من نقاط ضعفى الكبرى، التى أزهو أنها تقوينى، أننى سريعة الانجذاب إلى الرجل الحر، كما تنجذب القصيدة لإلهام العشق.. وكما ينجذب جسدى لشد أمواج البحر، وكما ينجذب الغناء إلى نزف البلابل. يحزننى كثيرا أن الرجل الحر نادر ندرة المطر فى مواسم الصيف، وندرة الفصاحة فى بلاد مقطوعة الألسنة. يمكننى ملء مجلدات عن تواضع الرجل الحر.. عن دماثة الرجل الحر.. عن نزاهة الرجل الحر.. عن استنارة الرجل الحر... عن نبل الرجل الحر. لكننى ألخص جوهره، أنه لا يقبل أن يسيطر عليه أحد، وبالدرجة نفسها، لا يقبل أن يسيطر على أحد. حسب مفهومى هذا للحرية، لا يهمنى، أن يكون الرجل فقيرا، أو معدما.. لا يهمنى، إن كان لا يعرف القراءة، والكتابة، ويجهل أحداث التاريخ، وحدود الجغرافيا، وقوانين الطبيعة. لا يهمنى إن لم يكن يعرف لغات أجنبية، ولا يتعطر بالعطور الباريسية ولا يقتنى السجاجيد الفارسية. لا يهمنى، إن كان عاجزا جنسيا مع النساء.. أو عاجزا تكنولوجيا مع الآلات، أو عاجزا كمبيوتريا مع الإنترنت.. أو لا يعرف المعجزات السبع القديمة. لا يهمنى إن كان له منصب، ونفوذ، وكادر وظيفى يتمرغ فى ترابه، أو كان على باب الله، يعيش يوما بيوم. لا يهمنى إن كان مثقفا أو مولعا بالشعر والروايات، أو مُحبا للأفلام، واللوحات، والموسيقى، والغناء. لا يهمنى لو أبوه ملك الملوك، أو متسكع صعلوك.. لا يهمنى لو أمه رئيسة دولة أو رئيسة وزارة أو رئيسة عصابة أو رئيسة رابطة الفجل. الرجل الحر، لا يحتاج -فى رأيى- إلى تعليم، ومواعظ، وشهادات، وتدريب. الحرية هى الموهبة العظمى التى تتيح كل أنواع التعليم.. هى الجامعة الموسوعية المجانية التى تمنح أرقى الشهادات.. وهى أبرع ورشة للتمرن على الإنسانية، واقتباس غاية الوجود. «الحرية» هى الثقافة الحقيقية.. هى العلم الحقيقى.. هى الفن الحقيقى.. «الحرية»، هى الفضيلة الحقيقية.. بل هى أم كل الفضائل. «الحرية» هى الحقيقة الوحيدة التى تستحق أوسمة التكريم. الرجل الحر يسبح ضد التيار، واستطاع أن يغلب إنسانيته، وإحساسه بالعدالة، على إغراء الهدايا المجانية، فى المجتمع الذكورى. يعلم الرجل الحر أن هذه الهدايا رشوة لإسكات ضميره العادل. واستطاع فضح ثقافة تحترمه، وتميزه، وتفضله لمجرد أنه «ذكر». وأعلن نفوره من امتيازات أخلاقية، لا يستحقها، إلا على أساس تافه، مضحك، ساذج، لا معنى له، يسمونه.. التشريح البيولوجى. إن المرأة الحرة، هى بلا شك، مصدر إحراج للثقافة الذكورية. لكن الرجل الحر الفاضح لظلم الثقافة الذكورية هو مصدر لإحراج أشد، لأن الثقافة الذكورية ليست متعودة على أن يتحداها «رجل»، منحته كل الامتيازات، والأفضليات والأهلية، والقيادة، والولاية، وما لذ وطاب من الرخص الأخلاقية. تتساءل الثقافة الذكورية، لماذا يثور على ثقافة تعامله كما لو أنه «إله»؟ لماذا يحارب ثقافة تقول إن له حق الطاعة العمياء، والهيبة، والتسلط، والوصاية وكرباج الضرب، والحظر، وحق قتل إناث العائلة، دفاعا عن شرفه واسمه؟ تحرج الثقافة الذكورية وتغضب، لأنها تعلم أن بحكم سيادة صوت الرجال، فإن الرجل الحر الثائر له مصداقية أكبر من المرأة. وتعلم أن الثائر على الثقافة الذكورية العتيقة يمكنه أن يثور على أى شىء، ولذلك هى تتهم الرجل الحر، الذى يحاربها، مثلما تتهم المرأة الحرة التى تتمرد عليها. أناشد الرجال الأحرار فى مصر أن يتحدوا فى جبهة واحدة نسميها «جبهة الرجال الأحرار»، ستكون مهمة هذه الجبهة هى تعرية الفساد الأخلاقى، الذى أسس لقيام الدولة الذكورية، ونظام الحكم الأبوى. ومتابعة سريان هذا الفساد الأخلاقى، فى الحياة الخاصة، والحياة العامة، فى البيت، وفى الدولة، تحت سقف حجرات النوم، وتحت سقف البرلمان، وجميع المؤسسات. سوف تعمل جبهة «الرجال الأحرار»، على توعية النساء، والرجال، بمدى الانحطاط الأخلاقى، الذى ينخر فى عظام الفكر الذكورى منذ آلاف السنوات. وكيف أن الثورة على الاستبداد السياسى وعلى الاستبداد الدينى لا تكتمل دون الثورة على الاستبداد الذكورى. وكيف أن أى تفرقة بين البشر هى تنويعات على اللحن الأساسى للتحكم والسيطرة. وكيف أن كل نوع من التفرقة، طبقية، ودينية، وعنصرية، وعِرقية، يخدم بعضها بعضا. سيعلن الرجال الأحرار، عن رفضهم التام، لكل أشكال الانتهاكات الممارَسة ضد المرأة، منذ أن تولد، وحتى الموت. هم ضد الختان.. وضد الاغتصاب.. وضد الزواج المبكر.. وضد الزواج بالإكراه.. وضد الطاعة المفروضة على النساء.. وضد تغطية المرأة.. وضد الازدواجية الأخلاقية.. وضد شيطنة المرأة. سيصرّح الرجل الحر بأنه ينفر من المرأة المطيعة، الخاضعة، الخائفة، المستسلمة. نحن فى زمن الثورة. ولقد بدأت الثورة، وما زالت مصرة على التقدم. إن الوقت ملائم جدا، لكى يتحد كل أصحاب الفكر الحر، فى مسيرة واحدة. كتب نزار قبانى: منْ يرضى باستكانة امرأة، يرضى باستكانة وطن. لا أدرى، ماذا فى هذا الوطن، يجعل الأحلام تتضاءل.. تضمر.. تتآكل؟ ماذا فى هذا الوطن، يجعلنا نضعف قبل الأوان.. نيأس قبل الأوان.. نمرض قبل الأوان.. ونموت قبل الأوان؟ ماذا فى هذا الوطن يتهمنا دون أدلة.. يحبسنا دون دفاع.. ويشنقنا دون أمنية أخيرة؟ لا أدرى، ماذا فى هذا الوطن، يضع الميت فى التابوت الخطأ؟ يبعث بالرسائل إلى العنوان الخطأ؟ وكلما ارتوينا زاد الظمأ؟ لا أدرى، ماذا فى هذا الوطن، يجعل الدماء ماء، ويجعل الضحك من تجليات البكاء؟ ماذا يجعلنا نغلق ألف باب قبل أن ننام؟ كيف فى هذا الوطن، الحنان مثل طعنة الخنجر؟ ماذا فى هذا الوطن، يجعل العزاء من المستحيلات؟ والحب من صنع الوسواس الخناس؟ وعِزَّة النَّفس تحت المداس؟ من واحة أشعارى ---------------- كيف نقول إننا بلد الفقراء ولا أحد يبيت دون عشاء؟!