ضباطاً ولماذا تسمح أمريكا لنفسها أن يحكمها ضباط وعندما يحكمنا نحن ضابط تموت الديمقراطية؟! فكيف كانت تحيا لديكم الديمقراطية.. أضيف إلى ذلك شيئا مهماً جداً وهى أن الديمقراطية كلمة تتردد كثيرا يستخدمها من يؤمن ومن لا يؤمن بها.. ومن يظن أن الديمقراطية أتت لنا بمرسى فهذا أمر غير صحيح.. فالديمقراطية لها شروط وقبل تنفيذها لابد من تحرير لقمة الخبز كما قال الرئيس جمال عبدالناصر.. فلا يجوز أن نلفظ كلمة ديمقراطية إلا إذا كانت هناك قوى سياسية متكافئة.
وأنا أذكر أننا وقت تنحى الرئيس عبدالناصر فعلنا أشياء من أغرب ما يمكن ونزلنا إلى الشوارع بطريقة تجلت فيها كل أشكال الديمقراطية لنجعله يعدل عن هذا القرار وأذكر أن فى هذا اليوم الفتيات كانت ترتدى الزى الكاكى وتطوع منهن الكثيرات فى العسكرية بعد أن ضمن عودة عبدالناصر إلى سدة الحكم وأذكر أننا تعلمنا حمل السلاح والكلاشينكوف لأننا كنا على يقين أننا الظهير الوطنى للجيش.. ومن هنا أود أن أقول: إن علاقة الشعب المصرى بالجيش هى علاقة خاصة بمعنى أن علاقة شعوب أمريكا اللاتينية بجيشها علاقة سيئة جدا لأنه جيش مرتزقة ويقبل أن يباع ويؤجر وعندما أسسوا الديمقراطية قفز الجيش على الديمقراطية فى عام 1973 وقتلوا رئيس الجمهورية المنتخب دكتور سيلفادور الليندى رئيس جمهورية شيلى وذلك لأن الولاياتالمتحدة قد منحت أحد ضباط شيلى ويدعى بينوشيه بعضا من الأموال مقابل قتل الرئيس.
خلاصة القول: إن «مش كل بدلة كاكى تشبه بعضها.. البدلة الكاكى الوطنية هى من أدوات الديمقراطية.. فنحن لم نستطع أن نرسى أسس الديمقراطية مع الرئيس مرسى وجماعته التى كانت تهدد المجتمع والشباب بالقتل.. إذن نحن لم نستطع أن نؤسس للديمقراطية فى هذه الأجواء وفى هذه الحالة نلجأ إلى القوة السياسية الوحيدة القادرة على الفعل السياسى وهو الجيش الذى يقوم بدور دعم الديمقراطية.. وتضيف قائلة: «لقد قرأت دراسة تقول: إن الجيوش لا تحب أن تكون فى سدة الحكم لأن الجيش يفضل - حسب تدريبه - أن إدارته وثكناته هى بالنسبة له أحسن الأوضاع لأنه إذا دخل على الحياة المدنية يكون يحمل حملين.
كذلك وفقا للدراسات الأمريكية فقد ذكرت أن أمريكا محكومة بالصفوة العسكرية ورجال الأعمال ولكن من وراء الكواليس أما الظاهرون فى الساحة السياسية الأمريكية فما هم إلا مجرد واجهة.
