مسلسل الهروب من "جحيم الحروب" إلى "الفردوس الأوروبي" يتكرر شبه يوميا منذ خمسة أعوام بل ازدادت وتيرته خلال العام الماضي، حيث يعتبر عام 2014 أكبر عام للجوء منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما راح ضحيته آلاف الضحايا معظمهم غرقا بين أمواج البحر المتوسط بسبب قوارب الموت المتهالكة وكبرى عصابات الاتجار بالبشر. من نجا منهم كان مصيره مجهولا معرضا للتعذيب والإهانة أو الموت في الغابات الأوروبية لأنهم يصارعون مجهولا وينتقلون إلى مصير غير معلوم وكثير منهم تعرض للإهانة والموت وعند وصولهم البعض قطع جواز سفره، وظل بلا وثائق تثبت جنسيته، ومنهم من استخدم جوازات سفر مزورة، ولكن حتى يثبتوا أنهم سوريين، واستمروا في معاناة ليتمكنوا من اثبات أنهم لاجئون فروا من الحروب المشتعلة في بلادهم. القوانين الأوروبية والجنة العليا لشؤون اللاجئين تسهل إلى حد كبير للفارين الانضمام لإحدى الدول الأوروبية، حيث يضمن الدستور الألماني "للملاحقين سياسيا الحق في الحصول على لجوء"، ولا ينبغي على مقدم طلب اللجوء إثبات أنه ملاحق، ولكن عليه أن يصور ذلك على نحو جدير بالتصديق. في البداية فإن عملية اللجوء تسير على نحو مشابه لكل المتقدمين الذين يدخلون الأرض الألمانية فالمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين BAMF يحدد الولاية التي سيتم إيواء مقدم اللجوء فيها. وهناك يتم فحص ما إذا كان قد قدم طلبا في دولة أوروبية أخرى، فإذا كان ذلك هو الحال لا يحق له البقاء في ألمانيا. في البداية يقيم مقدمو الطلبات في مراكز إيواء كبيرة وغير مريحة، وبعد ثلاثة أشهر يستطيعون الانتقال للعيش في بيوت صغيرة للاجئين أو في شقق سكنية إذا كانت متوفرة. حيث استقبلت ألمانيا أكثر من 173 ألف التماس جديد للحصول على اللجوء في عام ٬2014 مما يجعلها البلد الأكثر تلقي لطلبات اللجوء في العالم وكانت هذه الأرقام أعلي بنسبة 58٪ عما كانت عليه في عام 2013. وقد قبلت البلاد أيضا أكثر من 200 ألف لاجئ. في الواقع٬ توفر ألمانيا ثلثي نسب القبول ومواقع إعادة التوطين المتاحة في أوروبا، ومع ذلك٬ فإن السويد قبلت أعلى عدد من اللاجئين نسبة إلى عدد سكانها٬ بنسبة 78 لكل عشرة ألاف مواطن سويدي. في حين كانت نسب قبول المانيا 21 موافقة على طلبات اللجوء لكل عشرة آلاف طلب، أما تركيا فقد قبلت 12 طلبا مقابل كل عشرة آلاف وكانت الولاياتالمتحدة هي الأقل حيث وافقت علي 4 طلبات فقط مقابل كل عشرة آلاف. رحلة العبور المحفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط لا يمكن منعها إلا إذا أنشأ الاتحاد الأوروبي شكلا من طرق العبور الإنساني بين ليبيا وجزيرة صقلية. يأتي حاليا يوميا عبر البحر ما بين خمسمائة وحتى ألف شخص بطريقة غير قانونية. ولكن حتى بالنسبة للذين يصلون للأراضي الأوروبية، فإنهم يعانون من العديد من المصاعب والمشكلات، حيث عرقلت جهود التوافق بين دول الاتحاد الأوروبي إلى تكدس اللاجئين في بعض البلاد فيما رفضت بلاد أخرى استقبالهم، ما زاد الحمل على البلاد المستقبلة وأدى لتدهور الاقتصادي بها واندلاع التظاهرات الرافضة لاستقبال المزيد من المهاجرين. ومع غياب أي حل في الأفق، تلجأ الدول الأوروبية كذلك إلى إجراءات لمنع دخول اللاجئين اليائسين إلى أراضيها، مثلما فعلت المجر التي أقامت سياجا شائكا هائلا على حدودها مع صربيا. والمشكلة هي أن الحكومات الأوروبية من بريطانيا وحتى السويد تواجه تحديا من التيار اليميني والأحزاب المناهضة للهجرة التي تجعل أية خطوة إضافية لاستقبال مزيد من المهاجرين ضارة بالحكومة. وسببت دولة مقدونيا الصغيرة الواقعة وسط البلقان، أزمة غير مسبوقة لجيرانها ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، بعدما استنفرت جيشها وأعلنت الطوارئ أواخر الشهر الحالي لمنع عبور موجة من اللاجئين غير النظاميين القادمين من اليونان، أراضيها. وباستثناء صربيا -التي تمثل قناة العبور التالية للاجئين باتجاه الدول الغنية في الاتحاد الأوروبي- اتخذت دول مجاورة لمقدونيا إجراءات مماثلة، لمنع تدفق هؤلاء إلى أراضيها، مما مثل تصعيدا إضافيا للأزمة.