وعن صورة البطل والقائد تقول دكتورة هدى زكريا: «صورة البطل لا ترتبط بشخص الرجل أو بزيه العسكرى وإنما ترتبط بدوره الذى يلعبه.. فنحن أحببنا الرئيس عبدالناصر بسبب أفعاله وقراراته التى كانت تصب دائما فى مصلحة الشعب.. كذلك اليوم ما يفعله الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى يلعب اليوم دوراً وطنياً خالصاً فى ظل تهديد وضغط شديدين من أول أوباما حتى من يهدده بمنزله و أهله وعائلته.. ولكن بفضل دوره الوطنى أصبح الناس تهتف باسمه فهو الوحيد الذى انتفض من أجل نصرة الشعب المصرى ضد الإخوان وهو من قام بالدور الذى فشل آخرون من أطراف القوى السياسية بالقيام به بل تحالفوا من الأساس مع الإخوان ونزلوا على قوائمهم فى الانتخابات البرلمانية.. ولكن فى شهر واحد قام الفريق السيسى وساند شعبه الذى لم يجد «من يطبطب عليه» وقام هو بالذى يستطيع أن يقوم به لإنقاذ هذا الشعب وإبطال مفعول مؤامرة كبرى كادت أن تودى بالبلاد.. فالقضية ليست فقط فى «البدلة الكاكى». ولكن البدلة الكاكى أتاحت له أن يمارس قوة لصالح الشعب ولكن هذا لا يمنع أن علاقة المصريين بالجيش هى علاقة ذات خصوصية تاريخية.. فالجيش فى بلدنا مثل اللبن الحليب أو المياه المقطرة لكن الضابط فى أوروبا هو ضابط الملك ورجل الحاكم يضرب بسيف الملك والشعب كان فى نظر الضابط اسمه الغوغاء.. ولكن هنا فى مصر رغم أن محمد على كون الجيش ولأن هذا الجيش كان من نسيجنا الشعبى من أدنى طبقات الفلاحين وعندما قال الخديو توفيق لأحمد عرابى أنتم عبيد إحساناتنا فقال له لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا وحفظ الله الشعب وليس حفظ الله الملك كما يقال فى أوروبا.. فعادة ما يختار الجيش عذابه فلو كان عرابى قد اختار الخديو لأصبح وزيرا للحربية وإنما عندما اختار الثمن الكبير المكلف وهو الشعب.. حتى أيام مصطفى كامل كان الجيش يرسل إلى مصطفى كامل تليغرافات: «مرنا يا أخانا تجدنا طوع بنانك» وذلك بالرغم من ظروف الجيش الصعبة فى ذلك الوقت فلم يكن الجيش قوياً آنذاك كذلك كتب عبد الناصر فى مذكراته أنه قد فرضت علينا الأوضاع أن نكون الفئة التى تقوم بالدور الوطنى لأن وقتها كانت مصر تغرق فى فساد الملك وتحت وطأة الاحتلال فقرر أن يقف إلى جانب الشعب.. فاليوم الذى يقرر فيه الجيش أن يختار يقرر أن يختار الطريق الأصعب ولكنه الأجمل.
وعن السادات تقول دكتورة هدى زكريا إن السادات فقد شعبيته بسرعة لأنه اتبع سياسة الانفتاح الاقتصادى ف 20٪ من المصريين وقعوا تحت خط الفقر وفقا لإحصائيات الأممالمتحدة وهو الذى تم اعتباره انحيازاً للأغنياء.. كذلك أخذ يروج أنه سيؤسس للديمقراطية بدعوى أن عهد جمال عبدالناصر لم يكن ديمقراطياً وكان عهد عصر المعتقلات فخرج السادات ليقول إنه سيهدم المعتقلات ونصف مصر دخلت أصلا المعتقلات فى عهده وأذكر أن لى صديقات عدة قد تقابلن فى المعتقل! فأغلبية سيدات مصر كن فى المعتقل ولا ننسى مذبحة أساتذة الجامعة التى طرد فيها خيرة الأساتذة من مناصبهم.. ناهيك عن أنه هو الذى أخرج الإخوان من السجن وأطلقهم على القوى السياسية الناصرية واليسارية فى الجامعة الذين لم يكونوا مقتنعين به.. وكان هؤلاء الإخوان السبب فى ارتداء النساء الحجاب ومن لم ترتد منهن كانت تطارد.. كل هذه الأجواء كانت فى عهد السادات لدرجة أن الإخوان قتلوه فى نهاية الأمر وهو الذى أخرجهم من السجون ومن ذلك يتضح لنا أن الإخوان لا أمان لهم.